إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التكيف الاجتماعي









الارتباط بالجماعة Sociability

التكيف الاجتماعي

Social Accommodation

يُعرف التكيف الاجتماعي بشكل عام بوصفه عملية اجتماعية وظيفتها تقليل أو تجنب الصراع، أو هي عملية تلاؤم اجتماعي تؤدي إلى وقف الصراع بين الجماعات، من طريق التدعيم المؤقت أو الدائم للتفاعل السلمي.

أما المضمون النفسي للتكيف الاجتماعي فيشير إلى السلوك الفردي أو السلوك الجماعي الذي يسعى للتوافق مع مواقف الصراع، من خلال تجنب كافة مظاهر العداء، من طريق منح تعويضات اقتصادية واجتماعية ونفسية لجماعة من جماعات الأقلية.

وقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة عالم النفس "بالدوين" Baldwin، في مؤلفه الصادر عام 1895، ويعني عنده التوازن الاجتماعي للتكيف البيولوجي كصورة من صور التوافق مع البيئة.

لذا فقد فرق علماء الاجتماع بين التأقلم والتكيف، من حيث إن التأقلم Adaptation يُستخدم ليدل على تلاؤم السلوك الإنساني مع ظروف البيئة الطبيعية، أما التكيف فيرتبط بظروف البيئة الاجتماعية. وبالتالي يُعرف التكيف الاجتماعي بأنه عبارة عن التفاعل الذي يستهدف التوفيق بين الأفراد والجماعات، بحيث يتفهم كل طرف من الأطراف أفكار ومشاعر واتجاهات الطرف الآخر، ليحدث بينهما تقارب يؤدي إلى تحقيق مصلحة مشتركة. ويحدث التكيف في كل مجالات الحياة، من أمثلة ذلك التكيف بين الزوجين، والتكيف بين الرؤساء والمرؤوسين في العمل، أو بين أصحاب العمل والعمال.

وهناك صور سلوكية متنوعة يتخذها التكيف أو التوافق في الحياة الاجتماعية، هي المهادنة Truce، والتوفيق Compromise، والتحكم Arbitration، والتسامح Tolerance.

يختلف تأثير التكيف باختلاف الظروف، فمثلاً قد يسهم التكيف في تخفيف حدة الصراع بين الأفراد والجماعات، بحيث يؤدي إلى إيجاد صيغة مشتركة بين الأطراف المتصارعة أو المتنازعة. وقد يؤدي إلى تأجيل النزاع مدة معينة، من خلال إبرام المعاهدات والاتفاقيات بين الدول، وقد يؤدي إلى تقريب المسافة بين الجماعات المتباينة اجتماعياً ونفسياً. لذلك تنظر الجماعات إلى عملية التكيف باعتبارها عملية مهمة ذات فائدة كبيرة في التوافق داخل المجتمع. وكلما ازداد تكيف الناس مع عناصر الحياة الاجتماعية والثقافية، رسخت تلك العناصر في عقلية المجتمع.

ولأن المجتمع في تغير مستمر، ولأن التكيف يتميز بالدينامية، فإنه يَحدث توازن بين الاثنين بصورة منتظمة. وهذا يعني أن هناك وسائل مختلفة لتحقيق التكيف الاجتماعي بالنسبة للأفراد والجماعات. وهذه الوسائل نحددها على النحو التالي:

1. التكيف من خلال القسر أو الإجبار Coercion: القسر وسيلة من وسائل التكيف يتحدد من خلالها الفعل، والتفكير في العلاقات الاجتماعية بناءً على الضغوط وممارسة القوة. بمعنى أن الإجبار أو القسر يتضمن وجود طرفين أحدهما ضعيف والآخر قوي في أي موقف صراعي، وهذه الوسيلة للتكيف لها شكلان أحدهما فيزيقي أو استخدام مباشر للقوة، والثاني سيكولوجي أو غير مباشر في استخدام القوة.

2. التكيف من خلال التسوية Compromise أو التوفيق: وهو يختلف عن التكيف القسري، إذ إنه يتضمن درجة عالية من المساواة في استخدام القوة بين طرفين، إذ يرغب الطرف القوي في استخدام العدالة بدلاً من القوة  والنفوذ كمصدر قوة في تحديد الاتفاق. وتُعرف وسيلة التكيف من خلال التسوية كأسلوب واعٍ لحل النزاع، تتخلى فيه كل الأطراف عن بعض شروطها رغبة منها في إيجاد حل توفيقي أو وسطي يرضي جميع الأطراف.

