إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التربية والنمو الخُلقي









التربية والنمو الخُلقي

التربية والنمو الخُلقي

حثت جميع الأديان على مكارم الأخلاق، إلى درجة تجعلها من مقومات تلك الأديان؛ فالرسول الكريم e بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، ولينقذ البشرية من كثير من الانحرافات الخُلقية. ومكارم الأخلاق من مقومات الأمم وحياة الشعوب، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا. إن هذا المعنى الأخير، هو الذي أشار إليه الشعراء وعبر عنه الأدباء، إلى حد أن الفيلسوف "زكي نجيب محمود" أكد على ذلك في كتابه "مجتمع جديد أو الكارثة".

فالأخلاق هي أحد أسلحة المجتمعات للمحافظة على بقائها واستمرار تماسكها؛ لأنها تمنع انتشار الضمائر الضعيفة الخربة، وعدم القدرة على السيطرة على النفس، وعدم الإحساس بالآخرين، ونقص القدرة على الإنصاف والعدالة، وانتشار العدوان بصوره المختلفة، والفساد الإداري ونقص الرقابة الذاتية. وتساعد الأخلاق على شعور الفرد بالصحة النفسية، ومقاومة الانحرافات بأشكالها وصورها المختلفة، وتدعم الصحة المجتمعية وتنميها.

إن الأخلاق في أي مجتمع هي تعبير عن الجوانب الإنسانية في العلاقات بين الأفراد في المجتمع؛ ومن ثم فهي العنصر الجوهري، الذي تتحقق من خلاله إنسانية الإنسان. إنها كل خبرة بشرية معايشة يمكن أن تنطوي على مضمون ذي قيمة. فالحياة الأخلاقية، بما فيها من جهد ومشقة وسعادة ونجاح وفشل، حياة عامرة بالخبرات، حافلة بالمعاني، مفعمة بالقيم، وهي كل تجربة يعانيها الإنسان حين يستخدم إرادته، وحين يقوم بأي جهد إرادي، سواء أكان ذلك من أجل تحقيق مقصد ذاتي، أو من أجل تغيير العالم المحيط به، والتأثير على غيره من الناس.

تمثل الأخلاق مجموعة من القيود والمعتقدات والمثاليات، المشتقة من الدين والعُرف والإدراك العقلي الإيجابي للسلوك الراقي. وتتمثل هذه الأخلاق في المعايير السلوكية، التي تحدد قيمة وصور التصرفات السوية وغير السوية. وفي هذا العصر أصبحت الأخلاق ضرورة حتمية، لمواجهة ظاهرة التآكل الأخلاقي الذي يظهر في انتشار الفساد، وظهور المواقع الإباحية في شبكة المعلومات، والصور الشتى للسلوك المنحرف.

إن المجتمع المعاصر يحيا "أزمة أخلاقية"؛ وليست الأزمة الخُلقية هي عدم قدرة الأفراد على العيش وفقاً لمبادئهم وقيمهم الخُلقية، مع أن ذلك يمثل مشكلة خطيرة؛ ولكنها مسألة انهيار في الإرادة على نطاق واسع، فضلاً عن الافتقار إلى الشجاعة للتمسك بما يعتقد فيه، أو أنها فقدان للروح المعنوية، الأمر الذي يجعل تمسك الفرد بمبادئه الخُلقية والعمل بوحي منها، أمراً صعباً.

تتفاعل الأزمة الخُلقية مع الأنواع الأخرى من الأزمات، لكي تتشكل حياة الأفراد والمجتمعات. فحين يختلف الناس ذوي المعتقدات الخُلقية المختلفة، حول نمط سلوكي معين وهل يُسمح به، أو لا يُسمح به في مجتمعهم، فإن الأزمة تغدو اجتماعية؛ وحينما لا يستطيع الناس ذوي المبادئ الخُلقية المحددة وضع مثلهم موضع التطبيق، فإن الأزمة تضحي سيكولوجية أو معنوية؛ ولكن حينما لا يعرف الناس ما يتعين عليهم أن يتمسكوا به من مبادئ وقيم، أو يعجزون عن تطبيق مُثلهم الخُلقية في مواقف معينة، فإن الأزمة في هذه الحالة تكون أزمة خُلقية.

