إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



بيان الملك سعود إلى الصحافة العالمية
(أم القرى العدد 1931 في 10 ربيع الأول 1382 الموافق 10 أغسطس 1962)

          افتتح الملك سعود المؤتمر بكلمة ترحيبية ضافية، رحب فيها بمراسلي الصحف العربية والأجنبية ثم ألقى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود رئيس الديوان الملكي البيان الصحفي الذي أفضى به حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، الموجه إلى الصحافة العربية والإسلامية والأجنبية وفيما يلي نص البيان الصحفي الملكي الكريم.

          إن الغرض الأول من عقد هذا الاجتماع مع حضراتكم كممثلين للصحافة العالمية هو أن نتذاكر معكم، ونطلعكم على موقفنا من القضايا العربية، وما وصلت إليه البلاد من تقدم ونهضة شاملة في مختلف الميادين الثقافية والعمرانية والصحية، وذلك رغم قصر المدة التي مكنتنا فيها مواردنا وإمكانياتنا المالية من الالتفات إلى هذه الشؤون، والبدء في هذه النهضة الشاملة. فالعالم كله يعلم أن هذه الجزيرة كانت قاحلة، ليس فيها أنهار وأشجار، وكنا نعيش فيها عيشة الكفاف، نحرس الأمن، ونرعى الاستقرار، ونقوم على خدمة بيت الله، ونسهر على راحة حجاجه، ونحافظ على أرواحهم التي كانت مهددة فيما سبق. الأمر الذي جعل الأمن في بلادنا مضرب المثل في العالم كله، رغم ترامي أطراف الجزيرة، واتساع رقعتها، وانعدام طرق المواصلات فيها.

          هكذا كنا نعيش في جزيرتنا هذه حتى من الله علينا بثروة البترول؛ التي بدأت تتدفق قبيل الحرب العالمية الثانية، ولكنها ما لبثت أن توقفت عن التدفق أثناء الحرب، ثم عادت إلى التدفق بعد انتهائها بشكل ملموس.

          وفي هذا الوقت، أي حوالي عام 1946م، أصبحت إمكانياتنا الملية تسمح لنا بالبدء في نهضتنا في مختلف الشؤون، وعندما وجدنا أن التعليم من ألزم الضروريات لهذه النهضة؛ لإيماننا الوثيق بأن العلم هو أساس الرقي والتقدم، وكان التعليم بالمعنى المعروف يكاد يكون معدوماً، فقررنا أن نضع اللبنة الأولى في تعليم النشء، وتثقيف الأمة، فبدأنا بإنشاء المدارس بمختلف مراحلها الأولية والابتدائية والمتوسطة والثانوية والصناعية، وأدركنا أن هذا الإنشاء يجب أن يكون عاماً يشمل مختلف أنحاء البلاد، مهما ترامت أطرافها، بحيث ينعم بنعمة العلم أبناء القرى والوديان؛ كما ينعم بها أبناء المدن، وهكذا خطونا خطوة واسعة في إنشاء المدارس، حتى عمت جميع أنحاء المملكة، وكل الطلاب يتلقون العلم، وتصرف لهم الكتب بالمجان في مختلف مراحل الدراسة، كما أنشأنا معاهد المعلمين، وخصصنا لطلابها رواتب شهرية، تشجيعاً ومساعدة لهم، كما قمنا بإنشاء الجامعة على الأسس العلمية والمنهجية، استقدمنا لها الأساتذة المختصين للتدريس فيها، وقد بدأت الجامعة تؤتي ثمارها، وتخرج طلابها، كما عملنا على ابتعاث المئات من الطلاب إلى مختلف الجامعات العلمية، وقد أكمل الكثير منهم دراسته، وهم يشاركون الآن في خدمة بلادهم في مختلف الميادين. ويكفي لتقدير ما توصلنا إليه في حقل التعليم من تقدم كبير الرجوع إلى الإحصاءات الرسمية، وكذلك قمنا بإنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي تضم الآن عدداً كبيراً من أيناء الامة الإسلامية من مختلف أنحاء العالم، وسيكون متخرجوها رسل ثقافة، ودعاه إرشاد، يحملون مشاعل النور والعرفان.

          ونحن، مع اعتزازنا بما وصلنا إليه من تقدم كبير في هذا المضمار، نشعر بأننا لا زلنا في أول الطريق، وأن الواجب يحتم علينا أن نسير إلى النهاية التي نتطلع إليها.