3. التكيف من خلال التحكيم Arbitration: وهو وسيلة خاصة للوصول للتسوية، تستعين بها الأطراف المعنية عندما تفشل في الوصول إلى حلول ترضي الجميع، ويحل الخلاف طرف ثالث محايد يختاره المتنازعون، ويتم الاستعانة بهذا النمط من التكيف بصورة خاصة في النزاعات الدولية، وتحديداً تلك المتعلقة بالنزاعات أو الخلافات الحدودية، وكذلك في الخلافات الأسرية في كثير من المجتمعات.

4. التكيف من خلال القدرة على الاحتمال: وهو وسيلة أخرى من وسائل أو أساليب التكيف، يظهر من خلال سياسة "عش واترك غيرك يعش"، وهو شكل للتكيف بدون اتفاقيات رسمية، وربما لا يكون منبثقاً من وعي أو شعور، ولكنه ينمو من خلال المعايشة الطويلة لتجنب تطوير العداء واستمراريته.

وعلى هذا، فالتكيف عملية اجتماعية مكونة من نشاط وسلوك الأفراد والجماعات، وتستهدف إلى تحقيق الملاءمة والتجانس بين الأفراد أو بين الجماعات المختلفة، بهدف استقرار المجتمع. أو هو عملية تكيفية ترمي إلى التخلص من صراع محتمل بين أقلية عنصرية معينة ومجتمع كبير. وهذا الإجراء يعمل كل ما في استطاعته لتجنب الأساليب والأعمال العدائية التي تقع بين الطرفين، وذلك من خلال قيام المجتمع الكبير بمنح المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعة الأقلية.

إذاً فالتكيف هو أحد مظاهر التفاعل الاجتماعي، وهو الحالة التي يتفق فيها المتصارعون على إخفاء صراعاتهم، ووقف التنافس بينهم بصورة مؤقتة. ويلجأ الأفراد أو الجماعات إلى التراضي المتبادل بتأثير إدراك الموقف، وتبين استحالة تحقيق الفوز على الغريم. ولا يلغي التراضي المتبادل الصراع أو ينهيه، بل يؤجله فقط، ويخفيه.

لذا يرى كل من "كامبل يونج" و"ريموند ماك" أن التكيف بصفته عملية هو الجهود الواعية للأفراد من أجل تنسيق العمل فيما بينهم، وبالتالي فهو يوقف الصراع من أجل جعل علاقاتهم أكثر تسامحاً وأقل إهداراً للجهد والتعب، بمعنى أنه حل للصراع بشكل سلمي، وبدون القضاء على الطرف الآخر.

كما أنه يمكن أن يؤدي إلى إرجاء الصراع بشكل فوري، مدة محددة من الوقت؛ فضلاً عن أنه يساعد الجماعات المنفصلة على العمل معاً بشكل جماعي.

التكيف الاجتماعي بين الماضي والحاضر

في القرون الماضية كان سكان هذا الكون يشعرون بتهديد الطبيعة لهم، ويعيشون في دنيا خطرها دائم. ومنذ نجح الرجل الحديث ـ بصورة ملحوظة ـ في التحكم في البيئة الطبيعية، بدأ يهتم بعلاقاته بالآخرين، بدل أن كان سلفه يبذل قُصارى جهده واهتماماته بالبيئة الطبيعية.

ومنذ أن ارتبطت حياة الإنسان بحياة أفراد الجماعة، تعرض لمشكلات عديدة، من أبرزها خطراً تلك الأهوال التي يتعرض لها عند قيام الحروب بين أفراد الشعوب المختلفة.

وبالإضافة إلى مشكلات الحروب وما تسببه من مشاعر عدم الأمن، نجد مشكلات أخرى نجمت عن المدنيات الحديثة، بعض هذه المشكلات نفسية مرتبطة بحياة الجماعة وطبيعة النمو الاجتماعي والاقتصادي الذي يتم داخل المجتمعات. إن من أهم مظاهر هذا النمو، وخاصة في المجتمعات الرأسمالية، التنافس وعدم المساواة في جميع الميادين، كالممتلكات وفرص التعليم والاستغلال.