أولاً: تعريفات الأخلاق والأخلاقية

اختلف الباحثون السيكولوجيون والتربويون والفلاسفة، في تحديد معنى الأخلاق؛ فيرى المتخصصون في دراسة الفلسفة، مثلاً، أن الأخلاق جمع خُلق، وتُستعمل للدلالة على علم معين. ويمكن تعريف الأخلاق على أنها تتضمن:

·       مجموع قواعد السلوك مأخوذة من حيث هي غير مشروطة.

·      نظرية عقلية في الخير والشر، تنحو نحو نتائج معيارية.

كذلك، يرى المتخصصون في دراسة الفلسفة أنه إذا كنا بصدد التفكير في معايير السلوك، فعلينا أن نميز بين الأخلاقيات النظرية أو علم الأخلاق، وبين الخُلق العام. ذلك أن الخلق العام يتألف من المعايير شديدة العمومية في مجتمع ما، وهي تنطبق على الناس جميعاً داخل هذا المجتمع، بغض النظر عن دورهم في المؤسسات الاجتماعية أو مهنهم. إضافة لذلك، فإن معايير الخُلق العام تُميز بين الصحيح والخاطئ، بين الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، العدالة والظلم، وهي تعلو على ما سواها. أما الأخلاقيات النظرية فليست معايير عامة للسلوك بل معايير لمهنة معينة أو وظيفة محددة او لمؤسسة أو مجموعة داخل المجتمع.

أما التربويون، فيرون أن مصطلح الأخلاق يُشير إلى ثلاثة معانٍ رئيسية:

·       يُستعمل مصطلح الأخلاق للإشارة إلى مقاومة الإغراء، أو الحد من السلوك الخاطئ، الذي يؤدي إلى إشباع حاجة أو تحقيق فائدة للفرد.

·       المعايير الذاتية لدى الفرد والتي تُعد ضابطاً لسلوكه، حيث تؤدي دور السلطة في تحديد سلوك الفرد وأحكامه الخُلقية، حتى في حال غياب السلطة الخارجية.

·      السلوك الذي يقوم به الفرد معتمداً على الأحكام والمبادئ، التي يتقبلها عقلياً ومنطقياً.

ويرى أحد التربويون أن مصطلح "خُلقي" يُشير إلى الأمور ذات الصلة باعتبارات المبادئ والقيم، ويتضمن مصطلح الأخلاق أيضاً السلوك ومظاهره. كما أن الصفات "خُلقي" و"غير خُلقي" تتضمن السلوك المرغوب فيه وغير المرغوب فيه. ومن ثم، فإنها توحي بالمعايير الاجتماعية؛ لأن الإشارة إلى السلوك "الخُلقي" كأمر مرغوب فيه، و"غير الخُلقي"، كأمر غير مرغوب فيه، فإن هذا القبول أو الرفض إنما يحدث من قِبل المجتمع. ويُستخدم مصطلح "الأخلاقية" للإشارة إلى مبادئ الأخلاقيات، لوصف أسلوب العيش مع الآخرين في مجتمع إنساني؛ ومن ثم فإن كافة الأنماط الخُلقية تشترك في أن لها ثلاثة مجالات رئيسية، هي: الذات، والآخرين، والعلاقة بينهما.

أما السيكولوجيون، فيستخدمون مصطلحات متعددة، منها: "السلوك الخُلقي"، و"التفكير الخُلقي"، و"الحُكم الخُلقي"، و"الذكاء الخُلقي".

1. السلوك الخُلقي

هو كيف يواجه الفرد، عبر مراحل عمره المختلفة، المشكلات الأخلاقية، والطريقة التي يسلك بها، أو طريقة تفكيره في مواجهة تلك المشكلات.

والسلوك الخُلقي ذا طابع كمي، أي أن الفروق بين الأفراد فروق في الدرجة، وليست فروقاً في النوع. وهذا معناه أنه لا يوُصف بأنه إما يوجد أو لا يوجد، أي ذا تصنيف ثنائي، بمعنى هذا أخلاقي وذاك غير أخلاقي، أو تصنيف الناس إلى أخلاقيين ولا أخلاقيين.

