إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / المجتمع المدني









المجتمع المدني

المجتمع المدني

Civil Society

يُشير مصطلح المجتمع المدني إلى مفهوم الحياة العامة، وليس إلى الأنشطة الخاصة، أو أنشطة وحدة المعيشة (العائلة). وهو موجود جنباً إلى جنب مع مصطلحي الأسرة والدولة، كما أنه موجود داخل إطار النظام القانوني. ومن ثم فإن التصور الشائع للمجتمع المدني لدى غالبية المفكرين، يدل على مجال المشاركة العامة في الجمعيات والمؤسسات الطوعية، ووسائل الاتصال الجماهيري، والهيئات المهنية، والنقابات العمالية، وما إلى ذلك.

ووجود المجتمع المدني في مركز متوسط بين الأسرة والدولة، كان يمثل في رأي بعض المفكرين ظاهرة مؤقتة، يمكن تجاوزها عندما تتوحد المصالح الخاصة والعامة. وفي تصور نفر غير قليل منهم أن المجتمع المدني يمثل المجال الخاص في مواجهة الدولة. في حين يرى أنطونيو جرامش أنه يمثل حصناً قوياً للهيمنة الطبقية، التي تعمل في النهاية على التدعيم الأساسي للدولة. أما المفهوم الأحدث لمصطلح المجتمع المدني، فيرى أنه كيان دينامي يستوعب فكرة الحركات الاجتماعية والمواطنة، ويربط بين الحقوق والواجبات المعترف بها، ويتيح لها فرص الممارسة والتمحيص والتنقيح، وإعادة التعريف على مستوى المجتمع المدني باستمرار.

وهناك العديد من المسميات والمفاهيم التي تعبر عن المجتمع المدني، ومن ذلك:

·       المنظمات غير الحكومية N.G.O.S.

·       القطاع الثالث Third Sector.

·       القطاع التطوعي Voluntary Sector.

·       القطاع الخيري Philanthropic Sector.

·       المنظمات غير الربحية Non profit organizations .

وعلى البرغم من هذا التباين في المسميات، إلا أنها كلها تتسم بوجود معايير واحدة وقواسم مشتركة، على النحو التالي:

1. أن المجتمع المدني لا يهدف إلى الربح، ويسعى إلى تحقيق النفع العام.

2. أنها منظمات تطوعية إرشادية، نشأت بمبادرات ذاتية من أعضائها.

3. أنها تحكم وتُدار ذاتياً، وليس من قبل قوة خارجية.

4. أنها تؤدي خدمة عامة لكل من يستحقها؛ وليس فقط لأعضائها المساهمين.

5. أنها قادرة على الوصول إلى المناطق النائية والمحرومة في المجتمع، وتقديم الخدمة بتكاليف منخفضة.

إن المجتمع المدني من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده، من جهة، وبينهم وبين الدولة، من جهة أخرى. وهي علاقات اجتماعية تعتمد على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضي، والتفاهم والاختلاف، والحقوق والواجبات والمسؤوليات، ومحاسبة الدولة عندما يستدعي الأمر محاسبتها. وهذا النسيج من الناحية الإجرائية هو شبكة العلاقات الاجتماعية، ويستلزم -لكي يكون ذا جدوى- أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة، تُشكل في ومجموعها القاعدة الأساسية، التي ترتكز عليها مشروعية الدولة، من ناحية، ووسيلة مراقبتها ومحاسبتها إذا اقتضى الأمر، من ناحية أخرى.

وقد رأى كريستوفر بيرسون Pirson، المجتمع المدني بوصفه المجال البعيد عن سلطة الدولة Non stat-sphere، والذي يتضمن تشكيلة من المؤسسات الاجتماعية تنتظم بطريقة ديموقراطية، وتنطوي على ضمانات شرعية.

ومعنى ذلك أن المجتمع المدني هو مجتمع مستقل، إلى درجة كبيرة، عن إشراف الدولة المباشرة. فهو يتسم بالاستقلال، والتنظيم العفوي والتلقائي، وروح المبادرة الفردية، والجماعية، والعمل التطوعي، والحماس من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات المهمشة والضعيفة. وعلى الرغم من أن المجتمع المدني يُعلي من شأن الفرد، إلا أنه ليس مجتمعاً فردياً؛ بل هو مجتمع التضامن والتكافل عبر شبكة من العلاقات الواسعة، من المؤسسات والهيئات المختلفة.

ويرى إيزاك Issac أن المجتمع المدني هو بناء يضم شبكة من العلاقات الإنسانية، التي تقع مستقلة عن، أو سابقة على الدولة أو المجتمع السياسي. وتُعد هذه الشبكة ذات أهمية وأولوية أخلاقية كبرى. وهنا يكون النظر إلى الدولة بوصفها إحدى وسائل حماية هذه الشبكات. ويؤكد إيزاك أن الحديث عن مجتمع مدني، عادة، يستحضر إلى الذهن مباشرة تلك الروابط، التي تعتمد على النقد اللاذع والدعاية لأعمالها ووظائفها. إنها تلك الروابط التطوعية المستقلة عن الدولة، والتي تهدف دائماً لخلق مساحات متنامية من المعارضة، من أجل إقصاء البيروقراطية المعوقة، والبناءات التقليدية.

