إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



سمو الأمير فيصل المعظم يقعد مؤتمراً صحفياً
(أم القرى العدد 1740 في 10 ربيع الثاني 1378 الموافق 24 أكتوبر 1958)

          أذاع راديو مكة المكرمة ما يلي: كان الصحفيون السعوديون قد التمسوا، من حضرة صاحب السمو الملكي،رئيس مجلس الوزراء المعظم، تخصيص فرصة مواتية يتشرفون فيها بالاجتماع بسموه، يتحدثون إليه، ويتسمعون من سموه، ما يفضي به إليهم من بيانات ومعلومات، ينشرونها لتنوير الرأي العام، وإطلاعه على ما تقوم به حكومة جلالة الملك المعظم. وقد تفضل فحقق لهم هذه الرغبة، في ضحى يوم أمس، حيث اجتمع سموه، بجميع رؤساء تحرير الصحف المحلية في المملكة، في مكتب سموه الخاص، حيث قدمهم إلى سموه، سعادة المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر، ثم أفضى سموه لهم بالحديث الآتي:

          "لا بأس أن يكون، بين وقت وآخر، لقاء بيني وبين الصحفيين. وأنا مستعد بأن أبحث معهم ما يودون معرفته؛ لأن الصحافة واسطة نقل للرأي العام، ولكني لا أحب الإكثار من التصريحات الصحفية، بمناسبة وبغير مناسبة، فربما كان الإكثار من التصريحات، يضيع علينا الوقت، وربنا سئم الناس كثرة الكلام وملوا، وخصوصاً إذا كانت النغمة واحدة، حتى عندما نتغنى بالحرص والاجتهاد، والوطنية تقبل بادئ الأمر، ثم ربما تمل.

          إن حكومة جلالة الملك ليس لديها شيء خاف حتى تظهره، فقد عملت حكومة جلالته خلال الشهور السبعة الماضية، ما يمكن أن يسمى مجهودات، فحرصت على أن تنهي مشاكلها في السياسة الخارجية؛ لتجعل للبلاد مركزاً ثابتاً غير معرض للهزات والاندفاعات. لقد حاولنا، ولا أقصد أنا، إنما هو مجلس الوزراء وعلى رأس الجميع حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، كمجموعة تشكل جهاز الدولة، حاولنا أن يكون لنا مركز ثابت في السياسة الدولية، لا ينجذب إلى اليمين ولا إلى الشمال، ولا يميل إلى الشرق ولا إلى الغرب، وذلك بأن تكون لنا شخصيتنا العربية المستقلة، وأن تكون سياستنا عربية قوية، تتمثل مع مصالح الأمة العربية بأسرها، بصرف النظر عن بعض الخلافات، في بعض المواطن العربية؛ ذلك لأننا نعتبر الجميع عرباً. وإذا جاز أن هناك خلافات، فهنا شيء من المد والجذب، فإن موقفنا موقف الأخ، الذي يحاول جمع الشمل، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من خلافات، لخدمة القومية العربية والأخوة العربي. إن مبدأنا هو الحياد في كل الأحوال وخدمة القومية العربية الصحيحة، ومن المفروغ منه أننا متمسكون بديننا وعقيدتنا، وهذا ما لا يحتاج إلى بيان، وقد سبق أن أصدرت حكومة جلالة الملك في رمضان بياناً سياسياً شاملاً، يحدد موقفها، بصورة جلية واضحة، وفي ذلك البيان، رسم لسياسة حكومة جلالة الملك الخارجية، التي تسير عليها دائماً، وفي كل الأحوال، وقد أثبتت الأشهر الماضية أن تلك السياسة المرسومة كانت سياسة صحيحة وناجحة، وهدافة إلى الخير.

          أما سياسة حكومة جلالة الملك الداخلية، فقد كان جل اهتمامها في الأشهر الماضية، موجهاً بالنسبة إليها، إلى الشؤون المالية والاقتصادية؛ لأننا نعتبر أن هذه الناحية، بالذات على جانب عظيم من الأهمية، بحيث يجب أن تسبق ما عداها، من الأمور الهامة الأخرى.

