إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

       



بيان الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، أمام المؤتمر العام السابع عشر للحزب فى 27 سبتمبر 1947
جريدة " النهار "، العدد الصادر في 28 سبتمبر 1974، ص 3 - 4 .

الجلسة الافتتاحية في فندق برنتانيا في برمانا.

نص المبادئ الذي ألقاه الشيخ بيار الجميل أمس فى افتتاح المؤتمر العام السابع عشر لحزب الكتائب اللبنانية:

         " أيها الرفاق،

         فى ودي لو نعود بالذاكرة سنة واحدة إلى الوراء... إلى لقائنا السابق فى هذه القاعة بالذات، فنرى كم تغيرت دنى وتبدلت أحوال وكم أسرع زمن وقصرت أيام!

         من حرب تشرين، إلى حرب قبرص، وعبور القناة وتحرير القنطرة، واتفاقات الفصل بين القوات... وغيرها، وغيرها من الأحداث التي تبدو كأنما صنعت نفسها بنفسها فى معزل عن الإنسان.

         حتى ليكاد المرء يتساءل، أحياناً، عما إذا كان العقل البشري قادراً، بعد الآن على استباق الزمن، أو اللحاق به على الأقل... وعما إذا كانت توقعاته، وحسابات المستقبل، ذات جدوى، فلا تكذبها الأحداث المتدافعة وتحكم ببطلانها! التاريخ، طبعاً، هو من صنع الإنسان.

         ولكن كم مرة يصنع الإنسان من الزخم فى الأحداث ما يخرجها من إطار سيطرته، فتندفع هذه كسيارة أفلتت من ضوابطها. فإذا الإنسان نفسه أمام أحوال لم يردها. تمزيق قبرص، مثلاً، بدا محاولة تافهة. وأزمة الطاقة حبلت بها حالة اللاحرب واللاسلم التي فرضها العالم على المنطقة العربية ردحاً من الزمن.

         وهكذا دواليك،

         حقيقة تفرض علينا، في لبنان مزيداً من اليقظة، وأقل ما يمكن من المجازفات والتهور، وأقل ما يمكن أيضاً من اللهو والعبث فسماؤنا غير صافية، أي خلافا لما هي طبيعتها، وآفاقنا ملبدة، بعدما كانت أوسع الآفاق وأرحبها وأشدها نقاوة.

         والنفوس كذلك مضطربة، وهي التي تميزت دائماً بالهدوء والرصانة والاستقرار، وفي اختصار، حالنا حال متوترة فقد صدف أن سقطت فلسطين، وانفجر الصراع فى المنطقة العربية، عندما كان لبنان في بداية بناء نفسه كدولة، وصدف أيضاً أن أصبح هذا الوطن مقر الثورة الفلسطينية ومتنفسها الوحيد تقريباً، وهو، بعد، طري العود فتي، فليس غريباً إذا أحس بالضيق، واضطربت نفسه، واستبد به القلق، بل الغريب ألا ينفعل وتتوتر حاله.

         وفى اعتقادي أن أية أمة أخرى ما كانت لتصمد كما صمد لبنان ربما لو بدأت حياتها كما بدأ هو، أو عانت الذي عاناه على مدى ربع قرن ويزيد.

         من هذا القبيل، يستحق هذا البلد ثناء الإنسانية كلها، يستحق التقدير، يستأهل أن يصان بالمهج والأرواح عند الضرورة، أو على الأقل، الا يجازف به، أيا كان الغرض من المجازفة! وفي تعبير أوضح: لا يستأهل هذا الوطن النموذجي أن يضحى به على مذبح أنانياتنا، أو من أجل سلم مزعوم فى المنطقة، أو لأجل عالم يريد أن يتخلص من عقدة مزمنة تنقص عليه عيشه، وتقلق راحته، منذ سنوات! أقول هذا لأنه إذا كان من خطر على لبنان، فهو يبدأ من هذه الجوانب بالذات. أنانياتنا تعمي بصائرنا، فننسى قيمة ما بنينا، ننسى قيمة هذا الوطن، والأنانيات الأخرى في المنطقة العربية وفى العالم، خطر آخر هو أصبح أيضاً واضحاً وأكيداًً بعد الذي رأيناه في قبرص! دولة عضو في الأمم المتحدة، تضحى بها هكذا، فى لحظة، فلا يتحرك ضمير، أو وجدان، أو شرعة من الشرائع التي وضعها البشر

<1>