إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



كتاب الملك سعود إلى جميع المسلمين في منى
(أم القرى العدد 1576 في 16 ذو الحجة 1374 الموافق 5 أغسطس 1955)

من سعود بين عبدالعزيز إلى جميع إخوانه المسلمين المجتمعين في منى لأداء النسك،
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فاللهم أجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، ثم إنني أحمد إليكم الله، الذي أتم علينا نعمه العظمى بالتوفيق إلى أداء هذه الفريضة العظيمة، في هذه البلاد المقدسة، في يوم الجمعة الفضيل فقد أخرج رزين عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: أفضل الأيام يوم عرفة، وإذا وافق يوم جمعة فهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة. فالحمد لله حمداً كثيراً على أن وفقني وإياكم إلى شهود هذا اليوم المعظم، الذي وافق يوم الجمعة الفضيل، فكان في هذا من النعمة علينا، والتوفيق لنا، ما لا يسعنا وإياكم الله إلاَّ أن نشكره سبحانه وتعالى، ونحمده، ونثني عليه بما هو أهله. فاللهم تقبل منا ومنكم صلاتنا ودعاءنا وحجنا، وأجعل أقوالنا وأفعالنا كلها خالصة لوجهك الكريم.

          هذا وعما قريب سنتم المناسك، وسنقضي مراسيم الحج الشرعية، وبهذا تنتهي مهمتنا العظمى، ويتم واجبنا الأكبر، الذي دعانا الله إلى أدائه، ووفقنا إليه.

          وسيتأهب كل واحد منكم للعودة إلى أهله ووطنه، الذي آمل من صميم قلبي أن يصل إليه في خير وصحة وعافية، ولهذا فإني أرى، ونحن مجتمعون في هذه الأيام، أيام التشريق، أن أذكركم بما يجب على كل واحد منا، أن يخلص لله العبادة، وأن يبادر فور عودته إلى بلاده بالتحلي بالأخلاق الإسلامية التي تليق بمن أدى هذه الفريضة المباركة؛ فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويعين على مكارم الأخلاق، ويدعو إلى الله على هدى وبصيرة، وأن يبذل في سبيل ذلك ما استطاع من فعل وقول.

          ثم ليعلم إخواني المسلمون بأن من أوجب الواجبات على كل فرد منا أن يعمل لوحدة الأمة الإسلامية، وجمع شملها، والتناصح فيما بينها، والتوادد بين بأفرادها، وليبدأ كل واحد منا بنفسه فيقومها على الحق والطهر ومكارم الأخلاق، ثم ليبدأ بعد ذلك بمن يعول؛ فيعمل على إنشاء الأسر الإسلامية المتخلقة بأخلاق الإسلام؛ ليتكون من هذه الأسر الإسلامية المجتمع الإسلامي العظيم الذي نسعى جميعاً إليه، وندعو من أجله، فلن تقوم للعالم الإسلامي قائمة ما لم يصلح المسلمون من أنفسهم ما فسد، ويقوموا منها ما أعوج، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا عزة في الأمم المتفرقة الجاهلة الفاسدة.

          وإن من أوجب واجباتكم اليوم أن يتعرف كل مسلم منكم على عدد من إخوانه المسلمين من مختلف الديار وشتى الأمصار؛ ليحقق بهذا التعارف الأخوي إحدى حكم الحج الإلهية العظيمة في أن يتعارف المسلمون بعضهم على بعض، فإن المعرفة من أقوى وسائل التعاضد والتعاون في هذه الحياة، ثم ليعاهد الله كلٌّ منا، قبل أن نتفرق من هذه المشاعر المقدسة، على أن يعمل لفكرة الإسلام، ويسعى لخدمتها، والدعاية إليها، والذب عنها، وأن يكون كل مسلم منا أينما وجد وحيثما أقام، جندياً مخلصاً للذب عن هذه الدعوة، والكفاح عن هذه العقيدة، وأن يجعل من نفسه المسلم الانساني الفاضل، الذي يعمل لتكون كلمة الله هي العليا، وليكون المسلمون أمة واحدة قوية، عالمة ناهضة قائدة مرشدة، تؤدي رسالتها المقدسة لرفع مستوى الإنسانية، وتهذيبها، وإرشادها إلى الحق والعدالة والسلام.

          على هذه المبادئ يجب أن نتفرق من هذه الديار المقدسة، وعلى هذه المثل يجب أن نتعاون كلنا كل واحد منا في بلاده، فإننا إن فعلنا ذلك  عادت للإسلام في العالم صولته، وعزت كلمته، وارتفعت رايته، وأسدينا بذلك إلى البشرية كلها خيراً كبيراً، ومعروفاً عظيماً. فليبلغ الحاضر منكم الغائب، وليبدأ كل واحد منا بنفسه قبل سواه.

          والله وحده القادر على أن يحقق لنا ولكم ما نأمله ونصبو إليه، وإنني إذ أستودعكم الله، وأنتم في طريقكم إلى دياركم وأهليكم، أعود فأساله تعالى أن يتقبل مني ومنكم هذه الفريضة التي وفقنا لأدائها، وأن يجعلها خالصة مخلصة لوجهه الكريم، إنه أهل التقوى وأهل المغفرة.

          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

          منى في 10 ذي الحجة 1374.