والأخلاقية ليست سلوكاً بسيطاً، بل هي سلوك مُركب من مجموعة من الأبعاد، مثل الاتجاه نحو الآخرين، والقدرة على فهم مشاعر الذات ومشاعر الآخرين، وكفاءة الفرد في القيام بالأدوار الاجتماعية، التي يختارها أو تُفرض عليه، والوعي بالمواقف والتفكير فيها تفكيراً خُلقياً، وغيرها. إن هذا يفسر لماذا يسلك الفرد الواحد سلوكاً يبدو متناقضاً، من الناحية الأخلاقية.

2. التفكير الخُلقي

هو نمط التفكير الذي يتعلق بالتقييم الخُلقي للأشياء أو الأحداث، وهو يسبق كل فعل سلوكي. وهو تطبيق لعمليات التفكير العادي، على مجال معين من مجالات الحياة. وعليه، فإن ذلك يكون مرتبطاً بمرحلة النمو العقلي للطفل، لذلك ركزت بحوث التفكير الخُلقي حول فهم الطفل للقواعد، وأسلوب تفكيره الخُلقي.

3. الحُكم الخُلقي

هو تقييم السلوك الشخصي للآخرين في مواقف معينة، تتطلب منهم مساعدة الآخرين، إما بالإثابة أو العقاب؛ استناداً إلى مجموعة من المعايير والأوامر والنواهي والعادات المتعارف عليها. ويقدر ذلك التقييم على أساس: النتيجة، القصد، الجهد، والقدرة.

·      ويُقصد بالنتيجة: الآثار الخارجية الملموسة أو الظاهرة، المترتبة على سلوك معين.

·      وبالقصد: رغبة شخصية ترتبط بسلوك معين، وتُشير إلى ما يسعى الفرد إلى إنجازه أو تحقيقه.

·      وبالجهد: وهو يشكل الجانب الكمي (العقلي والبدني) من محاولات الفرد تسيير الفعل، والمحافظة على قوته الدافعة وتوجيهه وإعطائه خاصية هادفة، قد تستمر حتى إتمام العمل.

·      وبالقدرة: ما يتمتع به الفرد من مهارة عقلية وشخصية وبدنية، لأداء أعمال على مستويات مختلفة من الصعوبة.

الحُكم الخُلقي هو حُكم يًصدره الفرد في موقف ما يُعرض عليه أو يواجهه، ويتعلق بصواب وصحة أو خطأ هذا الفصل أو التصرف. ويرتبط الحُكم الخُلقي للفرد بمدى إدراكه المعرفي، ومعاييره الاجتماعية، ومكونات ومستويات البيئة، التي نشأ فيها.

4. الذكاء الخُلقي

هو احترام الفرد لنفسه وللآخرين، كقيمة تُعبر عن جانب من جوانب الذكاء الاجتماعي المرتبط بالتطبيق العملي، وليس مجرد الالتزام النظري. إنه قابلية الفرد لإدراك ما هو صواب متميز عن الخطأ؛ فتتكون لديه قناعات أخلاقية تلزمه بالسلوك الصحيح، الذي يقبله المجتمع ويؤيده ولا يستنكره. إنه القدرة على فهم المآزق الأخلاقية وتحليلها، وحل المسائل الأخلاقية من خلال تحديد ومعرفة الفرد بمواطن النفع والضرر، التي يمكن أن تترتب على اتخاذه قرار معين.

ويتكون الذكاء الأخلاقي من سبعة أبعاد، هي: التعاطف، الضمير، الاحترام، التسامح، العطف، العدالة، ضبط النفس (الرقابة الذاتية). أما مصادره، فهي: الدين والعُرف والمصالح العامة للفرد والوجدان والعقل والاستدلال.

ثانياً: النمو الخُلقي

يمثل النمو الخُلقي أحد الاهتمامات السيكولوجية بالأخلاقية. وتهتم دراسة النمو الخُلقي بكيفية مواجهة الفرد عبر مراحل عمره المختلفة للمشكلات الأخلاقية، والطريقة التي يسلك بها، أو طريقة تفكيره في مواجهة تلك المشكلات. أي يهتم بكيفية تغير تفكير الطفل الخُلقي، أو كيف ينمو ضميره، وكيف ينمو اهتمامه بالآخرين، وكيف يكتسب المهارات الاجتماعية اللازمة.

