إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الأمير سعود

في حفلة افتتاح دورة مجلس الشورى الجديدة
(أم القرى العدد 1439 في 3 ربيع الأول 1372 الموافق 21 نوفمبر 1952)

بسم الله الرحمن الرحيم
          
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإنه من دواعي سروري العظيم أن نفتتح هذه الدورة السنوية لاجتماع مجلسكم الموقر، مرحباً بحضراتكم أجمل الترحيب، وإذ نحمد الله، تعالى، على ما وفقنا إلى فضله هذا ، فإننا نتوجه بخالص قلوبنا إلى مؤسس دولتنا، وباني مجد أمتنا، جلالة مولانا الملك المعظم، حفظه الله وأبقاه، باثين لجلالته موفور شكرنا، وأطيب تحياتنا على تأسيسه هذا المجلس، تحقيقاً للحكم الشرعي القائل وأمرهم شورى بينهم.

إخواننا،
          أنكم تستقبلون اليوم العام الجديد من حياة هذا المجلس المحترم، تاركين وراءه السنة المنصرمة، وما قبلها من سنين حافلة بقرارات نافعة، ومشاريع أنظمة مفيدة، ما كان قد قام بها هذا المجلس إلا في سبيل تحقيق الرسالة التي أسس من أجلها، وهي خدمة هذه الأمة خدمة صادقة، اقتضتها حاجتها في نهوضها ورقيها.

          إننا لعلى يقين أن حضراتكم تستقبلون هذا العام الجديد، وأنتم على ما نعهده فيكم من غيرة على خير الشعب، وعزم أكيد على القيام بمهامكم الجسام، الملقاة على عاتقكم. وبما لا ريب فيه أنكم واصلون إلى هذا الهدف الأسمى؛ لما لكم من سداد في الرأي، وكفاءة على وزن الأمور بميزانها، وهو ميزان العز للوطن، والصالح للأمة.

إخواننا،
          إنها لفرصة سعيدة هذه التي تجمعنا بكم، هنا، إذ أتاحت لنا أن نفصح فيها عما قمنا به؛ وما وطدنا العزم على القيام به، مدة وجودنا بين ظهرانيكم، من إصلاحات عامة، ومشاريع إنشائية، تتناول جميع مرافق البلاد الحيوية من ثقافية، واقتصادية، وصحية، وزراعية، واجتماعية، وأخلاقية. وقد ثبتناها في مناهج لمدد معينة، حسب إمكان إنجازها، مقدمين الأهم على المهم، كما اطلعتم عليها، متوخين في ذلك النهوض بالبلاد، والسير بها في مضمار الرقي، والمجد، وتوفير وسائل العيش الهنيء لأفراد الشعب، وانتشالهم من ذلة الفقر، وظلمة الجهل، وبؤس المرض.

إخواننا،

          إنكم تشاطروننا الرأي في أن الإصلاح عمل شاق، وطريقه وعر المسالك، يتطلب جهوداً متواصلة، وعيوناً ساهرة، وتضافراً صادقاً من مختلف طبقات الشعب؛ حتى يؤتي ثمره؛ فيعم خيره.

          غير أننا جادون في تحقيقه، متوكلين على الله، مستمدين الإرشاد من جلالة مولانا الملك المعظم حرسه الله، واثقين من إخلاصكم، ومؤازرتكم، وسنذلل، بإذن الله تعالى، ما نلاقيه في طريقنا من صعاب بقوة وعزم. فركب الإصلاح ماض في طريقه، وعجلة الإنشاء تحطم، بعون الله، كل العقبات؛ ونحن واثقون، إن شاء الله، من بلوغ المرام، ما دام رائدنا النية الحسنة، والإخلاص في خدمة الوطن؛ لرفعة شأنه، وإيصال أمتنا إلى المكان الجدير بماضيها، وأمجادها، والخليق بمنزلتها الرفيعة بين الأمم.

          ومما يوحي إلى نفسنا الاطمئنان، أننا قد استطعنا، بمشيئة الله، أن نحقق للبلاد، خلال الأشهر الثلاثة التي أقمناها عندكم، كثيراً من تلك المشاريع الإصلاحية كما تعملون.