          أما الإعمار فقد حظي بكبير عنايتنا؛ فقد تلفتنا حولنا عندما وجدنا الإمكانيات، فلم نجد متراً واحداً من الأرض معبداً يربط البلاد بعضها ببعض، وكذلك المستشفيات وتزويدها بالمعدات، ووجدنا أن الحرمين الشر يفين في حاجة إلى عناية تكفل راحة الحجاج، وزوار مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخذنا على عاتقنا القيام بهذا الأمر، وقررنا توسعة الحرمين الشريفين.

          وقد تمت الأعمال في حرم المدينة المنورة منذ مدة، وشهد حجاج المسلمين بأن هذا العمل مفخرة من مفاخر الأعمال والبناء، أما عمارة المسجد الحرام فإنها قائمة على قدم وساق، وقد انتهى القسم الأكبر منها، ونأمل أن يتم الباقي في أقرب فرصة ممكنة. ولقد أبدى المسلمون إعجابهم بروعة الأجزاء التي تمت من هذا المشروع، ونحن إنما نعمل هذا بدافع من الشعور بالواجب علينا نحو حجاج المسلمين.

          كما وضعنا نصب أعيننا القيام بتعبيد الطرق المؤدية لمشاعر الحج والزيارة؛ فتم تعبيد الطرق بين مكة وجدة، وبين مكة وعرفات، وكلها طرق مزدوجة ضماناً لسلامة الحجاج وراحتهم، كما تم تعبيد الطريق بين جدة والمدينة؛ بحيث أصبحت قوافل الحجاج تقطع هذا الطريق باطمئنان، بعد أن كانت  تقاسي أنواع الصعوبات قبل إتمامه.

          ولقد قمنا كذلك بإنشاء مدينة للحجاج القادمين بطريق البحر، مزودة بأحدث التجهيزات الصحية، فبعد أن كان الحجاج ينزلون من البواخر، وينتظرون دورهم في الترحيل إلى مكة على أرصفة الشوارع، وتحت وهج الشمس، أصبحوا يجدون مدينتهم المعدة لاستقبالهم بأحسن المعدات، وكذلك أقمنا مدينة لحجاج الطائرات تستوعب جميع الحجاج الذين يضطرون لانتظار سياراتهم المعدة لنقلهم إلى مكة، أو انتظار طائراتهم عند العودة. هذه الأعمال كلها ليست خافية على أحد، وإخواننا الحجاج يلمسونها كل عام.

          أما مشروعات الطرق وربط أنحاء المملكة بعضها ببعض رغم تباعدها، فإننا قطعنا شوطاً كبيراً فيها بحيث تم ربط منطقة الدمام والأحساء بالرياض بخط معبد أحدث تعبيد؛ هذا بجانب خط السكة الحديدية المبني على أحدث طراز فني، كما أن العمل قائم في تعبيد الطريق الذي يربط مدينة الرياض بمكة، ولم يبق على إتمامه إلاَّ مسافة (400) كيلومتر، وبنهاية تعبيد هذا الطريق يكون قد تم ربط سواحل الخليج العربي بسواحل البحر الأحمر بخط معبد يبلغ طوله 1700 كيلومتر، كما أن العمل قائم في تعبيد الطريق الذي يربط المدينة المنورة بتبوك في أقصى شمال المملكة، ويبلغ طول هذا الطريق  حوالي 800 كيلو متر، ولم يبقى على إتمامه إلاَّ مسافة 200 كيلومتر، وسيسلك هذا الطريق الحجاج القادمون من البلاد الإسلامية الواقعة شمال المملكة. هذا الذي تقدم ليس إحصاء، ولكنه مثال ملموس على ما نقوم به في مجال الإعمار رغم قصر المدة.

          أما مشاريع الإسكان، فقد كانت هدفاً من أهداف نهضتنا الشاملة، وقد خطونا في هذا المجال خطوة موفقة، تتمثل في بناء المساكن للموظفين، وتمليكها لهم بأقساط شهرية مخفضة.

          ومن المشاكل التي نحاول التغلب عليها مشكلة توفير المياه، وقد توفقنا إلى إتمام مشروع مياه الشرب لمدينة جدة، الأمر الذي قلب حياتها رأساً على عقب، فبعد أن كانت مدينة صغيرة، تعتمد في حياتها على تصفية مياه البحر، أصبحت الآن مدينة كبرى، تضم نصف مليون من السكان، ينعمون بالرفاه والهناء.

          وكذلك تم توفير المياه لمدينة الرياض، وتغلبنا على عقبة الجفاف التي كانت تهدد هذه المدينة، أما المياه المستخدمة للزراعة، فإننا قررنا استقدام الفنيين لاستكشاف المياه الجوفية في مختلف المناطق الزراعية، تمهيداً لإكمال الدراسات والشروع لاستخراج المياه الكامنة في جوف الأرض؛ ليجد المزارعون كفايتهم من الماء.