والنمو الخُلقي هو سلسلة التغيرات الارتقائية التي تطرأ على الفرد، وتنعكس في سلوكه وأحكامه، التي يصدرها إزاء القضايا الأخلاقية. إن هذا التغير يكون تراكمياً ومطرداً، يأخذ صورة تجميعية تمهد فيها المرحلة الأولى للثانية، وهكذا. وتجميعية بمعنى أن الأبنية التي تكونت في مرحلة عمرية معينة، لا تختفي أو تزول نهائياً لتحل محلها أبنية جديدة تماماً، وإنما هي بالأحرى تدخل كجزء مكون للأبنية الجديدة.

ولمّا كان هذا التغير الارتقائي يرتبط بالعمر الزمني للفرد، توصل الباحثون إلى عدة مراحل للنمو الخُلقي، ووضعوا لذلك نظريات متعددة. ومن هذه النظريات:

1. نظرية بياجيه

وضع بياجيه أساساً نظرية في التطور المعرفي للفرد، ورتب عليها وجهة نظره في مراحل النمو الخُلقي، التي يمر بها الفرد. فالطفل يبدأ نموه الخُلقي بمحاولة فهم القواعد. ويمر فهمه للقواعد واستخدامها بالمراحل الآتية:

أ. المرحلة الحركية: ويكون اللعب فردياً خالصاً، ولا يمكن التحدث عن قواعد جمعية حقيقية، كما يكون اللعب عشوائياً.

ب. مرحلة التمركز حول الذات: وفيها يتلقى الطفل أنواعاً من القواعد المقننة من الخارج، وهي في المرحلة العمرية بين الثانية والخامسة. ففي هذه المرحلة عندما يلعب الأطفال فإنهم، على الرغم من وجودهم الفيزيقي وانتشار التقليد بينهم، إلا أن كل منهم يلعب بمفرده.

ج. مرحلة التعاون الأولي الظاهري: وتستمر هذه المرحلة حتى سن الحادية عشرة تقريباً، وفيها يلعب الأطفال بالمعنى الحقيقي، كل واحد يتنافس مع الآخرين ويحاول تحقيق الكسب، أي أنهم يبدأون في الانتباه لعملية وضع نظام من القواعد الموحدة، ومع ذلك فإن تصوراتهم عن القواعد بصفة عامة تكون غامضة نسبياً.

د. مرحلة التقنين: وهي في حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر، وفيها يبدأ الطفل في وضع قواعد مفصلة وثابتة ومفهومة ومقبولة من جميع الأطفال. ويبحث الطفل في هذه المرحلة عن القواعد لذاتها، كما أن إتباع هذه القواعد يكون نتيجة للمناقشة الحرة.

2. نظرية كوليرج

وضع كوليرج مراحل النمو الخُلقي في صورة مستويات ثلاثة، هي:

أ. المستوى الأول ما قبل العُرف والتقاليد: ويتضمن مرحلتين، هما أخلاق الخضوع، وأخلاق الفردية أو الأنانية.

ب. المستوى الثاني سيادة العُرف والتقاليد: وتتضمن مرحلتين أيضاً، هما أخلاق التوقعات المتبادلة بين الأشخاص، وأخلاق النُظم الاجتماعية والضمير.

ج. المستوى الثالث ما بعد العُرف أو التقاليد، أو مستوى المبادئ الأخلاقية: ويتضمن مرحلتين، هما أخلاق التعاقد الاجتماعي، وأخلاق المبادئ العامة.

تلك كانت بعض النماذج لمراحل النمو الخُلقي، وتبقى الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن تحقيق النمو الخُلقي ومساعدته وتوجيهه، حتى يُصبح سليماً ومتوافقاً مع المجتمع وثقافته؟. إن من طُرق الوصول إلى هذه الغاية التربية الخُلقية.

ثالثاً: التربية الخُلقية

يُقصد بالتربية مجموعة من العمليات، التي تستخدم لإحداث تأثيرات معينة في الأفراد. وتقوم بهذه العمليات مؤسسات متخصصة، كالمدرسة والجامعة؛ ومؤسسات غير متخصصة، كالإعلام والمؤسسات الدينية.

معنى هذا أن التربية الخُلقية هي سلسلة العمليات التي تستخدم لتنمية الأفراد خُلقياً، وهي بذلك تعني تنشئة الأفراد على القيم التي ينشدها المجتمع، ويسعى لغرسها في أبنائه. كما تعني تقديم أنواع من الدعم الذي يتناسب مع كل مرحلة من مراحل النمو الخُلقي، حتى يجتازها الفرد بنجاح؛ فالتربية الخُلقية، إذاً، تسعى إلى تحقيق التنمية الخُلقية للأفراد.

