إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / مواجهة مشكلة المخدرات، بين الواقع والمستقبل




نبات الأفيون (الخشخاش)
نبات الكوكا
نبات القنب (الحشيش)
بعض أنواع المخدرات التخليقية

أنواع المخدرات
مرتكزات الحد من انتشار المخدرات




مقدمة

مقدمة

      تُعَدّ مشكلة انتشار المخدرات، وتداولها، وتعاطيها، من أخطر القضايا، التي تهدد معظم دول العالم، لا فرق، في ذلك، بين دولة قوية، وأخرى ضعيفة، ولا بين دولة غنية، وأخرى فقيرة. وعلى المستوى العربي، ينذر تفاقم المشكلة بالخطر الداهم، الذي يؤدي إلى أضرار بالغة بخطط التنمية الشاملة، بما يتركه من آثار مدمرة على الشباب، وأفراد المجتمع، صانعي هذه التنمية.

      وإزاء تفاقم، وتضخم، مشكلة المخدرات، على المستويات المحلية، والإقليمية، والعالمية، أصبح من المتعذر على أي دولة، بمفردها، أن تتصدى وحدها للمشكلة، الأمر الذي فرض ضرورة مواجهتها من خلال تعاون إستراتيجي مشترك، يتم في آن واحد على الأصعدة المحلية، والإقليمية، والدولية.

      ويتفق الباحثون، وخبراء المكافحة، والمهتمون بمشكلة المخدرات، على أنها ظاهرة اجتماعية أمنية، تحكمها الأبعاد السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية، والتربوية، والإعلامية، في كل مجتمع. وتبرز خطورة المشكلة، عندما تتمكن من عمود المجتمع الفقري، وهم الشباب.

      وعلى الرغم من الجهود العربية المبذولة، على الساحة، في مجال مكافحة المخدرات، إلاّ أن الحاجة ما زالت قائمة من أجل أن تتضافر الجهود، وتتناسق الأساليب، فيما بين الدول العربية كافة للتصدي لمظاهر المشكلة، وأبعادها المختلفة، والعمل على حماية شعوبها من هذا الداء اللعين.

      وإحساساً من المنظمة الدولية للأمم المتحدة بخطورة المخدرات، وآثارها المدمرة، على الشعوب، أعلنت أن الفترة من عام 1991 إلى عام 2000 هي عقد الأمم المتحدة لمكافحة إساءة استعمال المواد المخدرة، والمؤثرات العقلية.

      إن مشكلة المخدرات متعددة الأبعاد، متداخلة العوامل، متشابكة التأثيرات، لذا فان مواجهتها تتطلب تكاتف الجهود، وتعاون مختلف جهات الاختصاصات، وتكامل الرؤى العديدة من مختلف الزوايا والتخصصات، من أجل إنجاح جهود التصدي، وتفعيل عمليات المواجهة.

أهمية البحث وأهدافه

      على الرغم من تزايد اهتمام المجتمع الدولي بظاهرة المخدرات، ومخاطر استعمالها، وطرق مكافحتها، والحد من انتشارها، إلاّ أن هذا الاهتمام لم يرق بعد إلى مستوى الطموح الإنساني في القضاء على هذه الظاهرة، التي تهدد الأفراد والمجتمعات.

      وقد لوحظ، في العقود الأخيرة من القرن العشرين، تزايد الاهتمام بقضية المخدرات على المستوى العربي والإسلامي، وأن هناك سعياً دؤوباً إلى تحقيق أكبر قدر من التعاون العربي لمواجهة هذه الظاهرة، من خلال مجلس وزراء الداخلية العرب، كما انضمت عدة دول عربية وإسلامية إلى الاتفاقيات الدولية الصادرة بشأن المخدرات، وتطورت التشريعات والقوانين في كثير من الدول العربية، وطُبقت عقوبات وصلت إلى الإعدام في بعض الدول، كعقاب على جرائم الاتجار، والجلب، والإنتاج، ومن ناحية أخرى، بدأ الاهتمام العلمي بالمشكلة يتزايد في مراكز البحث العلمي والجامعات المنتشرة في مختلف أنحاء الدول العربية والإسلامية.

