إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / مواجهة مشكلة المخدرات، بين الواقع والمستقبل




نبات الأفيون (الخشخاش)
نبات الكوكا
نبات القنب (الحشيش)
بعض أنواع المخدرات التخليقية

أنواع المخدرات
مرتكزات الحد من انتشار المخدرات




المبحث الثاني: تاريخ المخدرات وفقاً لأنواعها

المبحث الثاني: تاريخ المخدرات وفقاً لأنواعها

      وردت أقاصيص كثيرة عن منشأ المخدرات، في الحضارات الإنسانية القديمة. فالهندوس يعتقدون أن الإله (شيفا) هو الذي يأتي بنبات القنب من المحيط، ثم تستخرج منه باقي الإلهة الرحيق الإلهي (الحشيش). والإغريق نقشوا صور نبات الخشخاش على جدران المقابر، والمعابد. واختلف المدلول الرمزي لهذه النقوش حسب الإلهة التي تمسك بها، ففي يد الإلهة (هيرا) تعني الأمومة، والإلهة (ديميتر) تعني خصوبة الأرض، والإلهة (أفروديتا) تعني الجمال والخصوبة الجنسية، والإله (أبولو) تعني الشفاء، والإله (بلوتو) تعني الموت أو النوم الأبدي.

      أمّا قبائل الإنديز فقد انتشرت بينهم أسطورة تقول "إن امرأة نزلت من السماء لتخفف عن آلام الناس، وتجلب لهم نوماً لذيذاً، تحولت بفضل القوة الإلهية إلى شجرة الكوكا".

وفيما يلي لمحة موجزة عن أهم أنواع المخدرات.

1. الأفيون

بدأ تعرف الإنسان على الأفيون منذ ما يقرب من سبعة آلاف سنة، قبل الميلاد، حين استخدمه لعلاج بعض الآلام كالمغص، وضيق التنفس، والإسهال.

وقد ذكر داود بن عمر الأنطاكي، في مذكراته المعروفة باسم "تذكرة داود"، في وصف آثار الأفيون "أنه إذا دُقَّ بجملته رطباً وقُرصَّ كان مرتداً جالباً للنوم، مجففاً للرطوبة، محللاً للأورام، قاطعاً للسعال وأوجاع الصدر الحارة، وحرقة البول، والإسهال المزمن. أمّا بذره فنافع لخشونة الصدر والقصبة وضعف الكبد والكلى، ويصب طبيخه على الرأس فيشفى صداعه وأنواع الجنون كالبرسام والماليخوليا" . ولا يعنى ذلك أن الأفيون، بشهادة الأنطاكي، عقار مفيد؛ لأنه يعود ويذكر، في موضع آخر، أن من خصائصه إسقاط الشهوتين، لمن تعود عليه، بمعنى أنه يميت شهوتي البطن والفرج، وأن من تناوله أربعة أيام متوالية يصير متعلقاً به لا يستطيع الاعتكاف عنه، ولا يصبر عن تناوله، بعد ذلك، بحيث يفضي تركه إلى موته، ويذكر سبب ذلك فيقول: "أنه يخترق الأغشية خروقاً لا يشدها غيره"(انظر صورة نبات الأفيون الخشخاش).

وأول من عرف الخشخاش (الأفيون) هم سكان وسط أسيا، ومنهم انتشر إلى جميع بقاع الأرض، فاستخدمه السومريون، ومن بعدهم البابليون والفرس، ثم انتقل إلى المصريين القدماء والإغريق، كما استخدمه الصينيون والهنود.

وقد ذكره هوميروس، الشاعر الإغريقي القديم، في أشعاره، ووصفه بأنه مسكن للاضطرابات. أمّا أول إشارة إلى الأفيون، فجاءت في لوحة سومرية يرجع تاريخها إلى سنة 4000 ق.م، حيث أُطلق عليه، حينئذ، اسم نبات السعادة. وفي سنة 3300 ق.م، جاء في لوحة أخرى وصف لحصاد الأفيون.