          لقد عانت البلاد، في منتصف السنة الماضية، أزمة مالية حادة؛ وذلك لأن حكومة جلالة الملك، كانت قد التزمت بالتزامات، أكثر مما تستطيع، بالنسبة للبلاد العربية، وبالمشاريع المحلية العامة، وصاحب هذا نقص في الواردات، فنتج، عن ذلك، الأزمة المالية، التي أشرنا إليها، فأصبحنا مع ذلك مضطرين أن نقف موقفاً حازماً وشديداً، في معالجة ذلك، إذ ليس في إمكاننا أن نعمل إلاّ ما عملناه. ولئن كانت النتائج حتى الآن ليست كل ما نرجوه، فإنها بلا شك أصبحت أحسن مما كانت عليه.

          لقد كانت الثقة بمؤسساتنا المالية مزعزعة، حتى أن مؤسسة الدولة للنقد، عندما كانت تحول على بعض البنوك حتى الداخلية منها، ترفض تلك التحاويل، كما كانت البنوك الخارجية تفعل مثل ذلك، أما الآن فالأوضاع المالية، قد تحسنت، ولله الحمد، وأصبحت الأسواق العالمية ترحب بكل المسحوبات عليها من المملكة، وقد تلقت المؤسسة المالية لدينا إشعارات بذلك من أكثر بنوك العالم بقبول أي تحاويل، أو مسحوبات عليها من المملكة، وهذا أكبر دليل على عودة الثقة بمؤسساتنا، وحكومة جلالة الملك مهتمة الآن بالأشياء الآتية:

أولاً:

تأمين الضروريات للشعب.

ثانياً:

محاولة كسب كميات من النقد الأجنبي، كضمان، وتثبيت لها حتى لا تسمح للسوق بالارتفاع والهبوط بالعملات الصعبة.

لقد كان سعر الدولار يتأرجح، في السابق، بين ستة وخمسة من عشرة إلى سبعة ريال، وكان السوق عائماً غير مستقر، ولم يكن في مقدورنا عمل شيء، حينذاك، لإعادة الثقة بالعملة؛ لأن موجود حكومة جلالة الملك من النقد كان محدداً؛ لهذا كانت بدايتنا في معالجة هذه الظاهرة المالية، أن نؤمن للمواطنين المواد الضرورية، كالغذاء والكساء والدواء، وأن نثبت عملتنا، بالنسبة للعملة الأجنبية، حتى لا تهتز الأسواق، وكانت النتيجة هي ما يلمس الجميع الآن من تحسن سعر النقد، وبشائر تثبت الأسواق واستقرارها، هو ما وصل إليه سعر الدولار اليوم، فسعره لا يزيد الآن عن خمسة ريالات وتسعة قروش.

 

إن كل ما نحاوله، اليوم، أن تسير الأمور بهدوء، وأن تستقر الأحوال استقراراً طبيعياً هادئاً؛ لأن الطفرة ضارة، وقد تؤثر على الاقتصاد القومي المحلي.

لقد صابرنا وجالدنا، إلى أن استقرت الأمور، والمرجو أن تزول الفوارق بين السعر الرسمي والسعر الحر، في أقرب فرصة، إن شاء الله.

ولقد عرض علينا بعض الناس، أن نلغي السعر الرسمي، وأن نرفع السعر إلى خمسة ريال وخمسة من عشرة، ولكن لم نوافق لأن هذا معناه انهيار الاقتصاد القومي. وإذا ألغينا السوق الحر واستعملنا السلطة، أوجدنا السوق السوداء، ونحن نفضل العمل في وضح النهار، بدلاً من أن تلعب الأيدي في الظلام، ومن المعلوم أنه في الإمكان التغلب على السوق الحرة، ولكن التجارب أثبتت بأنه، من غير الممكن، التغلب على السوق السوداء.

ثالثاً:

موازنة الدولة في هذا العام. حاولنا أن توجد موازنة ثابتة، لا تقبل التغيير ولا التبديل، ولم يكن للدولة فيما سبق موازنة ثابتة، بما في كلمة الموازنة من معنى، بل كانت هناك جداول وأرقام قابلة للصعود والهبوط أثناء السنة؛ لهذا نحاول الآن، بترتيبنا في وضع الموازنة الحالية، أن تجيء موازنة ثابتة، لا يتطرق إليها التغيير ولا التبديل، وفي أثناء بحثنا للموازنات، طلعت لنا مصاريف جديدة، ومن قبيل الاعتراف، أقول بأننا اضطررنا إلى الضغط عليها".

وهنا التفت سموه إلى بعض الوزراء الحاضرين، يرجوهم ألا يؤاخذوه، على صراحته، فيما أشار إليه".

          هنا توجه الأستاذ أحمد السباعي، رئيس تحرير جريدة الندوة، بسؤال إلى سموه قائلاً:

          لو جاز لي أن أقترح لرجوت سموكم إيقاف أعمال التوسعة في المسجد الحرام، بالنسبة إلى جميع ما ذكره سموكم من المتاعب المالية، والاكتفاء بما تم، حتى الآن، في جناح المسعى، ورواق الأجياد، والعناية بتوسعة شوارع مكة، وتعبيدها، فإن ما تم من الجناحين المذكورين في الحرم الشريف، يعادل ضعف المساحة، التي يشغلها المصلون في أقسام الحرم القديم.

فأجاب سموه:

          "لقد قررنا، في هذه السنة، أن نكتفي بما بدأنا العمل فيه. أما القيام بأعمال جديدة فلا. حتى يصبح، في مقدورنا، أن نستأنف العمل، ونحن الآن نبحث مشروع تخطيط الشوارع، وقد استعارت حكومة جلالة الملك خدمات عدد كبير من كبار مهندسي العالم، من مشروع المعاونة الفنية، في هيئة الأمم؛ للقيام بتخطيط جميع المدن الرئيسية في البلاد، تخطيطاً فنياً، وقد وصل بعض المهتمين المختصين لهذه الغاية، وبدؤوا يهيئون الأسباب لإخراج هذا المشروع، بعض بضعة شهور، إلى حيز العمل والتنفيذ؛ ولهذا فإننا نتريث الآن، في تنفيذ أي مشروع جديد، حتى تكمل الهيئة الفنية دراساتها، وتقدم لحكومة جلالة الملك توصياتها، وحينئذ نبدأ العمل في التنفيذ؛ لئلا نضطر إلى الهدم والإعادة".

          وقد سأل الأستاذ عثمان حافظ سموه، عن نصيب المدينة من ذلك فقال: "إن المدينة في المقدمة، وسيكون نصيبها وافراً، كما يتفق ومكانتها في قلوبنا".

          وقد سأل مندوب البلاد السعودية، الأستاذ حامد مطاوع سموه، عن موعد صرف التعويض المخصص لنزع ملكيات الدور، التي كانت حول المسجد الحرام، فقال سموه: "دفعت الحكومة ثلاثين في المائة من ذلك، وقد أصدرنا الأوامر، بدفع ثلاثين في المائة، في الأيام القريبة المقبلة، ولولا شعورنا بأن ذلك حق وأكثر من الحق، لما اقتطعناها من أقوات الشعب، والذي يهمنا هو أقوات الشعب؛ ولاعتقادنا بأنها من أقوات الشعب، ستصرف في الأيام القريبة".

          وسأل الأستاذ صالح جمال، رئيس تحرير جريدة حراء، سموه عن الإشاعة، التي تتردد من أن حكومة جلالة الملك، ستقوم بنزع ملكيات البيوت، التي اجتاحها الحريق، في محلة الشامية، فأجاب سموه بقوله: "إذا كان هناك محل محروق لا يستفاد منه للسكن، ويخشى منه الخطر، فسوف يقدر ثمنه ويدفع لصاحبه. أما المساكن الصالحة لاستفادة أصحابها من سكنها، فإنها ستبقى بأيدي أصحابها".

          ورد سموه، على سؤال الأستاذ عبدالحي قزاز، عن سياسة حكومة جلالة الملك بشأن الاستيراد بقوله: "إننا نراقب الاستيراد، بكل دقة، ونشجعه؛ لأن من مصلحة حكومة جلالة الملك، أن يكثر الاستيراد؛ ليزداد الدخل من الضرائب الجمركية، على أننا قد فضلنا مصلحة الجمهور على مصلحة دوائر الضرائب الجمركية، عندما منعنا استيراد السيارات والكماليات، فإننا بذلك قد خسرنا من ثلاثين على أربعين في المائة، من وارداتنا الجمركية لهذا السبب".

          ورد سموه على سؤال، وجهه إليه الأستاذ محمد سعيد باعشن، عما يعتقده البعض من إجحاف اتفاقية شركة الزيت العربية "بأن الظروف، التي تمت فيها تلك الاتفاقية، من أكثر من ثلاثين عاماً، كانت ظروفاً خاصة، فقد كانت حكومة جلالة الملك، بعد إجراء أبحاث عديدة من جهات أجنبية مختلفة، بالبحث عن الزيت في بلادنا، في خلال نصف القرن الماضي، تعتقد، بناء على تقارير تلك الجهات الأجنبية، أنها تشك في وجود الزيت، في المنطقة الشرقية؛ ولذلك تساهلنا، على أننا لو قارنا تلك الاتفاقية الأولية، بما وصلنا إليه الآن، من تعديلات، أدخلت عليها لصالح الشعب، لوجدنا أن الفرق كبير. فلقد تحصلت حكومة جلالة الملك، على كثير من المصالح، التي يجب أن تستحصل عليها، بالنسبة لخزينة الدولة والشعب، وبالنسبة لعمالنا المواطنين، الذين يعملون بشركة الزيت، فقد ألزمت حكومة جلالة الملك الشركة، بجميع ما قامت به في السنوات الماضية، من تحسين مستوى العمال، وربع معيشتهم، وألزمتها ببناء جميع المدارس، والمساكن، وطرق المواصلات، التي يستفيد منها العمال، والموظفون في الشركة. وحكومة جلالة الملك لا تألو جهداً، في كل مناسبة، في إلزام الشركة للقيام بكل ما فيه المصلحة لكل من يعمل فيها، وبهذه المناسبة، فنحن حريصون على توجيه النشء من أبنائنا توجيهاً فنياً صحيحاً، حسب حاجة البلاد ومتطلباتها، في نهضتها الحديثة، ونأمل في أن يتجه الشباب، بعد الآن، إلى الأشياء الواقعية، التي نحن في أمس الحاجة إليها، بتعلم الهندسة، والطب، وشؤون الزيت، والزراعة، وعلم طبقات الأرض، فإننا نريد أن تشمل نهضتنا جميع هذه المرافق الحيوية، حتى نستطيع أن نسد العجز الحالي، في مرافقنا الاجتماعية والحكومية.

          إن بلادنا في أمس الحاجة إلى الطبيب، والمهندس، والى المزارع، أكثر من حاجتها إلى الاكتفاء بالعلوم الكلامية، والنظرية. ولدى الحكومة الآن عدد كبير من الأنظمة والقوانين، قيد الدرس، ومن بين هذه الأنظمة والقوانين قانون المطبوعات، ونرجو بذلك أن نسهل ونعين النهضة الصحفية والثقافية في البلاد، وقانون التقسيم الإداري في المملكة، بما يكفل تنظيمها والنهضة بها.

          وذكر سموه ما بدأت به الحكومة، في هذا العام، من طرق المواصلات الرئيسية، كطريق المدينة ـ تبوك، وطريق الرياض الدمام، وطريق مكة ـ الرياض، والطريق الثاني مكة ـ جدة.

          وذكر سموه أن هناك لجنة مؤلفة من وزارة الداخلية، ووزارة الدفاع، ووزارة المواصلات، ووزارة الزراعة، تدرس طريق جدة جيزان، وأنها معنية الآن بتقرير الجهات، التي يبدأ منها هذا الطريق، ويمر بها، ولا شك بأن المواصلات هي شريان الحياة للشعب الوطن.

          وكان الصحفيون، بعد هذا الحديث، قد أخذوا من وقت سموه ساعتين ونصف ساعة، فشكروا سموه على هذا المؤتمر الناجح، وكرروا لسموه شكرهم، وتقدريهم، واعتزازهم، بمثل هذه الاجتماعات، التي ستطلع الرأي العام على ما يدور فيها، ثم انصرفوا شاكرين مقدرين.