إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (6)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
في حفلة العشاء، التي أقامها، تكريماً لجلالته
الرئيس السوداني، إسماعيل الأزهري
الخرطوم، 5/3/1966(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب الفخامة، أصحاب السيادة، صاحب الدولة، إخواني الأعزاء.
         يسعدني، في هذه اللحظة المباركة، أن أتقدم بشكري الجزيل، لما لقيته في هذا البلد الكريم، من حفاوة وشعور فياض؛ إن عبّر، فإنما يعبر عما جبل عليه هذا الشعب، من إيمان صادق، ومحبة خالصة، وكرامة طاهرة. ولا غرو، فإن شعباً، تلتقي فيه روح الإسلام وأصالة العروبة، فإنه لجدير خير، ولجدير بكل مكرمة.

يا صاحب الفخامة
         إن ما تفضل به فخامتكم، لهو نفس ما أشعر به، وما يشعر به إخوان لكم، في بطاح مكة، والمدينة، والمملكة العربية السعودية، شعباً وحكومة. وإنني أزف إلى فخامتكم وحكومتكم، وإلى الشعب السوداني الشقيق، تحياتهم، وعظيم تقديرهم ومحبتهم، التي تنبعث عن إخلاص، وعن إيمان بروابط الإخوة الإسلامية والعربية، والجوار القريب. وإنني، بهذه المناسبة، ليسعدني، إذا سمحتم، يا فخامة الرئيس، أن أجلو بعض ما غشى بعض الأبصار، أو بعض المفاهيم، من نهضة الإسلام والحركة الإسلامية. فإنني أود في هذه المناسبة، أن أشرح لإخواني في هذا البلد الشقيق، أننا، كإخوة، مفروض علينا أن نسعى إلى روح التفاهم، وإلى التعاون في سبيل الله، ثم في سبيل أوطاننا وأمتنا.

إخواني
         إننا، كمسلمين جميعاً، مفروض علينا الدعوة لله ولكتابه وللإسلام. وإننا، في الأيام الأخيرة، سمعنا ما يقال في بعض الأقطار الأجنبية، من تحريف وتزييف، لما نقوم به من دعوة للإسلام والمسلمين، للتفاهم والتعاون والتعارف فيما بينهم، فيما فيه صلاح دينهم ودنياهم. وإنني أريد، في هذه اللحظة، أن أؤكد أننا بعيدون كل البعد عن أي غرض أو مطلب. إننا لا نجهل، ولن نجهل القوى، التي تعارض ما نقوم به، اليوم؛ إذ هي قوى استعمارية، وقوى يهودية صهيونية، وقوى شيوعية. أما الاستعمارية، فهي تكافح الدعوة للإسلام؛ لأنها تعلم أن الإسلام دين الإخاء، دين السلام، دين المحبة، دين المساواة. وهي في مطامعها الاستعمارية، تريد أن تتغلب على الشعوب، وأن تحكمها بشتى الطرق.

        أمّا القوى الصهيونية، فهي تعلم أن تضامن المسلمين فيما بينهم، يحول بين الصهيونية العالمية ومطامعها الشريرة في بلاد الشام، بلاد العرب، بلاد الأنبياء، أول القبلتين.

أيها الإخوة
         إن خشية الصهيونية من التضامن الإسلامي، ليست غريبة علينا؛ فإنها تريد أن تكافح وتدافع، لتحقيق أطماعها وتوسعها فيما اغتصبته من بلاد إخوانكم وأمتكم. ولذلك، فلا غرو، أن تنهض لمكافحة هذه الدعوة الخيّرة الطيبة.