واستقر الأفيون في الهند، قبل الصين، بزمن طويل، وكانت تصدره إليها، إلى أن نشبت حرب الأفيون (1839 ـ 1842) بين الصين، مدافعة عن نفسها، وإنجلترا، ممثلة لشركة الهند الشرقية، وتغلبت إنجلترا على الصين، في هذه الحرب، ووقَّعت الدولتان معاهدة (نانكين) سنة (1843). وبمقتضاها، استولت إنجلترا على هونج كونج، وفتحت أسواق الصين أمام الأفيون الهندي. مما أدى إلى الانتشار الواسع لإدمان الأفيون، بين جميع فئات الشعب الصيني، حتى أكتوبر 1950 عندما أعلنت وزارة الصحة، في حكومة ماوتسي تونج، بدء برنامج فعال للقضاء على تعاطي الأفيون، وتنظيم تداوله.

وفي عام 1806 تمكن أحد العلماء الألمان، وهو سيرتبرز، من فصل مادة المورفين عن الأفيون، وأطلق عليها هذا الاسم، نسبة إلى مورفيوس، إله الأحلام في الأساطير الإغريقية. وقد انتشر، بعد ذلك، استخدام المورفين لأغراض طبية في العالم الغربي، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإبان الحرب الأهلية (1861 ـ 1864)، وذلك لمواجهة احتياجات العمليات الجراحية، في أثناء الحرب. وفي عام 1870، بدأ استخدام الإبرة الطبية للحقن تحت الجلد؛ فاستخدمت لحقن المورفين.

وفي عام 1898 تمكن عالم إنجليزي من استخلاص مادة الهيروين، من الأفيون، وأنتجته شركة باير للأدوية، ثم توالى، بعد ذلك، إنتاج مركبات أخرى، من مستخلصات الأفيون، تستخدم جميعاً كأدوية علاجية، وإن كان الأطباء لا ينصحون بها إلاّ عند الضرورة القصوى، لما تسببه من إدمان، واستيلاء على شخصية المتعاطي.

2. القنب

هو نبات عُشبي حولي متساقط الأوراق، تُجمع أزهاره، وتُربط في حزم وتُترك لتذبل، ثم تُعصر، حتى يُستخرج منها الإفراز الراتنجي، الذي يساعد على التصاق أوراق الزهر، في كتل، ثم تُترك لتجف في الظل. والراتنج هو مادة، بنية اللون، يستخرج منها (الكابنينول)، وهي مادة لزجة ذات تأثير مخدر قوي (انظر صورة نبات القنبب الحشيش)

وكلمة قُنب كلمة لاتينية معناها (ضوضاء) وذلك لما يحدثه متعاطوه من جلبة وضوضاء أثناء تعاطيه، ومن المادة الفعالة، في نبات القنب، يصنع الحشيش، الذي يعني، في اللغة العربية، العشب، أو النبات البرى، بينما يري بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقة من الكلمة العبرية (شيش)، ومعناها فرح، إشارة إلى ما يشعر به المتعاطي للمخدر من نشوة، وفرح. ويُسمى الحشيش في اللغة الصينية (مايو) ومعناها الدواء.

ويشير تاريخ القنب إلى أن له عدة استخدامات؛ فقد صُنعت من أليافه أحبال، وأنواع من الأقمشة المتينة، كما وصفه الأطباء لعلاج أمراض معينة، واستعمل كذلك لأغراض دينية، وترويحية، وللتغلب على الجوع والعطش.

وقد عُرف نبات القنب منذ فجر التاريخ في أواسط آسيا، ثم نقل إلى الشرق الأقصى في القرن الثامن والعشرين، قبل الميلاد، للاستفادة من أليافه في صناعة الملابس، والحبال، ثم عُرفت فوائده الطبية.

