إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الأثر النفسي لتطبيق الحدود الشرعية









الصحة النفسية للفرد والأسرة والمجتمع

الصحة النفسية للفرد والأسرة والمجتمع

للصحة النفسية، بالنسبة إلى الفرد، تعريفات عدة، نورد منها ما يلي:

  1. هي التوافق الداخلي بين مكوّنات النفس، المتمثلة في الغرائز ـ وهي الجزء الفطري، الذي يُولَد به الإنسان ـ وجهاز القِيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية داخل الإنسان، وهو ما يتم اكتسابه من العالم الخارجي خلال عملية التربية. وهذا التعريف يتفق مع الأصول الإسلامية، التي تشير إلى مكوّنات النفس بأنها "نفس أمّارة بالسوء"، وهي التي تقابل الغرائز، و"نفس لوامة"، وهي التي تقابل جهاز القِيم والمعايير الاجتماعية والأخلاقية، إذْ إِنها تلوم الإنسان، عندما يشذ عن تلك القِيم، فيعود إلى الانضباط، ويطابق بين أفعاله وقِيمه، عندئذ يتوافق نفسياً. فتصبح محصلة نفسه مطمئنة، ويوصف بأنه ذو نفْس مطمئنة. ولعل الوصول إلى تلك الحالة من الطمأنينة صعب المَنال، لأن طبيعة الحياة صراع بين الرغبة والحرمان. وحين يصل الإنسان إلى جِماع ( أي حل يوفّق بين المتناقضَين ) للرغبة ونقيضها، لا يلبث هذا الجِماع أن يتحول هو نفسه إلى رغبة، فيتولد داخل النفس ما يناقضه، ثم يتحقق التوافق بالوصول إلى جِماع. وهكذا يظل الإنسان في معاناة ومكابَدة طوال حياته. ولا يصل الإنسان إلى الاستقرار التام، إلا حين يتكامل ويشعر بالرضا. وتتوقف كل الرغبات ونقائضها، وهذا يحدث في المرحلة الأخيرة من مراحل النمو النفسي الاجتماعي، كما يراها إريك إريكسون Eric Erikson، حول مراحل عمر الإنسان المختلفة، بادئة من الطفولة حتى الشيخوخة، ثم يصل إلى الطمأنينة الكاملة بالعودة إلى الذات العُليا بعد الموت. واستطراداً، فإن التوافق الداخلي توافق نسبي، ولا يمكِن استمراره طوال الوقت، وتلك هي طبيعة النفس البشرية.
  2. الصحة النفسية هي التوافق بين أحوال النفس الثلاث: حالة الأبوة (Parent)، وحالة الطفلية ( Child)، وحالة الرُّشد أو النضج (Adult) والمقصود بحالة الأبوة الحالة التي يتخذ فيها الشخص من الآخر موقف الأبوة ( أو الأمومة )، سواء كانت أبوة مُحِبةً وعطوفاً ومانحة ومشبِعة للحاجات، فهي تعطي الآخر كل ما يطلبه، مادياً ومعنوياً، وهو ما يوصف بالأبوة ( أو الأمومة ) الطيّبة، أو كانت ناقدة ولائمة، تصب عدوانها على الآخر. أمّا حالة الطفلية، فهي تصف موقف الضعف والعجز والحاجة إلى الآخر، وعدم القدرة على مواجَهة الواقع، أو تحمّل المسؤولية. لذلك، فإنها ترتبط باللجوء إلى الآخر، وطلب المساعدة. أمّا الراشد ( أو الناضج )، فهو الوسط بين الأب والطفل. فهو لا يدّعي المقدرة على كل شيء، ولا يجعل الآخرين يعتمدون عليه ( أي أنه ليس أباً ولا أماً )، وهو أيضاً لا يطلب الإشباع من الآخرين، ولا يعتمد عليهم ( أي أنه ليس طفلاً ). ومن ثَمّ، كان الناضج واقعياً أي مرتبطاً بالواقع، ومتحملاً