          أما الصناعة فإنها وإن كانت ناشئة في بلادنا إلاَّ اننا نعمل على تشجيعها والنهوض بها، ومثال ذلك انتعاش صناعة الأسمنت، فبعد أن كنا نستورد هذه المادة من الخارج سنصبح قريباً من المصدرين لها، وإننا لا نألو جهداً في تشجيع الصناعات الخفيفة التي تحتاجها البلاد، حتى تصل بلادنا إلى ما نرجوه لها من تقدم وازدهار، وليس أدل على ذلك من إعفاء الآلات والمواد المستخدمة في الصناعات من الرسوم الجمركية.

          وكان من الطبيعي أن نعير الناحية الصحية اهتمامنا الكبير، فمنذ عشرين سنة لم يكن في المملكة مستشفى واحداً بالمعنى الصحيح، فكرسنا الجهود لبناء المستشفيات، وتزويدها بالمعدات الصحية الحديثة، واستخدام الأطباء فيها من مختلف بلدان العالم، كما أرسلنا البعوث إلى معاهد الطب في البلدان العربية الشقيقة، والبلدان الأجنبية، فعاد الكثير من أبناء البلاد وهم يحملون المؤهلات العملية، التي تؤهلهم لخدمة بلادهم في هذا الميدان، فانتشرت المستشفيات في أنحاء المملكة على أحدث ما تكون عليه المستشفيات في البلدان الراقية. وقد راعينا الظروف الاجتماعية التي تسود البلاد، فعملنا على تكوين الوحدات الصحية المتنقلة لعلاج أبناء البادية.

          وتمشياً مع ما أمر الله به من رعاية اليتيم، وكفالة العاجز والمسكين، يقوم مجلس وزرائنا الآن بدراسة مشروع نظام الضمان الاجتماعي، الذي سيكفل الرعاية الاجتماعية للمحتاجين لها من أبناء الشعب.

          هذا ما يختص بأمور البلاد الداخلية، أما سياستنا الخارجية، فإن أهم ما نوجه إليه اهتمامنا هو علاقاتنا بأشقائنا العرب، ونحن دائماً نقولها صريحة؛ لأننا أحرص ما نكون على وحدة الصف وجمع الكلمة لأننا ندرك مسؤولياتنا التي تحتمها قضايانا المشتركة، ونحن نؤمن بأنه لا يمكن أن نواجه مشاكلنا متفرقين يهاجم بعضنا بعضاً؛ ولهذا فإننا عندما نستعرض ما وصلنا إليه من فرقة وتشتيت نخجل من نظرة التاريخ لنا، ذلك التاريخ الذي تعود أن يسطر أمجاد العرب ومفاخرهم، وإذا به الآن لا يجد إلاَّ ذكريات ذلك الماضي المجيد.

          إننا طالما مددنا أيدينا لإخواننا، وطالما وقفنا بجانبهم، بحكم واجبنا الذي تحتمه علينا عروبتنا، بحكم إدراكنا بأن جمع الكلمة هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة مشاكلنا مواجهة سليمة، لا يضعفها التفكك والتناحر.

          لقد بذلنا صادق الجهد في معالجة قضية الجزائر، فإن شعورنا بروابط الأخوة جعلنا أول من تبنى هذه القضية أمام الأمم المتحدة؛ حيث قررنا في أواخر شهر يونيه عام 1954 إثارة هذه القضية أمام المنظمة العالمية، علما منا بأن إثارتها على هذا السبيل سيوقظ ضمير العالم فتكسب القضية تأييد الرأي العام العالمي، فما إن عملنا ، على تنفيذ قرارنا هذا وتقدمنا بهذه القضية العربية المقدسة، أمام هيئة الأمم المتحدة حتى أصبحت محط أنظار العالم واهتمامه، فكانت هذه الخطي نقطة انطلاق تضافرت على أثرها الجهود العربية مجتمعة.

          وبفضل صدق الجهاد الذي استبسل فيه إخوانا المجاهدون في الجزائر، وتحت ضغط الرأي العام العالمي الذي أدرك عدالة القضية، وخضعت فرنسا ـ آخر الأمر ـ لمبدأ المفاوضات مع زعماء الجزائر، وتم عقد اتفاقية إيفيان التي اعترفت فيها فرنسا بحق الشعب العربي في الجزائر في الحرية والاستقلال.

