إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / مواجهة مشكلة المخدرات، بين الواقع والمستقبل




نبات الأفيون (الخشخاش)
نبات الكوكا
نبات القنب (الحشيش)
بعض أنواع المخدرات التخليقية

أنواع المخدرات
مرتكزات الحد من انتشار المخدرات




الخاتمة

الخاتمة

      جهود مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، محلياً، وإقليمياً، ودولياً، تطوراً عظيماً، ولا سيما خلال الخمسين سنة الأخيرة من القرن العشرين، وتظهر التقارير السنوية وأخبار المكافحة اليومية بقضايا عديدة، وكميات مضبوطة من المخدرات، وأعداد من المتهمين، يساقون إلى المحاكم والسجون. ومع ذلك مازالت مشكلة المخدرات تتفاقم في كافة المجتمعات، بكافة صنوفها، ومستوياتها. ومن غير المأمول، على المستوى المنظور، إمكانية تجفيف منابعها، ومن ثم تصاعد كميات المعروض، مما يؤثر بالسلب على كافة جهود تخفيض الطلب، التي تلتزم بها الحكومات وتؤكد عليها المؤتمرات، والاتفاقيات الإقليمية والدولية. فهل هذا يعني أن عصابات إنتاج وترويج المخدرات قد بلغت من التنظيم والقوة ما يفوق قدرات المجتمع الدولي عن مواجهتها؟!

      إن مركزاً دولياً، من مراكز إنتاج وترويج الكوكايين، في العالم، وصل فيه الأمر إلى أن أصبحت عصابات المخدرات كأنها دولة داخل الدولة، وسطوة تعطل كل ما هو مشروع، وتحول كل شئ، بما فيهم البشر، إلى خدمة منظومة شيطانية متكاملة لإنتاج وتوزيع واحد من أخطر أنواع المخدرات الصناعية. هذا المركز هو "بارونات المخدرات" في دولة كولومبيا بأمريكا اللاتينية الذين قتلوا خلال ست سنوات (1982 ـ 1988) ما يلي:

صحفياً من ألمع الصحفيين.

 

17

قاضياً من أشرف القضاة.

 

157

من القيادات السياسية.

 

108

من رجال الشرطة.

 

1536

من ضباط مكافحة المخدرات.

 

3491

من ميليشيات حراسة الأحزاب.

 

118

مدني

 

3100

      ومعنى ذلك أنهم قتلوا، في ست سنوات، تسعة آلاف شخص، بمعدل ألف وخمسمائة شخصي، كل عام، أي أن تجار المخدرات، في كولومبيا، يقتلون، على الأقل، خمسة أشخاص كل يوم!!

      عاشت عصابات المخدرات داخل كولومبيا كنجوم المجتمع، وكانت علاقاتهم بالمسؤولين علاقة قوية وحميمة، بل كانوا يشاركون في رعاية الأندية الرياضية، وبناء المساكن الشعبية، وتقديم المعونات للجمعيات الخيرية، واغتيال كل من يمس تجارة المخدرات من الصحفيين، أو رجال الشرطة أو القوات المسلحة، أو غيرهم من الناس. كذلك عاشوا أباطرة، لا يقف أمامهم حائل، ولا قوة، واضطرت الحكومة إلى قبول هذه الصيغة الغريبة من التعايش مع تجار المخدرات، ورفضت فتح الملف المخيف لتجارة المخدرات في كولومبيا، مفضلة السلامة على الدخول في حرب لا يعلم غير الله نهايتها.

      واشتدت سطوة الأباطرة، يوماً بعد يوم، لإسكاتهم بالرصاص كل من يعارضهم، وصلتهم الوثيقة بالحكومة، حتى أصبح الكثير من المسؤولين خدماً في بلاط أباطرة تجار المخدرات، واشتدت قوتهم، وتأكد وجودهم في كل خلية من خلايا المجتمع الكولومبي، وأصبحوا هم القوة الحقيقية التي تحكم. وفجأة ظهر شاب في بوجوتا (عاصمة كولومبيا) يرشح نفسه لرئاسة كولومبيا، ويبدأ الدعاية الانتخابية للاقتراع عليه في العام القادم، والشاب هو (جالانوكان برنامجه الانتخابي يتلخص في إعلانه عن رغبته في أن يعيد للحكومة احترامها، وأنه سيقضي على تجارة، وتصنيع، وتهريب المخدرات في كولومبيا. والتف الناس حوله، ووثقت به، ولكنه كمن وضع أصابعه في عش الدبابير، ففي ذات يوم وقف أمام عشرة آلاف مواطن كولومبي يخطب فيهم، ويؤكد لهم العمل على مطاردة بارونات المخدرات، وأمام عشرة آلاف، انطلقت رصاصات إسرائيلية، من مدفع رشاش إسرائيلي ماركة (أوزي) لتقتل جالان، وتخرج المظاهرات الصاخبة، طالبة الانتقام من قتلة جالان. ويشتد ضغط الرأي العام على الحكومة للانتقام. ووجدها الرئيس الكولومبي (باركو) فرصة لتسديد ضربة قاضية لأباطرة المخدرات، واتخذ عدة إجراءات لإنهاء وجود أخطر عصابات العالم:

1.  أمر بخروج قوة من الجيش والشرطة إلى قصورهم وأوكارهم في (ميديين).