كما عرف الفرس القنب، واكتشفوا آثاره التخديرية، وفي الهند، عرفه الكهنة، واستخدموه في طقوسهم، وحفلاتهم الدينية، وقد ورد، في الأساطير الهندية، أن الحشيش هو أحب شراب للإله (أندرا). "ولا يزال هذا العشب يستخدم في معابد الهندوس، والسيخ، وفي نيبال، في معابد أتباع شيتا في أيام الأعياد المقدسة.

وفي أوروبا الحديثة، عُرف القنب، من خلال بعض الكتابات العلمية، منذ القرن السادس عشر، وذلك عن طريقين:

الأول طريق حركة الاستشراق، التي ترجمت وألفت كتباً كثيرة عن الشرق، وكان معظم اهتمامها منصباً، حينئذ، على ما يخص الهند، وفارس، والشرق الأوسط العربي، وفي غمار هذه الحركة، عُرف الحشيش كمخدر.

أمّا الطريق الثاني، فكان مما حمله معهم علماء نابليون بونابرت وجنوده بعد عودتهم، من مصر، على إثر فشل الحملة الفرنسية. وقد انعكس ذلك على كتابات الفلاسفة، والأدباء، الأوروبيين، خلال القرن التاسع عشر.

ومع بداية القرن العشرين، عرف الحشيش طريقه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال هجرة العمال المكسيكيين، الذين كانوا يعرفونه ويدخنونه، فانتقل معهم، وانتشر، في أوساط فئات معينة، في الولايات المتحدة الأمريكية.

3. الكوكايين

يُستخلص الكوكايين من نبات الكوكا، الذي عُرف في أمريكا اللاتينية، منذ أكثر من ألفي سنة. خصوصاً لدى هنود (الأنكاالذين مازالوا يستعملونه حتى الآن. وفي سنة 1860 تمكن نيمان من عزل العنصر الفعال، في النبات، وأسماه كوكايين. وتوالت الأبحاث، والتجارب، بعد ذلك لاستخدام الكوكايين في الأغراض الطبية (انظر صورة نبات الكوكا).

ونظراً لتأثير الكوكايين على الجهاز العصبي المركزي؛ فقد حاول البعض، في البداية، استخدامه كمنشط، في عدد من الأدوية، والمشروبات الترويحية مثل الكوكاكولا، إلاّ أنه استبعد من تركيبتها عام (1903)، ومن الطريف أن (وليم هاموند)، أحد أطباء الأعصاب، في أمريكا، روّج كثيراً لهذا المخدر، وأعلن أن ضرره لا يزيد على ضرر الشاي، والقهوة، ثم أنتج ما أسماه (نبيذ الكوكايين)، لينافس به نبيذ الكوكا، الذي أنتجه الصيدلي الفرنسي (أنجلو ماريان)، وإضافة إلى ذلك تبارت شركات الأدوية، في استخدام الكوكايين، في أكثر من 15 منتج، بأشكال مختلفة. "ومن المؤسف أن تاريخ المواد المخدرة يزخر بمثل هذه الاندفاعات الحماسية، سواء من جانب شركات صناعة الدواء، بدافع الإسراع إلى جني الأرباح، أو من جانب كثيرين من الأطباء وغيرهم من الأشخاص.

ويعاني المجتمع الأمريكي من إدمان هذا المخدر اللعين؛ فقد كشفت مجلة (تايم) عن أبعاد هذه الظاهرة، في استطلاع أجرته، تبين من خلاله، أن (11%)، من أفراد الشعب البالغين يتعاطون المخدرات، بطريقة أو بأخرى، ويقدر عدد الأمريكيين، الذين يتعاطون الكوكايين، بعشرة ملايين فرد.

ومع هذا الانتشار الواسع، لهذا المخدر، حقق ملوك إنتاج، وتوزيع الكوكايين، ثروات باهظة، تتجاوز ميزانية بعض دول العالم الثالث، فأصبحت لهم إمبراطورية، ممتدة من حقول الكوكا، في بيرو وبوليفيا واكوادور، إلى معامل التكرير، المنتشرة في بيرو وكولومبيا والبرازيل. وهناك حرب شرسة بين ميليشيات هؤلاء الأباطرة، ورجال مكافحة المخدرات، في الولايات المتحدة الأمريكية، لم تنته بعد.