          هذه أمثلة عاجلة، تبين لكم مواقفنا العربية بوضوح، وتدلل على أننا مستعدون دائماً وأبداً لمساندة القضايا العربية وتأييدها، والتضحية في سبيلها بكل ما نملك، لأنها قضايانا. وليس هذا منة منا ولا فضل، بل لأنه واجب مقدس تمليه علينا عروبتنا.

          نحن نؤمن بأن الخلافات بين الدول العربية، مهما اتسع نطاقها، فإن أهدافها المشتركة يجب أن تكون حفزاً لها على تناسي هذه الخلافات، ومواجهة مشاكلها بصف واحد لا ثغرة فيه لعدو.

          إننا ناسف أشد الأسف، عندما نرى إسرائيل تحاول أن تدخل ميداننا في أفريقيا التي يشاركنا الكثير من أبنائها في الدين الإسلامي. إننا نطمع أن نكون سداً منيعاً في وجه إسرائيل في هذا الميدان.

          ولسنا بحاجة لأن ننبه إلى خطورة هذا الاقتحام، وما يجره على العرب والمسلمين من خذلان وهزيمة، إننا نرجو أن يتنبه إخواننا إلى هذا الخطر، ويعدوا له عدته.

          أما قضية فلسطين فإنها هدفنا الأول، غير إنه مما يندى له جبين العروبة حياء وخجلاً هو وجود قوات الطوارئ، التي تحمي إسرائيل حتى من غزوات التسلل التي كان يقوم بها إخواننا الفلسطينيون.

          إننا لا نستطيع أن نفهم الدعاية التي تقول إن عبدالناصر يشارك إخوانه العرب في القضاء على إسرائيل، بينما هو نفسه يضع العراقيل في وجه العرب ممثلة في قوات الطوارئ الدولية. لقد أمنت إسرائيل حتى من تسلل الفلسطينيين الذين كانوا يتسللون ويخربون ويعرقلون أعمال إسرائيل، لقد أعطى عبدالناصر الفرصة كاملة لإسرائيل، عندما استجاب لرغبتها وحماها بجيش الاحتلال الدولي فوق أرض العروبة. وعندما أحكم العرب الحصار الاقتصادي على إسرائيل وكادت أن تختنق، فتح الرئيس المصري خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، ومن هذا الخليج العربي غزت إسرائيل اسواق أفريقية وآسيا، وجنت ثمار هذا الغزو على شكل تجارة واسعة المدى مع أفريقيا وآسيا، تمهيداً لتوسعة نفوذها في هذه البلاد. فكيف يعلل الرئيس المصري هذا العمل؟ وكيف يجمع بين عمله هذا وبين قرارات الحصار الاقتصادي التي أقرتها جامعة الدول العربية؟

          وسلاح الحصار الذي فتحه الرئيس المصري يعتبر في نظر العالم العربي أقوى سلاح. إن هدفنا الأول هو قضية فلسطين وهنا يجب أن نقف لنؤكد أن قضية فلسطين لن تجمد كما أراد لها الرئيس المصري بالاتفاق مع أصدقاء إسرائيل. إننا لن تخلى عن قضيتنا الفلسطينية هذه مهما حاول الرئيس المصري تنفيذ مخطط أصدقاء إسرائيل لتجميدها، إن إخواننا الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم في غفلة من يقظة الضمير، يجب أن يعودوا إلى بلادهم في القريب العاجل.

          إن ما يتقضاه الرئيس المصري باسم القروض ما هو في الحقيقة إلاَّ ثمن تجميد قضية فلسطين، التي ستبقى دائماً هدفنا الأول إلى يوم خلاصها من الغاصب والمحتل إن الأموال الطائلة التي يتقاضاها الرئيس المصري ما هي إلاَّ عرض زائل، فالتاريخ ينظر بعين الحقيقة والواقع، ولن يرحم المقصرين في حق أمتهم وبلادهم.

          فعندما اطمأنت إسرائيل إلى وجود الحماية من قوات الطوارئ، قررت تنفيذ مشروع تحويل مجرى نهر الأردن ذلك النهر العربي الذي يجب أن تكون مياهه لأبنائه ولكن إسرائيل وقد اطمأنت إلى أنه لن ينالها ولا حتى المتسللون من الفلسطينيين؛ لأن جيش الرئيس المصري المحمي بقوات الطوارئ قد حماها، وعندما اطمأنت قررت الشروع في تحويل مجرى نهر الأردن؛ لتزيد من البقعة الصالحة لتوطين الأفاقين من مختلف أنحاء العالم.