2.  اعتقل، على الفور، أكثر من عشرة آلاف تاجر مخدرات (صغير) في بوجوتا، وميديين، وكاليه.

3.  صادر، على الفور، ممتلكاتهم في ميديين.

      وإذا كانت هذه الإجراءات مباغتة وسريعة، ولم يكن تجار المخدرات قد نظموا صفوفهم، بعد وهربوا، في البداية، من ميديين، وكاليه، إلى مخابئ داخل كولومبيا، وقيل أنهم هربوا إلى البرازيل وبوليفيا، وقيل أنهم في منطقة الأمازون، ولكن الحكومة اتخذت هذه الإجراءات، من دون إعداد دقيق مسبق، مما أدى إلى عدم إجهاض قوى هذه العصابات، فبعد أيام قليلة من هذه المواجهة السريعة، استطاعت هذه العصابات تنظيم صفوفها من جديد، وعاد أباطرة المخدرات إلى داخل كولومبيا يقودون المعركة ضد الرئيس (باركو) بقيادة الحيتان الكبيرة الثلاث، أي البارونات الثلاثة، الذين يقدمون الكوكايين لكل مدمني العالم، وهم:

1. جنزالو جاشا

ويطلقون عليه المكسيكي، لحبه الشديد للموسيقي المكسيكية، ولكل ماله علاقة بالمكسيك، وهو مولع بحب كرة القدم، واقتناء أجود أنواع الخيول، ويهوى قيادة الطائرات، ولديه أسطول من الطائرات يستخدمه في تهريب الكوكايين إلى أوروبا، وله حسابات بالملايين في البنوك الأوروبية والأمريكية، ولكن أغلب أمواله في بنما.

2. بايلو أسكوبار

أو الأب الروحي، يهوى اقتناء الحيوانات، بدأ حياته لص سيارات، وهو أكثر قيادات العصابة ثراء، ومتخصص في تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد زارها مراراً، وأمواله في الولايات المتحدة وبنما.

3. جورج لويس أوكاهاو

وقصته مثيرة: فهو السبب وراء إدمان الملايين للكوكايين، في أمريكا، فقد استطاع تهريب ملايين الأطنان، من معامل ميديين، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان يعيش في أسبانيا حراً طليقاً. وفي عام (1984) استطاعت المخابرات الأمريكية أن تقدم المستندات الدامغة إلى الحكومة الأسبانية بأنه واحد من أخطر تجار الكوكايين، فاعتقلته السلطات الأسبانية تمهيداً لترحيله إلى الولايات المتحدة، ولكن العصابات الكولومبية لم تصمت، فضغطت على الحكومة الكولومبية لتتقدم إلى الحكومة الأسبانية بطلب تسليم هذا المجرم إليها لمحاكمته أمام المحاكم الكولومبية، وفعلاً فعلت ورُفض الطلب الأمريكي، وما إن وصل إلى بوجوتا العاصمة، حتى كان أحد القضاة في انتظاره بأمر الإفراج عنه، وهو حر طليق الآن!! وله طموحات سياسية، وانتخب عضواً في الكونجرس الكولومبي، وهو صاحب فكرة بناء البيوت للفقراء.

      وعلى الرغم من جرأة قرار الرئيس باركو، الخاص بمصادرة أملاك هؤلاء، وتسليمهم للولايات المتحدة الأمريكية لمحاكمتهم، تحرك، على الفور، مجلس النواب الكولومبي معلناً أن قرارات الرئيس باركو غير دستورية، وقرر المجلس إحالة هذه القرارات إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية القرارات. فماذا حدث؟

  1. أعلن تجار المخدرات أن عشرة قضاة من كولومبيا سوف يغتالون، مقابل كل شخص يُسلَّم إلى الولايات المتحدة.
  2. اتصل تجار المخدرات بقضاة المحكمة الدستورية ووضعوا أمامهم خيارين لا ثالث لهما، الأول: قبولهم رشوة تحولهم من فقراء إلى أغنياء، مقابل الحكم بعدم الدستورية، والثاني: دفع حياتهم ثمناً للحكم بدستورية قرارات الرئيس. إن القصة طويلة، وغريبة، وحقيقية، سجل تفصيلاتها الكاتب الصحفي المصري وجيه أبو ذكري، إلى جانب المزيد من قصص هذا الصراع.

      فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بضرب مراكز الإرهاب في العالم (وفقاً لتقديرها) في أفغانستان، والسودان، فهل لا تستحق مراكز إنتاج المخدرات، وهي الحاضن الرئيسي الآن للإرهاب، أن تُدك معاقلها بأسلحة الذكاء الأمريكية؟ أم أن عصابات المخدرات في العالم، أقوى من أمريكا؟!

      إن وضع مشكلة المخدرات في العالم الآن تحتاج إلى أن تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية، ودول العالم أجمع، من أجل القضاء على منابع إنتاج المخدرات وعصاباته وإلاّ فإن كل ما تسجله الدراسات والبحوث، وكل ما تبذله الحكومات، سيصبح كزبد السيل الذي يذهب هباءً.