4. القات

يرى بعض المؤرخين أن القات ظهر، أولاً، في منطقة تركستان، أو أفغانستان بينما يرجع كثير من المؤرخين الموطن الأصلي للقات إلى الحبشة.

وتشير بعض الوثائق التاريخية إلى أن شيوع عادة مضغ أوراق القات، في منطقة جنوب البحر الأحمر، اليمن والحبشة، يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي. ويشير المقريزي (1364 ـ 1442) إلى وجود شجرة، في أرض الحبشة، تسمى بالقات، وهي شجرة لا تثمر فواكه، ولكن السكان يمضغون أوراقها الصغيرة، التي تنشط الذاكرة، وتذكر الإنسان بما هو منسي، كما تُضعف الشهية والشهوة والنوم.

وقد استمر الجدل، حول موجبات تحريم القات، أو حله، ولا يزال مستمراً، في الوقت الحاضر. ويطلق عليه (شاي العرب) أو (شاي الحبش)، أمّا اليمنيون فيسمونه (إكسير الحياة).

وهناك روايتان طريفتان عن التأثير الفعلي للقات، وهما متعارضتان، من حيث الشكل، ولكنهما، في الحقيقة، ومن الناحية الموضوعية، غير متعارضتين، تقول الرواية الأولى "أن أحد الرعاة، في الحبشة، لاحظ ازدياد نشاط إحدى العنزات من دون سبب ظاهر، وأنها تقفز وتجري بصورة غير طبيعية. ومع تكرار ملاحظته، لهذه العنزة، اكتشف أن نشاطها يزداد، بعد تناولها كمية من أوراق نبات معين، فتذوق الراعي هذه الأوراق فشعر بنشاط وحيوية، بعد تناولها. فعاد إلى بلدته، وأشاع قصة عثوره على هذه الشجرة".

بينما تذكر الرواية الثانية أن أحد المتصوفين الحضرميين كان يزور بلاد الحبشة، في يوم من الأيام، وأثناء تجوله، رأى قطيعاً من الماعز مستسلماً لنوم عميق، وفي فم كل منها بقايا ورق أخضر، من أشجار مجاورة، فجرب الشيخ هذا النبات، وكان هو القات، فاستعذبه، وقرر نقله إلى بلاده.

ويُلاحظ، من هاتين الروايتين، أن الموطن الأصلي للنبات، هو بلاد الحبشة، ومنها انتقل استعماله إلى اليمن، وأن القات له، في بداية استعماله، تأثير دافع للنشاط والحيوية، ولكن سرعان ما يقع متعاطيه فريسة للنوم والكسل، وغيرها من التأثيرات التخديرية، الناشئة عن هذا المخدر.

ومما يذكر أن جميع البلدان العربية والأفريقية، التي ينتشر فيها القات، حاولت، بصورة مستمرة، مقاومة انتشاره فيها، لكنها محاولات باءت بالفشل، لأن انتشار القات، في هذه البلاد، ارتبط بعادات اجتماعية عميقة، فهو، في بلاد اليمن، مثلاً، يدخل ضمن عاداتهم الاجتماعية، ويُعد مظهراً لازماً للأفراح والمأتم، وأية اجتماعات، كما أن كثيراً، من تلك المحاولات، لم تكن تنبع من سياسة أو إستراتيجية ثابتة.

ولا يحظى القات بالاهتمام الدولي، الذي تحظى به الأنواع الأخرى من المخدرات، اللهم إلاّ النذر القليل، من التقارير، والمؤتمرات الدولية، التي جعلت القات محوراً لاهتماماتها.

