إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الخيال









الخيال

الخيال

بين سلوك الإنسان وسلوك الحيوان أوجه شبه متعددة؛ أهمها أن الحيوان يمكن تعليمه، كما يمكن أن يستخدم ما اكتسبه من كفايات في تحقيق التكيف بينه وبين المواقف الجديدة. وكذلك في مقدرته أن يتعرف الأشياء التي سبق له تجربتها، وأن يستجيب لبعض الإشارات والرموز، التي ارتبطت بشكل خاص من أشكال السلوك. كما يستطيع إدراك بعض العلاقات، وأن يستجيب لأشياء مختلفة بطريقة واحدة ثابتة، وذلك بإدراك وظيفة الأشياء، على الرغم من اختلاف بنائها وشكلها.

أما الفاصل الجوهري بين سلوك الإنسان والحيوان، فهو قدرة الإنسان على تكوين عالم خيالي يفوق بآفاقه الواسعة الحدود الضيقة، التي تحصر بين جوانبها هذا الجزء اليسير من العالم الواقعي، الذي يقع في دائرة إدراكنا الراهن. ويرجع سر تفوق الإنسان دائما، كما يرجع سر شقائه أحيانا، إلى قدرته على أن يستعيد في ذهنه حياته الماضية، وعلى أن يسقط على ستار المستقبل أحلامه وآماله ومخاوفه، على السواء.

ولمّا لم تكن الحضارة سوى ارتباط حلقات الماضي بعضها ببعض، واتخاذها الماضي سنداً لتهيئة سبل المستقبل القريب، والتطلع الدائم إلى المستقبل البعيد، فمعنى ذا أن الخيال يتجاوز حدود الزمان، يربط الماضي بخبراته، مع الحاضر بمعطياته، مع المستقبل بتطلعاته، مفكراً ومبدعاً العديد من الموضوعات والاكتشافات العلمية والفنية والأدبية والاجتماعية...، متواصلاً إلى حلول للمشكلات المتجددة، التي تعترض مسيرة حياة الإنسان.

ولولا الخيال، إذاً، لما تطورت البشرية، ولما وصلت إلى إبداع وابتكار الأساليب، التي تيسر حياتها وتحقق تطلعات أبنائها. فالخيال جزء لا يتجزأ من تكوين البشر وقوتهم، وهو أحد الإمكانات التي تسعى الدول لتنميتها والارتقاء بها وتوظيفها، لخدمة الإنسان والبشرية.

ومن ثم، فالخيال وسيلة لتنمية قدرات الإنسان وتفكيره، إذ يزوده بالبصيرة التي تساعده على إدراك عالمه وما يحيط به، بعقل متفتح مرن ناقد بناء متطور.

وللخيال آثاره الوجدانية؛ فهو قوة دافعة للتفكير وحل المشكلات والإبداع والابتكارن على نحو يزيد فاعلية الفرد في تعامله مع المثيرات والمواقف المختلفة، وهو إحدى وسائل التنفيس الانفعالي؛ فهناك حالات يكون الإنسان فيها شارد الذهن، قاطعاً بينه وبين العالم الخارجي ما استطاع من الصلات والعلاقات، منطوياً على نفسه، وغارقاً في بحر من الهواجس والخواطر. وتُعرف هذه المواكب المتلاحقة "بأحلام اليقظة".

ولأحلام اليقظة درجات من استرجاع سلبي للذكريات والصور، إلى إنشاء التصورات الجديدة والابتكارات الفنية. وقد تكون مادة أحلام اليقظة ما اختبره الشخص فيما مضى من الانفعالات والتجارب العاطفية، غير أنها تكون، في أغلب الأحيان، تطلعاً نحو المستقبل، أو فراراً من الماضي. ولا ينجو الفنان العبقري أو العالم المجرب، من استيلاء أحلام اليقظة على فؤاده، بل قد يتخذ منها مطية لاستلهام عالم الجمال والشعر. وليست أحلام اليقظة ضرباً من التعويض فحسب، بل هي أيضاً من عوامل توسيع آفاق الشخصية وإشعال نشاطها. فقد يسعى الشخص جاهداً لتحقيق هذه الصورة الرائعة القوية، التي كونها عن نفسه في خياله، والتي أسقطها على ستار المستقبل، وكثيراً ما يحاول أن يحاكي في ميدان عالمه الخيالي الشخصيات القوية، التي تركت في نفسه أثراً بليغاً؛ فضلاً عن محاكاته للصورة المثالية التي رسمها عن نفسه.