ولكي تتحقق التنمية الخُلقية، يجب العمل على:

1. تنمية الضمير بوصفه الحاسة الأخلاقية عند الإنسان، أو القوة الداخلية الذاتية المتعلمة والمكتسبة، والتي تكون نتيجة لما يُحصله الفرد من الحب والأوامر والنواهي والتعليمات والإرشادات والتعزيزات الإيجابية والسلبية، والتوجيهات والنصائح، التي توضح له الخطأ من الصواب، والحلال من الحرام، في كل ما يقوم به من أنشطة.

2. تنمية الرقابة الذاتية بوصفها سيطرة عقل الفرد على انفعالاته وشهواته؛ تلك الرقابة التي تجعل الفرد رقيباً وضابطاً لسلوكياته، وفقاً لمبادئ المجتمع.

3. تنمية التعاطف بوصفه القدرة على أن يضع الفرد نفسه موضع الآخرين، وأن يتمثل مشاعرهم وأحاسيسهم. والتعاطف هو الوعي الموضوعي بأفكار ومشاعر شخص آخر، والمعاني التي تتضمنها هذه المشاعر والأفكار.

4. تنمية العطف، وهو شعور مركب من الرحمة والرعاية، وهو شعور رقيق يتدفق نحو الآخرين، يدعو إلى الرفق بهم ومساعدتهم.

5. تنمية التسامح، أي تقبل التنوع، سواء أكان هو التنوع المعرفي، أو الطبقة الاجتماعية، أو المعتقدات، أو الأديان. وهو خلاف الانتقام، حيث يضبط الإنسان الرغبة في الانتقام، ويستبدل العفو والصفح الجميل بدلاً عن الانتقام.

6. الاحترام، وهو احترام للذات وعدم تعريضها للمهانة، واتخاذ الأساليب التي تمكن الفرد من إدارة ذاته، على نحو يكفل لها التقدير الذاتي، ثم تقدير الآخرين. وهو، أيضاً، احترام الآخرين؛ بمعنى تقبل الأفراد كما هم، لا كما تحب.

تلك كانت بعض جوانب التنمية الخُلقية، التي يمكن تحقيقها باستخدام أساليب ووسائل متعددة، منها: النمذجة والقدوة، ولعب الأدوار، والمناقشة العقلانية للقضايا الأخلاقية، والوقائع والقصص، والإرشاد الديني، والإرشاد السلوكي، والتدريب على المهارات الاجتماعية.

وأخيراً، لِم يختلف الأفراد في سرعة نموهم الخُلقي، واجتياز المراحل في توقيتات معينة؟ بعبارة أخرى لِم يختلف تأثير التنمية الخُلقية من فرد إلى آخر؟

إن النمو الخُلقي هو في جوهره تطوير لمجموعة مطردة ومترابطة من المعتقدات والمبادئ والقيم، التي يتمسك بها الفرد شعورياً، ويتبناها كأسلوب حياة. وإن مثل هذا الأسلوب يبني خطوة بعد خطوة، نتيجة لما يتخذه الفرد من قرارات يومية.

ويتأثر النمو الخُلقي بدرجة النمو المعرفي للفرد، وبعوامل وجدانية، مثل: القدرة على التقمص الانفعالي، والقدرة على تفهم الخطأ. كذلك، فإن المواقف الخُلقية تُحدد عادة "معرفياً" بواسطة الشخص الذي يصدر الحُكم، وفي ضوء التفاعلات الاجتماعية. وبعبارة أخرى، فإن النمو الخُلقي ينجم عن الحوار بين البناء المعرفي للفرد، والكل المركب الذي تقدمه البيئة.

وعلى ذلك، فإن هذا التحديد والمفهوم التفاعلي للنمو الخُلقي، يتطلب بيئة تيسر الحوار بين الذات والآخرين. وكلما واجه المرء موقف للصراع الخُلقي ــ من تلك التي لا يمكن حسمها على نحو مُرضٍ باستخدام البناء التحليلي القائم للفرد ــ كان الاحتمال الأكبر أن يدفع ذلك بالمرء إلى البحث عن طرق أكثر دقة وإحكام للتفكير حولها، ومن ثم حسم ذلك الصراع.