إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



نصيحة الملك سعود
إلى جميع المسلمين بمناسبة إقبال شهر رمضان المبارك
(أم القرى العدد 1611 في 24 شعبان 1375 الموافق 6 أبريل 1956)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
          
وبعد: فبمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك بما أنعم الله علينا من نعمة الإسلام، وتحكيم الشريعة المحمدية، وشرف التمسك بها، مضافاً إلى ذلك ما أسداه الله علينا من النعم الغزيرة من الأمن، والطمأنينة، ورغد العيش، وعافية الأبدان، كل هذه يا إخواني نعم عظيمة، ومنن من الله جسيمة، نتلفت إلى من حولنا، ونرى كل ما ذكرناه معدوماً، وذلك من عدم مبالاتهم بالتمسك بكتاب الله، وسنة نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، مع أنهم أقوى منكم عدة، وأكثر عدداً، ولكن أنتم أقوى منهم ليس بجهودكم، ولا بعددكم، إنما ذلك بتمسككم بدين الإسلام، والعمل بشرائعه، والمحافظة على شعائره.

          فإن استقمتم على هذا، وعلم الله من نيتكم المحافظة على دين الإسلام، والعقيدة السلفية، والتمسك بآداب القرآن والسنة، وتحليل ما حللاه؛ وتحريم ما حرماه، وصرفتم جهودكم في هذا، وفيما يصلح الله به أحوالكم في هذه الحياة مما أحله من الحلال، وصرفتم أنظاركم عن كل أمر يغضب الله عليكم، ويضيع مبدأكم الديني والخلقي، فماذا تريدون يا إخواني غير ما أنتم فيه من العز والكرامة والاستقلال التام؛ دستوركم فيه القرآن. هذا والله هو الشرف، هو العصمة لمن أراد العصمة. أما ما يضيع الدين، ولا ينطبق مع المبادئ الإسلامية، والمثل العليا للأخلاق العربية؛ فإن ذلك هلاك وذل في الدنيا والآخرة، وذهاب الأمم؛ لأن الأمة أخلاق، إذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وتعرفون أنه ما حل بغيركم ما حل بهم إلاَّ بسبب انتهاكهم حرمات الله، وإضاعتهم لدينهم وأخلاقهم. فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية، والاعتراف بالنعم الجليلة، وما أسداه على هذه البلاد من النعم الكثيرة، فلا تكونوا سبباً لإزالة هذه النعم، وغضب الله، وجلب النقم. فأنا، بحول الله وقوته، سأمضي قدماً إلى ما فيه عز هذا الدين الحنيف، وتقويم شعائر الإسلام، والضرب على يد كل من تزين له نفسه شيئاً من الإخلال بهذا الدين، أو مقدسات المسلمين، فأرجو من عموم شعبي على اختلاف طبقاتهم أن يعينني على التمسك بهذه المبادئ الشريفة، وأن يكون عضداً لي على توطيد هذه الدعائم الفاضلة، وأن يحقق آمال العرب والمسلمين، ويبرهن لهم أنه الشعب الحي الذي لم تغيره أساليب المدنية الزائفة الخليعة، التي لم تأت على البلاد إلاَّ بالدمار والخلاعة، وارتكاب كل عمل يغضب الله، فإن الله سبحانه وتعالى حلل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث؛ وكل أمر فيه قوة، أو اقتصاد، أو صناعة، أو مشاريع عمرانية، أو قوة في الجيش، أو قوة في العلم، هذا كله تحبذه الشريعة المحمدية، ونحن، ولله الحمد سائرون فيه، وجادون ومجتهدون بما فيه سعادة هذا الشعب وراحته، ورفع مستوى معنوياته، ومستوى معيشته، وأعاهد الله أنني لا أدخر أي جهد فيه خير وصلاح وقوة لأمتي إلاَّ أعمل عليه جاداً ليلاً ونهاراً، كما أنني أعاهد الله أن أكون خادماً لهذه الشريعة، حامياً لها بلساني وسناني، قائماً بواجبي، حامياً لوطني، أحلل ما حلت الشريعة، وأحرم ما حرمت، وهذا لا شَك أنه ثقيل على نفوس أهل الشر والنفاق، وغذاء لأهل الخير والصلاح؛ وفي الآية الشريفة مثل أعلى وهي قوله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ. وفي الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى. وعن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: "لما فتحت قبرص فرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض؛ فرأيت أبا الدرداء، رضي الله عنه، جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى".

          أرجو من الله جلت قدرته أن يريني فيكم ما يسرني بصلاح دينكم ودنياكم، وأن تكونوا المثل الأعلى للأمم بما عرف عنكم من تمسككم بدينكم وأخلاقكم، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويذل أعداءه، إنه على كل شيء قدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.