      وعلى الرغم من كل ذلك، برزت مشكلة المخدرات، على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية، لتمثل واحدة من أعقد، وأخطر، المشكلات، التي تواجه المجتمع الدولي عموماً، والعربي والإسلامي بصفة خاصة. الأمر الذي يمكن إرجاعه إلى العديد من العوامل، أو الشواهد، التي يمكن إجمالها فيما يلي[1]:

  • ابتكار ألوان جديدة من المخدرات لم تكن معروفة من قبل، فبعد أن كان الأمر قاصراً على مجموعة تقليدية من المخدرات كالحشيش والأفيون، دخلت إلى الساحة أنواع جديدة تشمل العقاقير، والمركبات الطبية، والكيميائية، كالمهدئات، والمنشطات، والمنومات، والمهلوسات، بل ابتدع الشباب، في بعض المجتمعات، صوراً جديدة من الإدمان، عن طريق استنشاق المواد التي تدخل في تكوين الأصماغ، والأصباغ والبنزين … الخ.
  • ابتكار أساليب، وطرق مستحدثة، للتهريب والترويج لم تكن قائمة من قبل، حيث تكتشف قوات المكافحة، في كل دولة، العديد من تلك الأساليب، والطرائق، التي تفتقت عنها أذهان عصابات التهريب والترويج، وتستخدم فيها التقنيات العلمية الحديثة في الاتصال، والمواصلات، حتى وصل تهريب المخدرات، وترويجها، إلى استغلال شبكات الإنترنت.
  • التوسع المتزايد في زراعة المخدرات، ففي الشرْقين الأدنى والأقصى، وأفريقيا، وأماكن كثيرة من العالم، ازدادت المساحات المزروعة فيها عما كانت عليه سابقاً، بشكل يثبت أن الجهود المبذولة ما زالت غير قادرة على وقف التوسع في زراعتها أو تقليصها.
  • انتشار الهيروين والكوكايين، حيث تشير الإحصائيات، الصادرة عن إدارات مكافحة المخدرات، إلى أن مادة الهيروين أصبحت من المواد، التي يزداد استخدامها، كمادة مخدرة في الأسواق، كما لوحظ في السنوات الأخيرة، ازدياد كميات الكوكايين في العالم، وبالتالي، زيادة أعداد المتعاطين في بلاد لم تكن تصلها من قبل.
  • ازدياد سطوة مافيا المخدرات، وتوسيع نفوذها، من خلال الزراعة، والإنتاج، واستخلاص مواد مخدرة جديدة، تصنيعياً أو تخليقياً، والاتجاه نحو استخدام أراضي البلدان، التي ليست أطرافاً في الاتفاقيات الدولية لمراقبة المخدرات، أو التي صدقت رسمياً على الاتفاقيات دون أن تعمل بأحكامها، والبلدان، التي تعاني من الحروب الأهلية، أو الأنشطة الإرهابية، أو من عدم الاستقرار السياسي، أو من النزعات العرقية أو من الركود الاقتصادي، أو من التوتر الاجتماعي، وكذلك البلدان التي لا تستطيع تأمين المراقبة الكافية والمشددة على أجزاء من أراضيها، والبلدان التي ليس بوسعها تأمين خدمات شاملة فيما يتعلق بإنفاذ القوانين، ومراقبة المستحضرات الصيدلانية.
  • زيادة الارتباط بين جريمة المخدرات، والجرائم المنظمة الأخرى، حيث تشير بعض المعلومات الأولية إلى تأكيد الصلة المتنامية، بين جرائم زراعة، ونقل وتجارة المخدرات، والجرائم المنظمة الأخرى ذات العلاقة، ولا سيما جرائم العنف، والإرهاب، وتهريب الأسلحة، وتزييف العملة.
  • تضخم حجم الأموال المستخدمة في تجارة المخدرات، حيث تقدر بعض الدوائر الدولية، المهتمة بمشكلة المخدرات، حجم تداول أعمال تجارة المخدرات عالمياً بنحو (300) مليار دولار أمريكي، موزعة على النحو التالي:

o   هيروين: حوالي (50) مليار دولار، قيمة إنتاج يبلغ (300) طن، وأهم مناطق إنتاجه (أفغانستان وباكستان)، بمعدل (130) طن، والمثلث الذهبي (بورما وتايلاند ولاوس)، بمعدل (150) طن.

o   كوكايين: حوالي (100) مليار دولار، قيمة إنتاج يبلغ (1500) طن، وأهم مناطق إنتاجه كولومبيا بمعدل (1000) طن، وبيرو وبوليفيا والبرازيل بمعدل (400 طن).

o   القنب الهندي ومشتقاته: حوالي (150) مليار دولار، قيمة إنتاج (2300) طن حشيش و(25000) طن ماريجوانا، وأهم مناطق إنتاجه باكستان، والمغرب، والمكسيك، والولايات المتحدة الأمريكية.

وكان الأحرى بهذا المبلغ الضخم، (500) مليار دولار، أن يوجه إلى رفاهية الشعوب، وإنقاذ الملايين، من الفقر والمرض الجوع، في معظم بقاع العالم.