5. المهلوسات

هي مجموعة من المواد، التي تسبب الهلوسات، والخدع البصرية والسمعية، واختلال الحواس والانفعالات (انظر صورة بعض أنواع  المخدرات التخليقية)

وتسمى بالمهلوسات لأن متعاطيها يصاب بهلوسة عقلية، تحدث له تهيؤات وتخيلات غريبة، قد تدفعه إلى الجنون، أو الانتحار، وارتكاب الجريمة. وتضم فئة المهلوسات عدداً من المواد، ذات التراكيب الكيميائية المختلفة، ومن أهمها عقار الـ L.S.D.، والمسكالين، والأتروبين، والسكوبولامين.

أمّا عن تاريخ أشهر هذه المهلوسات، وهو عقار الـ L.S.D.، فيرجع تاريخه إلى عام 1938، الذي تمكن العالم البرت هوفمان من تركيبه، في معامل شركة ساندوز للأدوية، بسويسرا، ولكنه لم يعرف خصائصه النفسية إلاّ في عام 1943، عندما تناول، عن غير قصد، كمية ضئيلة منه، فإذا به يتعرض لتأثيرات غريبة، بادر بتسجيلها في مذكراته، واعتقد الأطباء، في البداية، أن هذا العقار يمكن أن يفيد في العلاج النفساني، ولكنهم سرعان ما استغنوا عنه طبياً، عندما عرفوا أخطاره . ثم تسربت طريقة تحضيره إلى معدومي الضمائر، فراحوا يصنعونه ويبيعونه، إلى مروجي المخدرات.

ولم يعرف العلم عقاراً أغرب من هذا العقار في تأثيره وشدته، رغم ضآلة مقاديره، فتناول مليجرام واحد منه كفيل بإخراج أعقل العقلاء، من عالمه، إلى عالم الهلوسة، والجنون، لساعات طويلة.

ويُحضَّر العقار على شكل سائل عديم اللون والرائحة والطعم، أو في شكل مسحوق أبيض، أو أقراص مختلفة الأحجام والأشكال، وقد يُحفظ على قطعة ورق نشاف، أو داخل ورقة كتاب، أو في السكر والحلوى.

ويتم تناول هذا العقار، عن طريق الفم، أو بالاستنشاق، أو بالحقن، مما يؤدي إلى حدوث آثار ضارة بمتعاطيه، حيث يؤدي به إلى الشعور بالقلق، وعدم الطمأنينة، والاضطراب، في الإدراك البصري والسمعي، وهو ما يسمى بالهلوسة البصرية السمعية، ويفقد إدراكه الحسي بالزمان والمكان، كما يُخيل إليه أنه يسبح في الفضاء، بعيداً عن الأرض.

6. الباربيوترات

هي مجموعة من المواد الكيميائية المصنعة تسبب الهدوء والسكينة، أو النعاس، وهي مشتقة من حمض الباربيتوريك، أقدم أنواع هذه الفئة، وأكثرها انتشاراً، وقد اكتشفها عام 1862، العالم ألفرد باير “A. Bayer  ويقال أنه أطلق عليها هذا الاسم؛ لأن هذا الاكتشاف وقع له في عيد القديسة باربرا.

تنقسم الباربيوترات إلى ثلاثة أقسام، من حيث تأثيرها على جسم الإنسان، فمنها طويل الأثر، ومتوسط الأثر، وقصير الأثر. والقسمان الأخيران هما الأكثر استعمالاً بين المدمنين. وإساءة استخدامها يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية والنفسية والعقلية، مع استعداد للضحك، أو البكاء، ثم النوم.

وعلى الرغم من خطورة الباربيوترات، إلاّ أنها لم تنل الاهتمام الكافي، إلاّ في الآونة الأخيرة، وقد نبه إلى خطورتها الدكتور ولكوكس، في مقال نُشر عام 1913، ولكن أحداً لم يلتفت إليه، إلاّ في الخمسينات، عندما نشرت إحدى المجلات العلمية أن الباربيوترات مواد نفسية، تسبب الإدمان، وكذلك ما نشرته المجلة الطبية البريطانية، مؤكدة أن الباربيوترات تحتوي على كل خصائص المواد المسببة للإدمان.

