إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) الجمهورية العربية المتحدة
" المشاريع الوحدوية العربية 1913 - 1989، يوسف خوري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 2، 1990، ص 336 - 377 "

يضحوا بحياتهم مع رجوعهم عن حركتهم في أوج انتصارها. فكان همهم ان يروا بوادر الإصلاح، وان يظفروا بتحقيقه مهما كان الثمن غاليا، ولو كلفهم حياتهم.

ولقد قطع المشير عامر على نفسه عهد الشرف والرجولة والعسكرية، بعد ان أفحمناه بعدالة مطالبنا وسمو مبادئنا، واظهار ما ارتكبه زبانيته من أخطاء ومفاسد، ان يعمل على ازالة الأسباب التي أدت إلى الحركة الثورية، وتحسين أوضاع الشعب والجيش، وتقويم الاعوجاج الذي انحرف إليه نظام الحكم في ظل الوحدة المنحرفة. ووعد المشير باستصدار التدابير التي ترد إلى الشعب حريته وكرامته، وتنقذه من التسلط والأهواء، كما وعد بمحاسبة المسؤولين عن تدهور الوضع العسكري والسياسي في البلاد.

فلما تم الاتفاق على هذا كله، أعلن المشير أيضا موافقته على إجراء عرض عسكري في الغداة، لاثبات وحدة الجيش. وقد بدأ المشير فعلاً يوقع القرارات المتعلقة بجزء من مطالب الحركة، وذلك ما يتعلق بالجيش حتى إذا طلبت منه القيادة الثورية ان يستصدر في الوقت نفسه التدابير التي تصلح الأوضاع العامة وتعيد إلى الشعب كله طمأنينته على حريته وكرامته، فقد طلب ان يسمح له بالاتصال المباشر بالقاهرة.

ولما تم له ما أراد، تبين ان كل الذي كان يفعله ظواهر خداعة. فقد مضى الوقت وتكشفت المؤامرة. وتبين ان الرئيس عبد الناصر قد طلب من المشير بمراسلات الشيفرة التي كشفها جيشكم الحذر طلب منه ان يماطل ويكسب الوقت، لأن الترتيبات اتخذت في القاهرة لطعن الحركة.

وهنا انقلب المشير، وكأنه لم يكن قبل لحظة، هو الذي قطع العهد، عهد الشرف والرجولة والعسكرية. وهنا تنصل من عهده بإصدار البيان بالإصلاحات المرتقبة، التي تطبق في الحكم نظاما ديمقراطيا سليما، وتحقق للمواطنين اشتراكية صادقة تصدر عن الدراسة الواعية، لا عن الارتجال والدعاية السياسية. وما كان رجوعه عن عهده ونكثه بالموقف الذي قطعه على نفسه، إلا لعلمه ان المظليين قد وجهوا إلى أرضنا العربية، ليسفكوا دماء عربية بدماء عربية.

كان لا بد عندئذٍ من عودة الثورة إلى خط سيرها، بعد ان تراجع المشير عن مطالب الشعب، وكأنه لم يعد بتحقيق شيء من مطالب الجيش والشعب في وقت معاً. وظلت القيادة ترجوه ان يحترم عهده ويلتزم وعده، وقالت له: " أنت آمرنا " وهذه رقابنا نضعها تحت يدك، على ان تحقق مطالب الجيش والشعب وتصون قدسية الوحدة ". وظل المشير بعد ان علم بترتيبات القاهرة، مصراً على نقض العهد.

تسع ساعات من الوقت ضاعت عبثاً، ورفض ان يذيع البيان الذي وعد بإذاعته عن تحقيق مطالب الشعب وصون وحدة الجيش. وعندئذ قررت هيئة القيادة الثورية ان تسفر المشير إلى القاهرة، وما ذلك الا ثقة منها ان حركتها قوية إلى الحد الذي لا يخيفها بعد ان يعود المشير إلى القاهرة، فما دام قد

<96>