وأهم ما يمتاز به القرن الحالي هو سيطرة عوامل الصراع والتطاحن والحرب النفسية، لدرجة أن كثيراً من سكان العالم صاروا يعيشون على حافة الهاوية. كل هذا دعا الباحثين في العلوم الإنسانية أن يطلقوا على هذا العصر لقباً مميزاً، هو "عصر الحرب النفسية". وليس بدعاً من الأمر أن يُطلق هذا الاسم على عصرنا هذا؛ ذلك أن الظاهرات التي تسيطر على حياة الناس في أي عصر من العصور تكون كفيلة أن تحتكر العصر كله، وأن يُسمى العصر باسمها.

إن الشعور بعدم الأمن، الناجم عن عدم التكيف، قد تفشى الناس، وأصبح يسيطر على الكثير من مظاهر سلوكهم، إلى حد أنه صار المحور الذي تدور حوله الأبحاث المختلفة في تعليل ما يعانيه الكثير من أبناء الشعوب الرأسمالية من تعْسٍ واضطراب وسوء تكيف اجتماعي.

إن هناك عوامل أخرى مميزة لعصرنا الحالي، فقد تعرض عالمنا لحربين عالميتين نشرتا الذعر، وأشاعتا الخوف والارتباك في النفوس، وجرتا على الإنسانية ضغطاً اقتصادياً خانقاً، أصاب البشر منه أنواعاً كثيرة من الضيق والاضطراب، وقاسوا ضروباً شتى من العوز والحرمان.

إن اضطراب العلاقات بين الناس ـ في أي صورة من صوره ـ سواء أكان نتيجته استغلال الأقوياء للضعفاء، أو ضعف الإمكانيات المادية، أو الضغوط الاقتصادية، أو العوامل الثقافية والحضارية والاجتماعية السائدة في مجتمع من المجتمعات ـ هذا الاضطراب يولد الانعزال الوجداني والفقر العاطفي، والشعور بفراغ الحياة، وفقدان التوازن النفسي، فيشعر الفرد نتيجة لكل ذلك بأنه مهدد قلق، لا يجد من يحميه ويقيه شرور العالم.

إن العوامل السابقة الذكر وغيرها من العوامل الأخرى، جعلت الناس يعيشون في قلق دائم وخوف من الحاضر والمستقبل، وتشاؤم وشعور بالنقص، وتردد، وعدم التحمس للحياة والإقبال عليها. وكل هذه مظاهر دالة على سوء التكيف النفسي والاجتماعي.

وتسهم المجتمعات في سوء التكيف الاجتماعي بعدة طرق وأساليب، منها:

1. من طريق خلق الضغوط والعناء مباشرة: على سبيل المثال تشجيع الرغبات المتعارضة، أو سيادة ظروف البطالة الحادة، أو من طريق انهيار المجتمع نفسه وتصدعه.

2. من طريق زيادة قابلية أعضاء المجتمع للتأثر بالضغوط والعناء: ومثال ذلك أن عضوية الفرد في جماعات الأقلية قد تعني حرمانه بعض خبرات الحياة، ما يمنع الفرد من اكتساب مهارات الصحة العقلية التي تسمح له بالتوافق مع الضغوط والعناء.

3. من طريق التشجيع المباشر للعوامل التي تؤدي إلى المرض وسوء التكيف: مثال ذلك الاشتراك في طقوس تتضمن الهُلاس أو عقاقير الإدمان.

4. من طريق تأثير أساليب تنشئة الأطفال: إن الفروق في الشخصية تبدو بوضوح أنها مرتبطة بأساليب الأمهات في التنشئة التي تتقبلها كل حضارة.

5. من طريق الآثار غير المباشرة لمرحلة التقدم التي وصل إليها المجتمع: مثال ذلك أن الدول المتخلفة أقرب إلى أن تكون فيها نسبة عالية من المرض العقلي العضوي، بسبب سوء الخدمات الطبية، على حين أن الأمراض العقلية المرتبطة بتقدم السن أقرب إلى أن تزداد في المجتمعات التي يرتفع حظها من المعرفة الطبية التي تؤدي إلى إطالة مدى الحياة.

هذا ويعيش العالم في ظل العولمة صراعات عديدة نتيجة للغزو الثقافي لشعوب وحضارات معينة شعوباً وحضارات أخرى. وقد نتج من ذلك الغزو كذلك شعور الأبناء بالاغتراب داخل مجتمعاتهم، وازدياد الفجوة بينهم وبين آبائهم، بل معلميهم؛ وتغير مستوى طموحات ا\لأفراد من مجتمعاتهم زيادة قد تعجز الهيئات والمؤسسات عن الوفاء بها.