7. الأمفيتامينات

هي عقاقير تسبب النشاط الزائد، وكثرة الحركة، وعدم الشعور بالتعب، والجوع، كما تسبب الأرق. تم تحضيرها لأول مرة عام 1887، ولم تستخدم طبياً، إلاّ عام 1930، عندما لاحظ الدكتور بنيس أنها ترفع ضغط الدم، تم تسويقها تجارياً، تحت اسم تجاري هو (البنزورين)، ثم توالى تصنيع الأمفيتامينات مثل: الكيكيدرين، والمستيدرين، والريتالين.

وقد استخدمت مركبات الأمفيتامينات لتمكين الطيارين، والجنود، في الحرب العالمية الثانية، من السهر دون شعور بالتعب. ومع انتهاء الحرب، لم ينته استخدام الأمفيتامين، واستمر الطلب عليه، وأُغرقت الأسواق اليابانية، بهذه الأقراص، حتى صار استخدامها وباءاً بلغ ذروته عام 1954، حيث قدر المختصون أن متعاطي هذا العقار، بين أفراد الشعب الياباني، بحوالي مليون ونصف المليون فرد، ومع الشعور بالخطر، حزمت الحكومة اليابانية أمرها، فقضت على الوباء، عام 1960 .

ولأن الأمفيتامينات، تتميز بقدرتها على تنشيط الفرد، وعدم إحساسه بالإرهاق، أو النوم، والزيادة في التركيز، فإنها تنتشر بين الطلبة، والرياضيين، والسائقين، والحرفيين، كما تستخدمها السيدات، في تخفيف الوزن، لما تسببه من فقدان الشهية.

انتشرت الأمفيتامينات، بين الشباب والمراهقين، في السويد، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، في بداية الستينات من القرن العشرين، غير أنها تراجعت الآن بسرعة ملحوظة، إمّا بسبب التشريعات الرادعة، التي تحكم القبضة على تصنيعها وتوزيعها، أو تغلظ العقوبة على متعاطيها.

      من هذا السرد الموجز لتاريخ أهم المواد المخدرة وأشهرها في عالم المخدرات، يمكن رصد بعض الملاحظات، كالتالي:

1.    إن معظم المواد المخدرة، ولا سيما النباتية منها، تمتد جذورها في أعماق تاريخ المجتمعات البشرية، وهو ما يفسر رسوخ ممارسات تعاطي المخدرات، ومقاومتها الشديدة لجهود المكافحة.

2.    إن معظم المخدرات التخليقية المصنعة حديثاً، مثل المهلوسات والباربيوترات، والأمفيتامينات، لقيت دعماً اجتماعياً، وانتشاراً تجارياً، في بداية التعرف عليها، سواء من مشاهير الأطباء، أو شركات الأدوية، أو من الحكومات، وخصوصاً أثناء الحروب، ولم يقف هذا الدعم إلاّ بعد أن صارت وباءاً داخل المجتمع.

3.    إن المخدرات الطبيعية (النباتية) انتقلت، من بلاد الشرق، إلى الغرب، بينما انتقلت المخدرات التخليقية، على العكس، من الغرب إلى الشرق.

4.    إن طغيان القيم المادية على القيم الروحية، وضعف الوازع الديني، وسلبيات المدنية الحديثة، أغرقت الإنسان في عالم الملذات أحياناً، ودفعته، أحياناً أخرى، للهروب من ضغوط الحياة، ومشكلاتها إلى المخدرات وأثارها المدمرة.

5.    إن معظم المخدرات، ولا سيما التخليقية منها، فور اكتشافها، والتعرف على تأثيرها، كانت توجَّه، من خلال أصحاب النوايا الحسنة، إلى خدمة الإنسانية، في مجالات العقاقير العلاجية، ولكنها سرعان ما كانت تصل إلى أصحاب الضمائر الميتة، والباحثين عن الثراء السريع، حيث يتم ترويجها بين أفراد المجتمع، من دون اكتراث بآثارها التدميرية، الناتجة عن إدمانها.