للمسؤولية. ويتضح هذا التعريف من خلال التعامل مع الآخرين، فعندما يصاب شخص بكَرْب، وينتابه الشعور بالضعف والعجز وقِلْة الحيلة ( وهو موقف الطفل )، فإنه يلجأ إلى من هو أقوى وأقدر على مساعدته على مثل هذا الكَرْب، وهو الذي يمثّل موقف الأب ( أو الأم )، وهذا الأخير إذا ترك المكروب ( أي الطفل ) في اعتماده عليه، تكون تلك منفعة متبادلة، لأن أحدهما مستفيد من دور الطفل، والآخر مستفيد من دور الأب. وإذا لاحظنا هذا الموقف بعمق، نرى أنه ينُم على اعتمادية متبادَلة، وهي لا تُنمّي أيّاً من الطرفين. لا تنمّي الطفل، لأنه سوف يستسهل الاعتمادية المغدقة عليه، ولكنه سيدفع ثمنها، لأنه سوف يظل في حاجة إلى الأب، وعليه أن يطيع كل ما يفرضه عليه الأب من قيود، كي يستمر في تلقِّي المساندة، أي أن الثمن هو حرّيته وحرّية اختياراته. كما أنها لا تنمّي الأب لأنه سوف يتوقف عند مرحلة الاعتماد النفسي على من يوقّره، ويُشعِره بذاته من أَجْل العطاء الذي يقدّمه. وهو حين يعتمد، نفسياً، على آخر ( الطفل الذي يُعطيه )، فهو طفل بصورة أخرى في اعتماديته، وهذا يَنكُص به إلى موقف الطفل ولا ينمّيه. أمّا الأب الذي يريد أن ينمو، فهو الأب الذي يُنمّي مَنْ يلجأ إليه طلباً للمساعدة، وهو مَوقف الناضج ( الراشد )، إذْ لا يَدَع الآخر يستلقي ويستريح على كتفيه، بل يساعده على فَهْم الواقع وتقبّله وعدم التخلي عن مسؤوليته فيه. فلا يساعده على الهرب إلى الاعتمادية، بل يجعله يواجِه مسؤوليته ويتحملها، وهو في هذا يرفعه من موقع الطفل إلى موقع الناضج، الذي يستطيع مواجَهة هذا الموقف، وكذلك يتعلم كيف يواجه مواقف جديدة.
  3. وهناك الرؤية الشاملة إلى الصحة، وهي رؤية جديدة لا تتجزأ إلى صحة نفسية وصحة جسمانية، لأن كلاً منهما تؤثر في الأخرى وتتأثر بها. وهي تُعرِّف الصحة، بوجه عام، بأنها: ( حال الوجود الإيجابي للإنسان بنَواحِيه الثلاث، البيولوجية والنفسية والاجتماعية، والتناغم بين هذه النواحي الثلاث )، فالإنسان تتكامل فيه نَواحٍ ثلاث، هي: الناحية البيولوجية، التي تشمل الجسد وما يتعلق به من أعضاء وأجهزة، كالجهاز الدوري والجهاز التنفسي، والجهاز العصبي. وهذه الأجهزة تتكامل أيضاً بدورها، فلا يمكِن لأيّ منها أن يقوم بوظائفه من دون تكامله مع باقي الأجهزة. والناحية النفسية، وهي المعنوية للإنسان، وتشمل المشاعر والانفعالات والانتباه والتفكير، وغيرها من الوظائف النفسية. والناحية الثالثة، وهي الاجتماعية، ويُقصد بها علاقات الشخص الاجتماعية، وقدْرته على أداء دوره الاجتماعي، سواء على مستوى أُسرته، أو على مستوى مجتمَعه. فالإنسان كائن اجتماعي لا يمكنه العيش بمفرده، وكما يُقال في المثل الشعبي: "جنة من غير ناس ما تنداس "، أي أن الشخص حين يوجد وجوداً إيجابياً فعالاً ومؤثراً في البيئة من حوله، من الناحية الجسدية والنفسية والاجتماعية، وتتناغم هذه النواحي الثلاث مُحقِّقة التكامل فيما بينها، فتلك هي الصحة بوجه عام.