إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود إلى الحجاج يوم الوقفة بعرفات
(أم القرى العدد 1625 في 19 ذو الحجة 1375 الموافق 27 يوليه 1956)

بسم الله الرحمن الرحيم
من سعود بن عبدالعزيز إلى جميع إخوانه المسلمين الواقفين في هذه المشاعر الحرام هذا اليوم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد.
فلبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك.

          ثم إنني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاَّ هو، الذي وفقني وإياكم إلى أن يجتمع بعضنا ببعض من مشارق الأرض ومغاربها في هذا اليوم العظيم. وعلى هذا الصعيد الطيب، من هذه الأرض المقدسة، إخوانا متحابين، متناصحين، مسلمين، قانتين، خاشعين، نرجو رحمته، ونخشى عذابه، ونصلي ونسلم على سيد هذه الأمة، وباعث مجدها، وجامع كلمتها، وموحد صفوفها، محمد العربي العظيم الذي أرسله الله هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة هذه الأمة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

          ثم إنني أتجه الآن من موقفي هذا إلى كل مسلم يشهد معنا أداء هذا الركن من أركان الإسلام بالتحية الإسلامية الأخوية، وبالتهنئة القلبية الصادقة على ما أنعم الله به علي وعليكم، من الاجتماع في هذا الموسم متجهين إليه تعالى بقلوبنا، وأسماعنا، وأبصارنا، وخوالج أفئدتنا، نسير في أداء هذه الفريضة على ما جاء به رسول الله من عند الله، لا تزيد عليه شيئاً، ولا ننقص منه شيئاً وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل على رسوله الكريم في حجة الوداع، وهو واقف هذا الموقف الذي نقفه اليوم جميعاً، آخر آيات الوحي والتنزيل، وهي قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فالحمد الله على ما أنعم به علينا من هذا الدين السمح الكامل، الذي يدعونا إلى العزة والمجد، والقوة والاتحاد.

          ثم إنني أشعر بأن من الواجب علي وعلى كل فرد من جموعكم الزاخرة، التي يغص بها في هذا اليوم السهل والجبل، أن يخلص العبادة لله وحده، لا يشرك به شيئاً، ولا يدعو معه أحداً، ولا يتخذ له نداً، ولا يتوجه بطاعته وعبادته لسواه، فإذا عرف كل منا أن هذا الجوهر هو روح الإسلام، وأساس الدعوة المحمدية، التي شرف الله بها الأمة العربية لحملها، ولنشرها في مشارق الأرض ومغاربها، عرف حينئذ معنى التوحيد، وأساسه ومبناه، وهو في هذه الصورة الرائعة الإسلام الذي دعا إليه النبيون الأولون، آمنا به، ودعونا إليه، وكافحنا في سبيله.

          إخواني المسلمين ـ بعد بضعة أيام سينفض اجتماعنا هذا، وسيعود كل منا إلى بلاده وأهله، وهو موفور الصحة والعافية إن شاء الله، بعد أن حقق أمنيته العظيمة بهذا الحج المقبول إن شاء الله. لهذا فإنني أتوجه اليوم إلى كل واحد منكم بهذا الخطاب الأخوي المخلص: إن من أقوال سلفنا الصالح (لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها) وإنكم لتعلمون جميعاً أن أول المسلمين كانوا على هذه العقيدة، وعلى هذا المبدأ، زخرت به قلوبهم، ومن ثم حملوا هذه الدعوة المحمدية إلى زوايا الأرض، مبشرين ومنذرين، فتعلمت منهم الشعوب معاني الإنسانية، والخير، والهداية، والحق.

          واليوم وقد من الله على أكثر الشعوب الإسلامية بالحرية والاستقلال، وبدأت تباشير تحرير الأجزاء الأخرى من وطننا الإسلامي المشترك في الشرق والغرب بهذا الكفاح المشرف؛ فإنني أدعو المسلمين كافة في هذا الموسم الذي نحتفل به، ونجتمع فيه، أدعوهم جميعاً إلى أن يتعاونوا، ويتكاتفوا، ويتعاضدوا، وأن يتعارفوا. أدعوهم إلى أن يجتمع بعضهم ببعض؛ ليتعرف المسلم على أخيه المسلم، حتى إذا ما تم لهم ذلك درسوا مشاكلهم، وبحثوا حاضرهم، ورسموا الخطة لمستقبلهم، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر.

          إننا نحن المسلمين لا نهدف بالدعوة إلى وحدتنا، وجمع كلمتنا، وتوحيد صفوفنا شراً ولا عدواناً بأحد؛ لأن الشر والعدوان ليسا من الإسلام في شيء، وإنما نهدف ونقصد بذلك أن يكون العالم الإسلامي في وضع قوي محترم مشرف؛ ليساهم في رفع المستوى الروحي والثقافي بين الأمم، وفق الرسالة الإنسانية التقليدية، التي عرف بها الإسلام، وقام على أساسها، وعلى مبادئها.

          نريد للمسلمين العزة في بلادهم، والمجد في أهدافهم، والسمو فيما يصبون إليه، وأن يكونوا كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً في المساهمة في نشر الحضارة والمعرفة بين البشر.

          هذا ما أدعو إليه جميع إخواني المسلمين من هذه المشاعر الحرام، وأرجو أن نتعاون جميعاً على الدعوة إليه، والعمل من أجله. ومن أجل هذه الرسالة الإنسانية السامية دعونا إلى المؤتمر الإسلامي العام جميع قادة المسلمين وزعمائهم، حتى إذا ما اجتمعنا قريباً إن شاء الله في هذه الديار تداولنا فيما بيننا الرأي في جميع الوسائل العملية والفعالة؛ لتحقيق هذه الأماني والآمال الغالية على الجميع. وإنني لأرجو الله مخلصاً أن يتمخض ذلك الاجتماع التاريخي العظيم عن اتحاد وجهات نظر الشعوب الإسلامية في الطريقة التي يجب أن يسلكها المسلمون لمعالجة قضاياهم، ودفع العدوان عن أوطانهم وأن تكون كلمتهم وموقفهم موحداً أمام كل مشكلة عالمية، تمس مقدرات شعوبهم، وحقوقهم المشروعة، خصوصاً في هذه الحقبة التي اشتد فيها الصراع العالمي على أمور حيوية هامة هي من اختصاص وحقوق وشؤون المسلمين أنفسهم، والتي تقرر مصير ومصالح هذا الجزء الحيوي من الأرض، الذي هو وطننا ومجالنا الروحي والمادي، والذي يجب أن تكون للمسلمين في كل ما يتعلق بشؤونه شخصيتهم المستقلة، وكلمتهم الفاصلة، وحقوقهم المعترف بها.

          على هذه المبادئ نصادق من يرغب في مصادقتنا، ونخاصم من يحاول انتقاصها بكل ما أوتينا من حول وطول وقوة، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ فليبلغ الحاضر منا الغائب، وليكن كل منا داعياً ومبشراً بهذه المثل العليا بين الناس.

          وإنني لأتمنى للجميع حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وعودة حميدة إلى أهله ووطنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.