  • ضعف نظم المراقبة وتدني مستوى المكافحة: ويتجلى ذلك في تقاعس بعض دول العالم عن الانضمام للاتفاقيات الدولية، أو تنفيذ أحكامها، في حالة الانضمام إليها، مثل الاتفاقية الوحيدة للمخدرات (1961)، واتفاقية المؤثرات العقلية  (1971)، والاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات  (1988)، مما يعيق تضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية في الحد من مشكلة المخدرات، والسيطرة عليها.

ويضاف إلى ذلك، ضعف مستوى الإجراءات المتبعة في عمليات المكافحة، بمراحلها المختلفة، حيث تشير التقديرات الدولية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول ( إلى أن نسبة ما يضبط إلى نسبة ما يهرب، من المخدرات، في أفضل الظروف يراوح بين (10% - 20%)، والباقي يذهب إلى سوق الاستهلاك والطلب غير المشروع.

  • انتشار آفة تعاطي المخدرات، وإدمانها بين الشباب، في جميع أنحاء العالم، حيث تشير التقارير العلمية والنفسية، في شأن مشكلة التعاطي والإدمان، وآخرها إحصائية هيئة الصحة العالمية، إلى أن نحو 3% من سكان العالم يعانون من مشكلة المخدرات. كما ورد في بيان هيئة الصحة العالمية كذلك (1990)، أن عدد المدمنين قد بلغ حوالي 162 مليوناً، في كافة أنحاء المعمورة، يتعاطون كافة أنواع المخدرات الطبيعية والتخليقية. وهناك نحو مليون مدمن هيروين، في الولايات المتحدة، معظمهم من سن السادسة عشرة إلى الثلاثين، وهم يحتاجون إلى نحو عشرين طناً من الهيروين سنوياً، وينفق كل واحد منهم مائة دولار أمريكي، يومياً، من أجل المداومة على هذه العادة.

      وهكذا تُعد مشكلة المخدرات من أخطر المشكلات التي تهدد سلامة المجتمعات، في عالمنا المعاصر، وتعوق ازدهارها الاقتصادي، ونموها الإنتاجي، الأمر الذي دفع إحدى الدول، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، إلى تحريك جيوشها لغزو دولة بنما، في ديسمبر 1989، واعتقال رئيسها الجنرال نورييجا، لمحاكمته في أمريكا، بتهمة الاتجار في المخدرات، والتستر على تهريبها، وترويجها. كما تستخدمها دول أخرى، كسلاح فتاك، للتأثير في دولة مجاورة، كما فعلت إسرائيل، بتشجيعها لزراعة المخدرات، وتسهيل نقلها إلى مصر، وتوفيرها بأسعار رخيصة، لهدم الشباب، وإقصائهم عن عمليات التنمية والتطوير.

      وأخيراً، فإن أعداء الأمة العربية والإسلامية، الذين يتربصون بها الدوائر، ويعنيهم، في إستراتيجياتهم المختلفة، العمل على إضعاف هذه الأمة، وإبعادها عن مكانتها اللائقة، لا يتورعون عن استخدام كافة الأسلحة المشروعة، وغير المشروعة، لتحقيق هذا الهدف. والمخدرات إحدى هذه الأسلحة، التي يوجهونها إلى أعز ما نملك وهو الإنسان.

نوع البحث ومنهجه

      يندرج هذا البحث في قائمة البحوث الوصفية، التي تستهدف تصوير، وتحليل، خصائص مشكلة معينة، يغلب عليها صفة التحديد.

      ولا يقتصر هذا النوع، من البحوث الوصفية، على جمع البيانات الضرورية لحل المشكلة، أو الظاهرة، وإنما يمتد عملها إلى تصنيف البيانات، والحقائق، التي تم جمعها، وتسجيلها، وتفسير هذه البيانات، وتحليلها تحليلاً شاملاً، واستخلاص نتائج ودلالات مفيدة منها، تؤدى إلى إمكانية إصدار تعميمات، في شأن الموقف، أو الظاهرة، التي يقوم الباحثون بدراستها.

      يركز منهج الدراسة على تتبع جذور المشكلة تاريخياً، وتشريعياً، واجتماعياً، من خلال جهود المكافحة، التي تقوم بها أجهزة الشرطة، والأجهزة الأخرى المعينة بمراحل مكافحة مشكلة المخدرات. كما تركز الدراسة، كذلك، على عرض وتحليل المشكلة، ومقارنتها في المجتمعات الأوروبية، والأمريكية، بمثيلتها في المجتمعات العربية الإسلامية.



[1] تم استخلاص هذه العوامل أو الشواهد من تقارير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، وخاصة تقريريها عن عام 1993، وعام 1994، وبرنامج الأمم المتحدة المعني بالمكافحة الدولية للمخدرات، لجنة المخدرات، الدورة (38) فيينا: 14 ـ 23 أبريل 1994.