إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



تابع الملحق الرقم (4)

ب. رسالة من الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود

إلى أهل المخلاف السليماني(*)

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى من يراه من أهل المخلاف السليماني، وفقنا الله وإياهم إلى سبيل الحق والهداية، وجنبنا وإياهم طريق الشرك والغواية، وأرشدنا وإياهم إلى اقتفاء آثار أهل العناية.

أما بعد، فالموجب لهذه الرسالة أن الشريف أحمد قدم علينا فرأى ما نحن عليه، وتحقق صحة ذلك لديه، فبعد ذلك التمس منا أن نكتب ما يزول به الاشتباه، لتعرفوا دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه.

فاعلموا، رحمكم الله تعالى، أن الله أرسل محمداً على فترة من الرسل، فهدى الله به إلى الدين الكامل، والشرع التام، وأعظم ذلك وأكبره وزبدته إخلاص العبادة لله لا شريك له، والنهي عن الشرك، وذلك هو الذي خلق الله الخلق لأجله، ودلَّ الكتاب على فضله، كما قال تعالى:سورة الذاريات، الآية: 56 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ، وقال تعالى:سورة التوبة، الآية: 31 وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ، وقال تعالى:سورة النحل، الآية: 36 وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ .

وإخلاص الدين هو صرف جميع أنواع العبادة لله تعالى وحده لا شريك له، وذلك بأن لا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا بالله، ولا يذبح إلا لله، ولا يخشى ولا يرجى سواه، ولا يرهب ولا يرغب إلا فيما لديه، ولا يتوكل في جميع الأمور إلا عليه، وأن كل ما هنالك لله تعالى، ولا يصلح منه شيء لملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهما. وهذا هو بعينه توحيد الألوهية الذي أسس الإسلام عليه، وانفرد به المسلم عن الكافر، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله.

فلما منَّ الله علينا بمعرفة ذلك وعرفنا أنه دين الرسل اتبعناه ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك على ما عليه غالب الناس من الشرك بالله، من عبادة أهل القبور، والاستغاثة بهم، والتقرب إلى الله بالذبح لهم، وطلب الحاجات منهم، مع ما ينضم إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات وارتكاب الأمور المحرمات وترك الصلوات وترك شعائر الإسلام حتى أظهر الله الحق بعد خفائه، وأحيا أثره بعد عفائه على يد شيخ الإسلام، فهدى الله تعالى به من شاء من الأنام، وهو الشيخ محمد بن عبدالوهاب أحسن الله له في آخرته المآب، فأبرز لنا ما هو الحق والصواب من كتاب الله المجيد، الذيسورة فصلت، الآية: 42 لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد فبين لنا أن الذي نحن عليه، وهو دين غالب الناس من الاعتقادات في الصالحين وغيرهم، ودعوتهم والتقرب بالذبح لهم، والنذر لهم، والاستغاثة بهم في الشدائد، وطلب الحاجات منهم، أنه الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه، وتهدد بالوعيد الشديد عليه، وأخبر في كتابه أنه لا يغفره إلا بالتوبة منه، قال تعالى:سورة النساء، الآية: 48 إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ، وقال تعالى:سورة المائدة، الآية: 72 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِن َّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ، وقال تعالى:سورة فاطر، الآية: 14 إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ، والآيات في أن دعوة غير الله تعالى الشرك الأكبر كثيرة واضحة شهيرة.

فحين كشف لنا الأمر وعرفنا ما نحن عليه من الشرك والكفر بالنصوص القاطعة والأدلة الساطعة من كتاب الله وسنة رسوله ، وكلام الأئمة الأعلام، الذين أجمعت الأمة على درايتهم، عرفنا أن ما نحن عليه، وما كنا ندين به أولاً، أنه الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه وحذر، وأن الله إنما أمرنا أن ندعوه وحده لا شريك له، وذلك كما قال تعالى:سورة الجن، الآية: 18 وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا  سورة الرعد، الآية: 14لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ  سورة الأحقاف، الآيتان: 5 ـ 6وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ .

إذا عرفتم هذا فاعلموا رحمكم الله تعالى أن الذي ندين الله به، هو إخلاص العبادة لله وحده، ونفي الشرك، وإقام الصلاة في الجماعة، وغير ذلك من أركان الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يخفى على ذوي البصائر والافهام المتدبرين من الأنام أن هذا هو الدين الذي جاءنا به الرسول ، قال جل جلاله:سورة آل عمران، الآية: 85 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، وقال تعالى:سورة المائدة، الآية: 3 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا . فمن قبل ولزم العمل به فهو حظه في الدنيا والآخرة ونعم الحظ دين الإسلام. ومن أبى واستكبر، فلم يقبل هدى الله لما تبين له نوره وسناه، نهيناه عن ذلك، وقاتلناه، قال تعالى:سورة الأنفال، الآية: 39 وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  وقصدنا بإرسال هذه النصيحة إليكم القيام بواجب الدعوة، قال تعالى: سورة يوسف، الآية: 108 قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وصلى الله على محمد.


(*) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ج1، ص 265-268.