ويستخدم الأطفال اللعب الخيالي، أو اللعب الرمزي، للتعبير عن أنفسهم، وللتنفيس عن انفعالاتهم. ويصبح اللعب نوعاً من الدراما الاجتماعية عندما يتخذ الطفل دوراً خيالياً يعبر عنه بالتقليد، أو عندما يمارس ألعاباً خيالية تتعلق بأفعال ومواقف؛ ولكنه يستبدل تلك الأفعال والمواقف بأوصاف تغطية لها.

أولاً: تعريف الخيال

اختلفت تعريفات الخيال وتعددت، ويمكن تصنيفها في الفئات التالية

1. الخيال كقدرة

أ. الخيال هو القدرة العقلية النشطة على تكوين الصور والتصورات الجديدة، ويتضمن عمليات الدمج والتركيب وإعادة التركيب بين مكونات الذاكرة الخاصة بالخبرات الماضية، وكذلك الصور التي يتم تشكيلها وتكوينها خلال ذلك في تركيبات جديدة.

ب. هو القدرة العقلية أو المعرفية، التي يستطيع الشخص بواسطتها تشكيل بعض عناصر الحياة كصورة ذهنية، تشكيلاً يتناسب مع مرحلة النمو العقلي التي يمر بها الفرد، ثم الاحتفاظ بهذه العناصر في ذاكرته حتى يتم استحضارها عند اللزوم.

2. الخيال كعملية

أ. عملية عقلية يُشكل بها الطفل الواقع كما يدركه في عدد من الصور العقلية الحسية، التي تتناسب مع مرحلة النمو العقلي التي يمر بها.

ب. العملية الكلية التي تضم كل العمليات الفرعية الخاصة بالتخيل والتخييل والمتخيل، أو الشكل المنظم، الذي يتم على مادة التخيل أو صورة حرة، وأيضاً على ذلك العالم المُتخيل، الذي تقوم عملية التخيل بالتجوال فيه بحرية مطلقة في البداية.

ج. الخيال نشاط نفسي تحدث خلاله عمليات تركيب ودمج بين مكونات الذاكرة والإدراك، والصورة العقلية التي تشكلت من قبل، وهذا الامتزاج الخاص بالأزمنة الثلاثة (الماضي، والحاضر، والمستقبل)، وينتج عنه المركب الجديد، الذي هو المُنتج الإبداعي الخيالي المتميز.

3. وظيفة الخيال

أ. الاستخدام البنائي للتجارب الإدراكية الماضية، التي تُبعث كصورة في تجربة فكرية حاضرة، وهي لا تُبعث في شكلها الكلي إعادة لتجربة ماضي؛ ولكنها تُبعث كتنظيم جديد للمادة المستمدة من التجارب الماضية.

ب. إعادة تركيب الخبرات السابقة في أشكال جديدة لا وجود لها من قبل، وهذه التكوينات تساعد الفرد على حل مشاكل بيئته وتساعده على التكيف مع البيئة.

ويرجع اختلاف تعريفات الخيال إلى تداخله مع عديد من المفاهيم، مثل التخييل والتخيل، وإلى تدخل الخيال في العديد من المتغيرات المعرفية، وإلى اختلاف المدارس التي حاولت تفسيره. ولعل من العوامل التي أدت إلى تعدد التعريفات، أن الخيال يقع في المنطقة الخاصة بالواقع الافتراضي بالمعنى الحديث، الواقع الذي يشبه الواقع كما نعرفه، ولكنه أيضاً افتراضي ينتمي إلى منطقة (كما لو) و(ربما) و(كأن). وكأن هذا الواقع الافتراضي المتخيل (كما لو) كان هو الواقع، و(كأن) الواقع هو أيضاً عالم افتراضي، و(ربما) كان هذا واقعاً كأنه يشبه الواقع، ولكنه ليس الواقع كما نعرفه؛ بل واقع الخيال، الخيال الذي يربط الفن بالعلم والتكنولوجيا والحياة، كما هي حال فنون الواقع الافتراضي الآن.

ثانياً: خصائص الخيال

1. الدينامية، إذ ينتقل بمرونة بين الأفكار والمعطيات بصورة نشطة وبرؤى محددة، ومازجاً بين أكثر من صورة في وقت واحد، ومتحركاً من الكل إلى الجزء والعكس، من أجل اكتشاف جديد.

2. الخيال قاسماً مشتركاً بين العديد من المتغيرات المعرفية، كالإدراك والتذكر والتفكير والحدس والإبداع.