        أمّا القوى الشيوعية، فهي تناهض هذه الدعوة؛ لأن هذه الدعوة، تقوض أركان الإلحاد، وأركان ما بني عليه المذهب الشيوعي، من إنكار لله ـ سبحانه وتعالى ـ وتحطيم قيم البشر، كبشر، وإنسانية الإنسان، كإنسان. وكذلك فهي تخشى أن هذه الدعوة، تصل إلى مناطق، بسطت الشيوعية نفوذها عليها، وهي مناطق إسلامية صرفة، ولكن الشيوعية حجبت بين هذه المناطق وبين إخوانها في المعمورة. وتريد أن تكتم أنفاسهم، لئلا يصل إليهم صوت الحق. ولذلك، فنحن، حينما نقوم بدعوتنا، فإننا لا نتجاهل هذه القوى الجبارة. ولكننا ـ بحول الله وقوته ـ سائرون في طريقنا، معتمدين على الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم على أبناء الأمة الإسلامية، وفي مقدمتهم الأمة العربية، التي عليها تقع مسؤولية حمل هذه الرسالة، ونشرها في العالم.

        ومع هذا، فإننا لا ندعو إلى الاعتداء على أحد، وإننا لا ندعو إلى أن يقوم المسلمون ضد غيرهم من الأديان السماوية، المؤمنة بالله. ولكننا ندعو المسلمين إلى أن نتآخى، وأن نتحاب، وأن نتفاهم فيما بيننا، فيما فيه صلاح دينهم ودنياهم. أما ما نعرض له من دعوة إلى مؤتمر قمة، فأريد أن أشرح هذه النقطة بالذات. فإن هذه الدعوة، قد صدرت من أخ لنا، لا يتطرق إلى النفس شك في أنه مؤمن بالله، بعيد عن غايات الاستعمار ومطامعه، هو صاحب الفخامة، الأخ رئيس الجمهورية الصومالية. ولذلك، فنحن أيّدنا هذه الدعوة، وتبناها المؤتمر الإسلامي، في مكة المكرمة، في حج العام الماضي، ودعا إليها.

        وبهذه المناسبة، أريد أن أوضح، أن هذه لم تكن أول دعوة، وليست أول حركة إسلامية، فقد سبق من قبل عدة سنوات، أن اجتمع من رؤساء الدول الإسلامية، في مكة المكرمة، ثلاثة زعماء، واتفقوا فيما بينهم، على إيجاد مؤتمر إسلامي، يدعو إلى الله، ويدعو المسلمين إلى المحافظة على دينهم، والتعاون فيما يصلح دنياهم. وهذا المؤتمر، كان مشكلاً من صاحب الفخامة، الأخ الرئيس عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة، وصاحب الجلالة الملك سعود المعظم، ومن صاحب الفخامة، الرئيس الراحل غلام محمد، رئيس الجمهورية الباكستانية. وقد اتفقوا فيما بينهم على تشكيل هذا المؤتمر، واستمر المؤتمر لعدة سنوات، غير أن الباكستان، بعد وفاة المرحوم، تخلت عن مقعدها في هذا المؤتمر. فقد استمر التعاون بين الشقيقة مصر والمملكة العربية السعودية، في سبيل هذا المؤتمر، لعدة سنوات. فإذاً، أيها الإخوة، فإن هذه الدعوة، التي تفضل بتوجيهها أخونا، رئيس الجمهورية الصومالية، ليست الأولى من نوعها. وأنا، في هذه اللحظة، أردت أن أوضح لإخواني، في هذا البلد الشقيق، الذي تربط بيننا وبينه أواصر الدم والإخوة والدين واللغة، أن يكونوا على علم بما نسعى إليه، ونحن نسعى، فإنما نسعى للسلام والمحبة، ولا نسعى للشر، ولا للعدوان. وإنني، يا إخواني، أكرر شكري وامتناني، لما لقيته بين ربوعكم، من حفاوة وإكرام وشعور فياض، وأدعو الله ـ سبحانه وتعالى ـ‏ أن يديم علينا هذه النعمة. وإنني أؤكد أنني أوافق كل الموافقة، على ما تفضل به صاحب الفخامة، رئيس مجلس السيادة، من أنه يجب علينا أن نتعاون، وأن نتجاوب، وأن نضع بيننا تعاوناً، في المجالات الاقتصادية والثقافية، وفي كل مجال، فيه صالح للأمة وللشعب. وإنني، أرجو، مخلصاً، أن يوفقنا لما نصبو إليه، وأن يديم علينا نعمته؛ إنّه جواد كريم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2112، الصادر في ذي القعدة 1385هـ، الموافق 11 مارس 1966م، ص2.