          ولم نهمل، بين تلك الإصلاحات، العناية بإصلاح القضاء الشرعي؛ إذ وضعنا نظاماً يكفل الإسراع في حسم الدعاوى في المحاكم الشرعية، وإصلاح الأخلاق العامة.

          إذ إن ذلك من أهم الأسس التي يبنى عليها صلاح الأمة، حيث لا استقرار لبناء ما لم يقم على أساس مكين.

          هذا وقد تمت الإجراءات اللازمة لتخفيض الرسوم الجمركية من الحاجيات الضرورية لأفراد الشعب؛ ليتمكن كل منهم من الحصول على كفاية من العيش، والكساء؛ إذ إنه مهما كان للقيم المعنوية أثر بارز في تشييد صرح المجتمع؛ فإن للعوامل المادية المتصلة بمعيشة الأفراد مفعولاً بيننا في تقويم هذا الصرح. وهناك مشاريع اقتصادية وزراعية عزمنا على القيام بها؛ لتحقيق ذلك أيضاً.

          وفي نفس الوقت نحب أن يطمئن الجميع إلى أننا قد اتخذنا التدابير لمنع وقوع أي ظلم على برئ؛ ولعدم معاقبة أي فرد بدون ذنب يقترفه.

          وليعلم الجميع أيضاً إن باب الحكومة لمفتوح على الدوام لكل شكوى أو مظلمة.

          وإن جلالة مولانا الملك المعظم، رعاه الله، ونحن على استعداد في كل وقت لقبول أي مشتك، وسماع شكواه. ونريد أن يشعر كل مواطن بحفظ حقوقه، ولا نريد أن يمس بكرامته. فلا سبيل لأحد على الآخر إلا في حدود الشرع، لا فرق أمامه بين الكبير والصغير، والغني والفقير. ولا يفوتنا أن نؤكد للجميع أن على كل موظف أن ينجز قضية المواطنين، وكافة ذوي الحقوق بأسرع ما يمكن، ضمن أحكام الشرع والنظام. وليس له أن يماطلهم، أو أن يهينهم.

          بقيت لنا كلمة نود أن نقولها وهي: إن النجاح في العمل الإنشائي والإصلاحي لا يكلل بالنتيجة المرضية، إلا أن يساهم كل منكم، وبالأحرى كل من هو مكلف بواجب رسمي أو وطني، في القيام بالعمل المترتب في ذمته، وإن يتمسك في أداء واجبه بأهداب الفضيلة، والتعصب للحق والعدل، وأن يضع نصب عينيه ما ترضى عنه الشريعة الإسلامية، لا ما ترضى عنه أهواء الناس وأغراضهم.

          فالفضيلة والحق والعدل، وبعبارة أعم، الشريعة المحمدية، هي السلاح الماضي الذي يطهر القلوب من الضغائن؛ فيوحدها، ويبعد النفوس من المظالم؛ فيزكيها. وهي القوة العتيدة التي تعلي شأن الوطن؛ وتمكننا من أن تكون دولتنا عظيمة، وأمتنا عزيزة، منيعة الجانب، موفورة الكرامة. وإننا لنهيب بكم أن تكونوا، كما كنتم، قدوة حسنة لمواطنيكم في العمل الصالح، والخدمة الصادقة لخير الوطن، وإسعاد الشعب.

          وقبل إنهاء كلمتي الأخيرة من خطابي هذا، أرغب أن أبين لكم، وقلبي يملؤه شعور الأسف لفراقكم، وفراق أفراد الشعب الكريم، حيث قررت مغادرة هذه البلاد المقدسة بعد أيام قليلة إن شاء الله.

          وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأعبر لكم، ولأفراد الشعب العزيز، عن شكري وامتناني العظيمين على ما أظهرتموه، وأظهروه، من شعور الإخلاص الحي، والود الصادق.

          وسأبقى ذاكراً لكم ولهم ذلك على الدوام، بكل تقدير واغتباط، وستبقى عيوني ساهرة تراعي إنفاذ المشاريع التي تعود لهذا الشعب المجيد بالنفع والخير. استودعكم الله، والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.