3. كما يؤثر الخيال في تلك المتغيرات، فإنه يتأثر بها أيضاً، أي أن العلاقة بين الخيال وتلك المتغيرات علاقة تفاعلية دائمة ومستمرة.

4. الخيال الإبداعي بنائي يتضمن الكثير من عمليات التنظيم العقلي، لتكوين الصور والتصورات الجديدة.

5. يختلف الخيال عن التخييل في أن التخييل هو النشاط الحر الذي ينتقل من موضوع إلى آخر على نحو حر تماماً، من دون التزام بروابط أو نظام أو قوانين، كالشخص الذي يبني قصوراً في الهواء ثم يهدمها ليبني قصوراً أجمل منها، وهكذا. أما الخيال فهو عملية كلية تضم العمليات الفرعية الخاصة بالتخيل والتخييل والمتخيل.

6. يمر الخيال في ارتقائه بثلاث مراحل، هي:

أ. المرحلة الأولى: خلالها يكون لدى الطفل حس بالجمال، يقوم بدوره كنوع من الطريق القصير إلى المعرفة.

ب. المرحلة الثانية: يبدأ الطفل في الاقتراب المناسب إلى حد ما من الواقع، فهو يبدأ في استقصاء السبب والنتيجة، ويبدأ في التساؤل لماذا توجد شوارع غير ذهبية؟.

ج. المرحلة الثالثة: يبدأ الطفل في التعبير عن رؤيته الأولى لعالم الأشياء كما هي، وإن كان ذلك بطريقة منخفضة مقارنة بالراشدين.

وثمة تصنيف للخيال حسب المراحل العمرية

أ. خيال الطفل (الخيال المحسوس): بعد أن يَعْبر الطفل من طفولته المبكرة إلى مرحلة الطفولة المتأخرة، ونتيجة لزيادة نموه العقلي ونضجه، يصبح خياله إبداعياً وتركيبياً.

ب. خيال المراهق (الخيال المجرد): عندما يتخلص المراهق من طفولته يصبح خياله مجرداً؛ فهو أكثر ميلاً إلى أحلام اليقظة، ليحقق فيها ما يعجز عن تحقيقه في الواقع.

ج. خيال الشيخ (الخيال المركب): تُسيطر على المسن تخيلات يسقط من خلالها الحاضر الذي يعيشه، والمستقبل الذي يخشاه بما يحمله من العجز والإعالة، وهواجس الموت والفراق.

7. وثمة فروق فردية في الخيال، في النواحي التالية:

أ. فروق في الفاعلية أو الكفاءة: حيث يُعد التخيل في هذا المنحى مهارة أو عدة مهارات؛ فقد يمتلك شخصان الكم نفسه من القدرة التخيلية، ولكنهما يختلفان في كفاءة استخدامها.

ب. فروق في القدرات ما وراء المعرفية (الميتامعرفة): حيث يختلف الأفراد من ناحية معرفتهم، كيف ومتى يستخدمون مهاراتهم التخيلية.

ج. فروق في التفضيل الشعري: من حيث تفضيل الأسلوب البصري، الذي تصاحبه الصور الداخلية، أو الأسلوب اللفظي، الذي تصاحبه خبرة الحديث الداخلي، والذي يختلف حسب طبيعة كل مهمة.

8. يتكون الخيال من ناحية البنية العاملية، من بُعد الوعي، والمرونة، والتصور، وأحلام اليقظة، والانسحاب من الواقع، والاحتفاظ بالاتجاه.

9. اختلفت أنواع الخيال بناءً على ووجهة نظر الباحثين؛ فأحد الباحثين يرى أن أنواع الخيال هي: الخيال المنطقي، والخيال الناقد، الخيال الخلاق. ويرى باحث آخر أن أنواع الخيال هي: الإبداعي، والتقليدي. ويرى باحث ثالث أن أنواع الخيال هي: الفني، والعلمي، والعملي، والفلسفي، والأخلاقي. ويرى باحث رابع أن أنواع الخيال هي: الاسترجاعي، والإنشائي.

10. الخيال قابل للتنمية بطرق متعددة، منها نقل المعرفة بطرق وأساليب تفيد بوجود حقائق بديلة، وتشجيع الأفراد على استخدام الخيال في الدراسة وحل المشكلات، وتقمص شخصيات مختلفة (شعراء ـ فنانين ـ علماء...) للوقوف على كيفية استخدام الخيال.