إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



كلمة الملك سعود إلى أهالي مكة المكرمة
(أم القرى العدد 1753 في 13 رجب 1378 الموافق 23 يناير 1959)

          أصحاب السعادة الضيوف المكرمين: إني أحمد الله العلي القدير إليكم، وأوصيكم وإياي بتقوى الله، وبالعمل لما يحبه ويرضاه وبعد ـ فإني أرغب في مستهل حديثي إلى شعبي، بمناسبة هذه الرحلة التفقدية التي أشرفت الآن على نهايتها لهذا الجزء من المملكة، أن أبادلكم شعور المحبة والإخلاص والولاء الذي لاقيته منكم في كل نادي، وفي كل بلدة، وفي كل صقع؛ ذلك لأني لا أعرف لكم في جناني وقرارة نفسي إلاَّ المحبة والإخلاص والوفاء وقد قيل: (من القلب إلى القلب دليل) إلاَّ أن مظاهر هذا الشعور الخير من شعبي الكريم في هذه الرحلة قد فاق حدود الوصف، كما تعدى المقدرة على إسداء المستحق من الشكر، فجزاكم الله عنا أحسن الجزاء.

          لقد خالطت في هذه الرحلة جميع طبقات الشعب، وحادثت أفرادهم، ولمست جميع حالاتهم، وكان بعضهم لا يدري من أنا، ولا يعرف من أين حضرت، وقد جرت الدعوة الصالحة لمليكهم في كل فم، والمحبة الأكيدة من كل قلب، وقد بلغت تلك الدعوات الصالحات صميم فؤادي، وتأثرت بها في أعماق نفسي؛ إذ تدفقت ضافية خالصة من قلوب الذين لم يعرفوني، تجلت لي في هذه المشاعر الفياضة للبدو والحضر من الرجال والنساء والعلماء والأطفال، وهل يحس نية الإخلاص إلاَّ ما كان أنفع منه، وهل يليق بهذا الشعور إلاَّ ما كان أبلغ منه، ولقد أبى أهل بيت الله الحرام، المقتبسون من أنواره، المتحلون ببركات جواره إلاَّ أن يبلغوا هذه المشاعر إلى قمتها، ويظهروا هذا الولاء في ذروته، وفي أبرز معانيه، معبرين عما تجيش به صدور شعبي الكريم، وعما تكنه نفوسهم، وما يحقق سعادتهم.

شعبي العزيز
          
لقد انسلخت السنة الخامسة منذ توليتي عليكم قبل بضعة أشهر، وقد قمت فيها بمساعدة حكومتي بأعمال راقت لكم، وحسنت في أعينكم. أما أنا فلا أرى فيها إلاَّ بداية صالحة، وأساساً لبناء شامخ، وفترة انتقال من حال إلى حال أفضل، تضمن للضعيف حقه من العون، وللقوي حقه من الصون، وينعم الجميع باستقرار كامل، ورفاهية وسعادة شاملة. تزيل مخاوف الرعية على اختلاف طبقاتها من الكوارث الجامحة، والنوازل الفادحة، بعون الله وتوفيقه.

          ليس إلاَّ بهذا يهدأ بالي، وتتحقق آمالي، وتكمل سعادتي لشعبي، فألاقي ربي بقلب سليم، ونفس راضية مرضية، ولا أرى أني قائم بهذا إلاَّ بتمسكي بكتاب الله وسنة رسوله، ولذلك شاد عليها بالنواجذ مدافع عنها بالجنان والسنان؛ لأني لا أرى لكم خيراً إلاَّ بهما، ولا أجد في نفسي انتفاعاً لصلاحكم إلاَّ بالتمسك بهما.

          بهذا ملأ أجدادنا الدنيا بعزهم ومدنيتهم وعلومهم، وبهذا أرجو أن ننهض متساندين لإعادة عزنا، واستعادة مكانتنا بين الأمم؛ لذلك فعلينا أن ننهض بجميع امكانياتنا الاقتصادية إلى مستوى يليق بنا بين الأمم، وخاصة في المضمار الصناعي والزراعي اللذين يضمنان لبلادنا أكثر حاجاتها في مصانعها أو مزارعها، ويسيران بنا قدماً نحو الاكتفاء الذاتي، واللذين يحفظان أموالنا، في بلادنا وسوف نساعد ونؤازر جميع المشاريع الصناعية والزراعية، مادياً ومعنوياً بجمع إمكانياتنا، وأملي في شعبي كبير جداً أن يتجه نحو هذين المرفقين الهامين؛ اللذين هما عنوان الحضارة والرقي. أما سياستنا الخارجية العالمية فهي بسيطة صريحة.

          لقد كففنا من الناس يدنا ولساننا، فلا نعادي إلا من اعتدى علينا، ولا نطمع من أحد إلاَّ بالسلم والمسالمة لخير البشر في مشارق الأرض ومغاربها، وموقفنا في المنازعات الدولية موقف حياد صحيح، نرى الحق والإنصاف فنتبعه أيا كان طالبه، ونشاهد العدوان والتجاوز على الحقوق والحريات الإنسانية، فنخذله ونقاومه أياً كان مبعثه.

          هذه سياستنا الدولية التي أوصلنا بها البلاد إلى ساحل السلامة، وفي كل ذلك فنحن محافظون على عهودنا، محترمون بتعهداتنا، موفون بعقودنا، نخلص لمن صادقنا، ونحترم من كف عنا.

          ثم إن لنا أخوة ربط الدين الحنيف بيننا وبينهم برباط الأخوة الإسلامية، وضعنا معهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

          فلهؤلاء الأعزاء في جميع أقطارهم علينا حق التعاطف والتودد الأخوي، ولهم علينا أيضاً حق العون في النوائب والملمات ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

          فالمسلمون كالجسم الواحد إذا تألم منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.

          كذلك لنا أخوة في الدم والعرق جعلنا قضاياهم الوطنية قضايا لنا، نعمل لها كما يعملون، ونذب عنها كما يذبون في نطاق الإمكان والطاقة، ولم نشعر بالاستقرار والطمأنينة والأمان في بلادنا إلاَّ بعد أن يتحرر كل جزء من وطننا العربي الكبير، وإلا بعد أن يرد الحق المغصوب فيه والمسلوب منه إلى أصحابه كاملاً غير منقوص.

          هذه هي خطتنا السياسية العامة نرجو الله أن يوفقنا إلى السير عليها ويقينا شر العثرات فيها بفضله وكرمه إنه سميع مجيب.