إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الأمير سعود
في المأدبة الكبرى بالقصر الملكي، تكريماً لوفود بيت الله الحرام
(أم القرى العدد 1182 في 16 ذي الحجة 1366 الموافق 31 أكتوبر 1947)

          يجدر بنا أن نزين صدر صحيفتنا هذه، بنشر خطاب سمو ولي العهد المعظم، الذي ألقاه بأمر سموه، نيابة عنه، صاحب المعالي وزير الدولة، ونائب وزير الخارجية، الشيخ يوسف ياسين، في المأدبة الكبرى، التي أقامها سموه في القصر الملكي العامر، ليلة الخميس الماضي؛ تكريماً لوفود بيت الله الحرام. وها هو نصه:

"أيها الإخوان المسلمون
          أحييكم، بالنيابة عن جلالة والدي الملك، وبالأصالة عن نفسي، أحييكم تحية الإسلام، وأحيي، في أشخاصكم الكريمة، المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأحمد الله، الذي وفقنا وإياكم، لأداء مناسك الحج، تلبية لأمر الله، واستجابة لدعوة سيدنا إبراهيم الخليل، عليه السلام، واتباعاً لسنة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم. لقد فرض الله علينا حج بيته؛ رحمة منه وفضلاً؛ ليجمع كلمتنا على عبادته، وليؤاخي بيننا في طاعته، ويؤلف بين قلوبنا في محبته لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ (الحج: 28). وأي منفعة أجل وأعظم، من أن تهوي أفئدة المسلمين، إلى هذا البيت العتيق؛ ليتعارفوا في الله، ويتعاهدوا على العمل بكتاب الله.

          ففي مثل هذا المجتمع العظيم، كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يدعو الناس لتوحيد ربهم، ومعرفته، وفي مثله ألقى رسول الله خطبته، في حجة الوداع، فكانت هدى للمهتدين، وكذلك كان يفعل خلفاؤه الراشدون المهديون، من بعده، وكذلك درجنا في الاتباع، فكان جلالة والدي، حفظه الله، كما هو دأبنا، داعية إلى الله، في مثل هذه المواقف العظيمة، وفيها نتناصح والمسلمين، على العمل بكتاب الله واتباع هدي رسول الله، وأول ما ندعو إليه، هو ما دعا إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من إخلاص العبادة لله وحده، فلا نعبد إلا الله، ولا ندعو إلا الله، ولا نشرك معه في عبادته غيره قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام: 162، 163). أدعو المسلمين، في هذا الموقف العظيم، لنبذ كل ما يخالف أمر الله وأن يتواصوا بينهم بالصبر والتقوى، نستعين العون من الله؛ لينصرنا، ويؤيدنا، ويأخذ بأيدينا، لما يرضيه، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، بما سهلت لنا للقيام بطاعتك في بيتك الحرام، ونحمده على ما منحنا من القوة والعزيمة، حتى تأمنت السبل في هذا الوادي المبارك، ونسأله أن يهبنا القوة والتوفيق لعمل كل ما يسهل أمر الحج لحجاج بيته، كما نسأله أن يوفقنا لخدمة أهل هذه البلاد، الذين هم من قلوبنا، وقلوبنا منهم، نعيش معهم، ويعيشون معنا، كما يعيش الولد مع أبيه، والأب مع أبنائه.

أيها الإخوان
          إن السرور ليملأ قلبي، حينما أشاهد جموع المسلمين، وإقبالهم على طاعة الله، واجتهادهم في جمع كلمتهم، لما يرضي الله. ووالله إذا سرنا على منهج الإيمان والصدق، واتفقت كلمتنا على ذلك، لن نغلب، بعون الله، وسنصل إلى كل ما نصبو إليه. المسلمون إخواننا أينما حلوا ونزلوا، والعرب أهلونا أنى ارتحلوا، وحيث كانوا، نسعى لخيرهم جميعهم، وفي سائر الميادين. وقد علم القاصي والداني هذا الشعور المشترك بيننا، وهذه العزيمة التي صممنا على السير فيها، ومن أجل ذلك نرجو، من الله، أن يعين الجميع؛ ليرجع للمسلمين عزهم وسؤددهم، وللعرب أوطانهم وبلادهم، لتكون لهم لا لغيرهم، فيتمتع أهل كل بلد بنعمة بلادهم.

          لقد أراد الله أن تجتمع كلمة العرب، على تأسيس جامعة لهم، فكانت مشيئة الله في اجتماع تلك الجامعة، وكلنا نرمقها بقلوبنا، ونذود عنها وعن مبادئها، بكل ما نملك من قوة. وكلكم يعلم أعمالها ومساعيها، ونحن وسائر الدول العربية، نعمل جاهدين وراءها؛ للوصول إلى ما ينبغي ونريد.

          لا أريد أن أخص، في هذا الموقف، قضية فلسطين بالذكر وحدها، فكل قضية للمسلمين قضية لنا وكل قضية للعرب قضية لنا، نعمل دائبين للوصول لأهدافنا.

          وفي الختام، أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يردكم إلى دياركم سالمين، وأن يوفقنا الله للقائكم في هذه البلاد، مرات عديدة، وأن يرفع الله الكرب، الذي حل بشقيقتنا مصر، وأن يجمعنا في هذا البلد الأمين محفوفين برضاه، ثم بحضور جلالة الوالد الملك، وأن يعز المسلمين والعرب، وينصرهم على أعدائهم والسلام".