وهذه السياسات، غالباً، توجه إلى الدولة وضدها؛ ولكنها لا تهدف إلى السيطرة أو التحكم في الدولة، مثلما تهدف الأحزاب السياسية. كما أنها لا تنخرط ولا تستوعب في نسيج الدولة، من أجل تحقيق مكاسب ومميزات محددة، كحال جماعات المصالح؛ ولكنها أكثر من ذلك فهي سياسات للإقناع الأخلاقي، تقدم لأعضائها الشعور بالفخر والكرامة والقوة، وتؤثر في العالم السياسي، من خلال قوة النموذج الذي تقدمه، ومن خلال نتائجها المحددة جداً والقريبة.

وعلى الرغم من شمولية هذا التعريف لمفهوم المجتمع المدني، من حيث كونه يشير إلى القيم الأولية، التي تشكل الركائز المعيارية لأي تنظيم مدني مستقل عن الدولة، إلا أنه وقع في شراك الاتجاه السائد، الذي يميل إلى قصر مفهوم المجتمع المدني على التنظيمات والجمعيات الأهلية، بمختلف أنماطها الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، وغيرها. إن هذه الجمعيات، في واقع الأمر، لا تمثل إلا مكوناً واحداً فقط من مكونات المجتمع المدني. ويتضح ذلك بجلاء عندما عدّ إيزاك الأحزاب السياسية وجماعات المصالح كيانات، مستبعدة من مؤسسات المجتمع المدني. كذلك، نلاحظ أن الباحث قد أضفى النزعة الخلافية على العلاقات بين هذه المؤسسات الأهلية وبين الدولة، على الرغم مما قد ينشأ بين الطرفين من تعاون يحقق المصلحة الاجتماعية، ويكمل دور الدولة الاجتماعي في مجالات كثيرة ومتنوعة.

ويذهب باول هيرست Hirst، إلى أن المجتمع المدني هو ذلك الفضاء، الذي تُدار فيه القضايا والأمور الاجتماعية بعيداً عن سلطة الدولة الممتدة؛ فتنتقل هذه الإدارة بقدر المستطاع من أيدي الدولة، إلى تلك المؤسسات الجمعية الطوعية ذات الحكم الذاتي الديموقراطي. ويهدف المجتمع المدني إلى الربط وتحقيق الائتلاف، بين الاختيار الفردي للمبادئ الليبرالية وبين المساعدة الجمعية العامة Collectivism؛ فمساحة تدخل الدولة وتوجيهها للعمل، تتناقص كثيراً؛ ولكن ليس على حساب وظائف التمويل والمساعدة الاجتماعية. ويتم التمويل الحكومي والشعبي لهذه الجمعيات، من أجل قيامها بوظائف مثل التعلم والصحة. ويهدف هذا التوجه في نهاية الأمر إلى تقوية الدولة، من خلال المجتمع المدني.

لكن هناك من يرى أن المجتمع المدني يشير إلى جملة التنظيمات غير الحكومية، غير التابعة لسلطة الدولة مباشرة، كالنقابات المهنية والاتحادات العمالية، وكذلك الجمعيات الاجتماعية المختلفة، كالثقافية، والاقتصادية والاجتماعية، والخدمية، والقانونية، والأحزاب السياسية، وبعض وسائل الإعلام، وبعض دور العبادة، ونوادي أعضاء هيئة التدريس، والاتحادات الطلابية بالجامعات.

وتضطلع مؤسسات المجتمع المدني بمهام كثيرة في ميادين مختلفة، على الصعيدين الوطني والدولي؛ فبوسعها توفير المعارف والمهارات الحماسية والنهج غير البيروقراطي، والمنظور الشعبي، وتكملة موارد الإدارات الحكومية، وجمع الأموال الكبيرة من أجل التنمية والأبعاد الإنسانية. كما تُشجع احترام حقوق الإنسان، وتعزز تسوية المنازعات. على أن الأمر لا يخلو، كذلك، من بعض مؤسسات المجتمع التي قد لا تكون ديموقراطية في هيكلها وتخدم مصالح ضيقة، خاصة في المجال السياسي.

وفي ضوء ذلك يحدد الباحث الدكتور سعد الدين إبراهيم، معالم المجتمع المدني بوصفه يشير إلى تلك التنظيمات غير الحكومية التابعة للدولة مباشرة، وغير الإرثية ـ أي لا تكون عضويتها إجبارية، ولا على أساس المولد، كالأسرة والعشيرة والقبيلة والدين والطائفة والعرق والسلالة. وبهذا المعنى فإن تنظيمات المجتمع المدني تقوم على عضوية مكتسبة واختيارية، كالنقابات المهنية، والروابط، والاتحادات، والأحزاب، والجمعيات، وغيرها من المؤسسات التطوعية.

وعلى هذا يمثل المجتمع المدني جزءاً من القطاع المجتمعي في المجتمعات الإنسانية الحديثة. وتقع هذه المنظمات كهمزة وصل بين القطاعين العام والخاص، ومن ثم فهي أداة ربط ووصل بين مكونات وبناءات المجتمع. وعلى الرغم من اختلاف المنظمات الأهلية من حيث الشكل، والحجم، والأهمية، والأدوار، التي تؤديها بين الدول والثقافات المتباينة، فإن لتلك المنظمات وظائف وأدواراً محددة؛ فهي تناصر المحرومين والمهمشين، والضعفاء، والمستبعدين، وتسعى للتغيير الاجتماعي المنشود، وتقدم الخدمات الاجتماعية والبرامج الثقافية، التي تنمي الوعي الاجتماعي والثقافي.

مما سبق يمكن تعريف منظمات المجتمع المدني بوصفها "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف".