إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



الفيصل يعلن في بيان وزاري السياسة الداخلية الجديدة للدولة(1)

          تلا سموه الخطاب التالي:

          حرصت الدولة السعودية منذ فجر تأسيسها على أن تخوض بكل جد وقوة معركة بناء هادفة، ولقد مرت سنون طويلة من العرق والدم سار خلالها المغفور له الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في طريق شاق، وخاض معارك عنيفة، استطاع بعدها أن يؤسس كيان هذا البنيان الشامخ الكبير، وجاءت بعد ذلك عملية إرساء الأساس لنهضتنا، وعلى الرغم من أن عمليات إرساء الأساس لا تظهر عادة أهميتها البالغة بالعين المجردة، وعلى الرغم من أن تدفق موارد الزيت لم يتم إلا منذ عهد قريب في حساب الزمن، فقد استطاعت حكومة جلالة الملك سعود المعظم بفضل توجيهاته الرشيدة أن تستفيد من هذا المورد الهام، وأن تظهر آثاره سريعاً، على الرغم من تباعد أطراف المملكة، وقسوة طبيعة الصحراء فيها، وندرة أصحاب الكفاءات لديها.

          ويسر حكومة صاحب الجلالة أن تعلن نتيجة لهذا الجهاد الشاق المتواصل، فقد آن لها وللمواطنين من أبناء هذا الوطن الكريم أن يقتطفوا منذ الآن ثمار بعض جهودهم، وأن يستعدوا بعد ذلك للاستمرار في اقتطاف ثمار الجهود الأخرى.

          وسوف تضاعف حكومة صاحب الجلالة جهودها في تطوير كيان هذه الدولة الفتية، وتدعيمه، والأخذ بيد المواطنين إلى المكان اللائق بهم، كشعب كان منذ فجر التاريخ العربي مركز انطلاق العروبة الحقة، ومصدر إشعاع للحضارة الإسلامية الخالدة.

          وفي سبيل قطف الثمار ومضاعفة الجهود لتطوير الكيان، فقد وضعت حكومة صاحب الجلالة برنامجاً إصلاحياً ضخماً، يمكن تلخيص أهم عناصره في النقاط التالية:

          أولاً: لما كان من الواجب أن يكون نظام الحكم في أي دولة صورة صادقة لحقيقة التطور الذي وصل إليه مجتمعها، فقد حرصت حكومة صاحب الجلالة على تطوير المجتمع السعودي، علمياً، وثقافياً، واجتماعياً، حتى يصل إلى المستوى الذي تنعكس معه صورته في شكل نظام راق للحكم، يمثل الأهداف العظيمة الخالدة التي جاءت بها شريعتنا الغراء، ولقد حدثت من آن لآخر عدة تطورات فعلية لشكل الحكم السعودي، كانت تمثل تطور المجتمع لدينا، وتحاول، في الوقت نفسه، أن تأخذ بيده لمستوى أرقى مما هو عليه، وتعتقد حكومة صاحب الجلالة أن الوقت قد حان الآن لإصدار نظام أساسي للحكم، مستمد من كتاب الله وسنة رسوله، وسيرة خلفائه الراشدين، حيث يضع في وضوح كامل المبادئ الأساسية للحكم، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وينظم سلطات الدولة المختلفة، وعلاقة كل جهة بالأخرى، ينص على الحقوق الأساسية للمواطن، ومنها حقه في حرية التعبير عن رأيه في حدود العقيدة الإسلامية، والنظام العام. ولقد شرعت الوزارة السابقة في تطوير مجلس الشورى، ليقوم بدوره كسلطة تنظيمية للبلاد، وستكون هذه الدراسة مع ما سيطرأ عليها من إضافات وتعديلات جزء من النظام الأساسي للحكم، الذي لن يتأخر صدوره، إن شاء الله، والذي سيأتي صورة صادقة من المستوى الكريم الذي وصلت إليه أمتنا، ونموذجاً رائعاً لنظام الحكم الإسلامي، المستمد من نصوص الشريعة وروحها.

          ومما يساعد على بلوغ هذا الهدف السامي أن قواعد شريعتنا السمحة مرنة، متطورة، صالحة لمواجهة كل الظروف، وقابلة للتطبيق في كل مكان وزمان، حسب متطلبات ذلك الزمان والمكان.

          ثانياً: ولم تكتف حكومة صاحب الجلالة في التفكير فقط في نظام أساسي يضطلع بقواعد الحكم المركزي فحسب، بل إنها قامت بدراسات مختلفة لوضع نظام للمقاطعات، يوضح طريقة الحكم المحلي لمناطق المملكة المختلفة، ولقد تبلورت شتى الدراسات التي تمت لمشروع نظام المقاطعات، لدرجة لن يطول معها ظهوره إلى حيز الوجود، وسيكون عند صدوره عاملاً فعالاً في دفع عجلة التطور الإداري والسياسي، والاجتماعي لمملكتنا الفتية.

          ثالثاً: وتحرص حكومة صاحب الجلالة على أن يكون للقضاء حرمته ومكانته، فهو مناط القسط، ورمز العدالة، وكلما ارتفع شأنه وعظمت حريته حققنا بذلك هدفاً أساسياً من أركان ديننا الإسلامي الحنيف، وقد عقدنا العزم على مضاعفة الجهود نحو هذه الغاية. وإصدار نظام باستقلال القضاء، يمسك بزمامه مجلس أعلى للقضاء، وقررنا إنشاء وزارة للعدل، تشرف على الشؤون الإدارية للقضاء، ويلحق بها نيابة عامة للدولة ترعى


1. أم القرى العدد 1944 في 12 جمادى الثاني 1382 الموافق 9 نوفمبر 1962

<1>