إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

       



(تابع) تقرير إلى الأمين العام من بعثة الأمم المتحدة لتقييم مدى وطبيعة
الأضرار التي لحقت بالهياكل الأساسية للكويت أثناء الاحتلال العراقي (مقتطف)
"الأمم المتحدة، سلسلة الكتب الزرقاء، مج 9، ص 227-245"

عاشرا -   ملاحظات ختامية

        532 -   حاول هذا التقرير أن يقدم تقديرا عاما للأضرار والخسائر التي لحقت بالكويت واستند بصورة رئيسية إلى المعاينة الشخصية والاستقصاء الشخصي الذي قام به أعضاء البعثة، كما استند، في حالة عدم وجود السجلات والبيانات ذات الصلة، إلى معلومات شفوية وتحريرية قدمت إليهم. وقد وصلت البعثة إلى الكويت بعد انسحاب قوات الاحتلال العراقية بأقل من ثلاثة أسابيع. وقد وصفت الأجزاء السابقة من هذا التقرير بالتفصيل الصعوبات التي واجهتها البعثة. والبعثة تدرك أن تقديراتها ليست جامعة مانعة. غير أن من المأمول أن تعطي استنتاجاتها العامة التي تم التوصل إليها عن طريق العينات المنتقاة في بعض القطاعات ودراسة العينات العشوائية في قطاعات أخرى، صورة دالة تمثل طبيعة ونطاق الأضرار التي لحقت باقتصاد الكويت.

        533 -   واليوم تكافح الكويت لكي تتعافي من آثار احتلال العراق لها، وهو الاحتلال الذي لم يترك جرءا من سكانها أو قطاعا من اقتصادها دون أن يصيبه. فقد فقد الأبرياء حياتهم ونزلت المصائب بعدد كبير من الناس. أما الأضرار التي أصابت الاقتصاد فتكاد تستعصي على الحساب. إذ اضطر أكثر من ثلثي سكان الكويت إلى الهروب من البلد وهم الآن مبعثرون على نطاق واسع، في حين أن ما يقارب مليونا من الفنيين والعمال الأجانب الذين كانوا عمادا لقطاع الخدمات اضطروا إلى هجر وظائفهم والعودة إلى بلدانهم. أما صناعة النفط، وهي العصب المركزي للاقتصاد، فمخربة، في حين تم بصورة منتظمة تخريب ونهب قطاعات حيوية أخرى من الهياكل الأساسية.

        534 -   وعندما وصلت البعثة إلى الكويت، لم تكن المرافق العامة تعمل ولم تكن الخدمات الاجتماعية الأساسية موجودة. وقد أدت الأبعاد المذهلة للأضرار التي وقعت لهذا البلد، يضاف إليها ما يحتاج إليه من جهود لإصلاح الهياكل الأساسية المحطمة وإعادة بنائها، إلى خلق شعور من العجز واليأس. وتواجه الحكومة والشعب حالة من الأولويات القاهرة والمتنافسة في آن واحد. وأبرز القطاعات المتأثرة بالاحتلال، وأهمها دون شك، قطاع صناعة النفط.

        535 -   إن الكارثة التي لم يسبق لها مثيل، والمتمثلة بمئات آبار النفط المشتعلة أو التي يتدفق النفط منها فتلوث البيئة بنتيجة ذلك، تفوق الأضرار التي أصابت سائر أجزاء هذه الصناعة. وتمثل الحالة الراهنة، بلغة النقد، خسارة يومية للكويت تتراوح بين 40 مليون دولار وما يصل إلى 120 مليون دولار. ولا يمكن أن تستعاد هذه الصناعة إلى حالة التشغيل إلا إذا تمت السيطرة على هذه الآبار، لا سيما لأن مصافي البلد ومرافق التصدير فيه لم تدمر كلية وإنما شلت استراتيجيا. وهناك أمل كبير في أن يتاح، في غضون شهرين، تلبية الطلب المحلي من إنتاج النفط المحلي. وما يظل مجهولا هو حالة خزانات النفط الجوفية إذ إن هناك خشية بالغة بأن تكون قد تضررت.

        536 -   وعند مغادرة البعثة للكويت، بعد ستة أسابيع من بدء حرائق النفط، لم يكن أحد في وضع يستطيع أن يعرف بصورة جازمة تكوين انبعاثات الحرائق. ولا يستطيع أحد أن يقف موقف المتفرج إزاء احتراق مئات آبار النفط التي ما فتئت تلطخ الريف، وتنفث سحبا سوداء كثيفة من الدخان تحوم بخطورة فوق الكويت، وهي سحب تحجب الشمس غالبا فتحول النهار إلى ليل وتسبب انخفاضات حادة غير معتادة في درجة الحرارة. وهذا يشير إلى وجود ثغرة خطيرة في آليات الاستجابة. وقد حال ذلك بين البعثة وبين أن تقول الشيء الكثير عن آثار ذلك على صحة البشر وعلى النظم الإيكولوجية. ولمعالجة هذا الوضع يبدو أنه يلزم بصورة حثيثة إنشاء جهاز دولي للاستجابة للطوارئ.

        537 -   لقد أبرزت مشكلة حرائق النفط في الكويت أيضا لحاجة إلى النظر في المشاكل البيئية في الخليج على أساس إقليمي. فسُحب الدخان المتصاعد من الحرائق شكلت حجابا قاتما على كثير من دول الخليج الأخرى. وكذلك فإن بقع النفط التي تنسكب من بلد ما قد تنتشر على طول الخليج وتؤثر على مياه البلدان المجاورة وسواحلها. والحاجة تدعو إلى التعاون في تبادل البيانات والمعلومات وكذلك في اتخاذ التدابير في مجال تنظيم المعالجة. ولا يمكن المبالغة في تأكيد الدور الهام للمنظمات الإقليمية، كالمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية.

        538 -   ومن المؤكد أن أكثر المشاكل البيئية التي تواجه الكويت استمرارا ستكون الألغام وغيرها من الذخائر الحربية التي لم تنفجر. فستؤثر هذه المشكلة على الأنماط السلوكية الاجتماعية لجميع سكان الكويت وكذلك البدو الرحل الذين يتنقلون موسميا عبر حدود الكويت. إن الأخطار المحدقة بحياة الناس سوف تستمر إلى زمن طويل قادم.

        539 -   وقد تأثر التعليم في جميع نواحيه. فهناك جيل من الأطفال والشباب ضاعت عليه على الأقل سنة دراسية واحدة، كما أصاب النهب والتمزيق والتدمير الجزئي كل المرافق التعليمية تقريبا، سواء أكانت عامة أو خاصة. وقد حرم هذا البلد من قاعدته الفكرية. والمواد المطبوعة يمكن أن تعوض، ولكن لا يمكن تعويض المواد غير المنشورة، والمحاضرات، والمراسلات مع الباحثين الآخرين أو قواعد البيانات الالكترونية الأخرى. وقد قال أحد الأساتذة الجامعيين، "لقد فقدنا كل شيء سوى ما حفظناه في صدورنا".


<19>