          إن من صميم أهداف الرئيس المصري أن يخلق جواً عربياً مليئاً بالتفرقة والاختلافات، والدليل على ذلك أن شعباً عربياً واحداً لم ينج من تهجماته، ومؤامراته ولقد علم الجميع أمس نبأ المؤامرة الدنيئة الجديدة التي دبرها الرئيس المصري؛ لمحاولة اغتيال جلالة أخينا الملك حسين، أثناء زيارته لجلالة أخينا ملك المغرب الشقيق، إن هذه المؤامرة المكتشفة أمس ما هي إلاَّ حلقة جديدة في سلسلة مؤامرات عبدالناصر. وتصوروا نتائج هذه المؤامرة بين العرب، وتشتيت شملهم، وتفريق صفوفهم، وإشاعة الكراهية والبغضاء بينهم لو قدر الله ونجحت. لمصلحة من هذه المؤامرات والدسائس والشتائم؟ ـ إنها لمصلحة إسرائيل.

          لقد أدرك الذين يملون تعليماتهم على الرئيس المصري أن وحدة العرب كافية لهدم إسرائيل، فأملوا عليه تعاليم التفكك والتناحر؛ حتى يبقى العرب في شغل شاغل عن أنفسهم ويهملوا  قضية فلسطين.

          إننا كنا نظن صدق الرئيس وإخلاصه أول ما طلع علينا، ولكن سرعان ما كشف العرب أنه عميل خطير يسير بموجب مخطط يهودي جبار، فلهذا فقد وجب علينا أن ننبه الأمة العربية إلى هذا الخطر.

          انظروا كيف شتت الرئيس المصري شمل الامة العربية؛ لقد اختارت سورية الشقيقة حريتها وكرامتها، بعد أن عانت من ويلات دكتاتوريته وحكمه البوليسي للشعب السوري، وتنبهت إلى ما يراد بها من عبودية.

          إن سورية ذلك البلد الحبيب الذي عرف بعروبته وإيمانه بالقومية العربية اعتقد في عام 1958م أن الرئيس المصري مخلص صادق فيما يتظاهر به فسارعت إلى مد يدها بدون قيد ولا شرط، ولكن سرعان ما تبينت حقيقة الموقف الرهيب، فثارت لكرامتها وحريتها وطردت العملاء، وكلنا يعرف أن الرئيس المصري اعترف بكيان سورية حيث أصبحت عضواً في هيئة الأمم المتحدة، وفي الجامعة العربية.

          ولكن الرئيس المصري الذي استسلم للوثبة السورية حاول أن يجد لمؤامراته ميداناً عربياً آخر، ولما لم يجد عاد مرة أخرى للتشبث بسورية الحرة، ويعلن على رءوس الأشهاد أنها إقليمه الشمالي. كيف يجرؤ على محاولة فرض سيطرته على بلد عربي مستقل؟ لماذا لا يحاول أن يسيطر على إسرائيل ويشارك إخوانه العرب في الحملة ضدها؟

          إن المناورات المكشوفة التي يذيعها راديو إسرائيل حملة على عبدالناصر، ما هي إلاَّ حملة مصطنعة مكشوفة؛ لتغطية ذلك التواطؤ المكشوف، ما بال الرئيس المصري يثير هذه الزوبعة بمحاولة الاعتداء على سورية، وهي دولة عربية مستقلة أراد أهلها أن يضعوا أيديهم في أيدي إخوانهم العرب، ويسيروا في الخط العربي المألوف؟؟ لماذا لا يترك سورية وشأنها؟! إنه يعلم بأنه لن ينال من سورية أي شيء، ولكنها التعليمات التي توحي إليه بأن يوجد جواً عربياً مشحوناً بالتناحر؛ حتى تستقر إسرائيل في غمرة هذا التناحر، وعليكم أنتم يا رجال الصحافة، ويا رسل الرأي العام، أن تنبهوا الرأي العام إلى هذه المكيدة المدبرة مشاركة بين الاستعمار والصهيونية.

          هذا هو الرئيس المصري الذي أعلن على رؤوس الأشهاد أنه يحترم إرادة الشعب السوري، يعود مرة أخرى يهدد ويتوعد بأنه سيغزو سورية، ويرسل المتسللين والمتفجرات إلى سورية، وهو يعلم ومن ورائه أصحاب التعليمات أن الشعب السوري النبيل لن يرهب تهديداته، ولكن الرئيس يريد خلق جو من التوتر العربي؛ لتتمكن إسرائيل من النمو والازدهار وليقبض الثمن قروضاً تنقذ اقتصاده المنهار. لكن العرب تنبهوا إلى هذا، وأصبحوا يمقتون ويحتقرون هذه الأساليب.

          ألا فليعلم الرئيس المصري أن العالم أجمع قد عرف عنا المسارعة إلى نصرة إخواننا الشعوب العربية، كلما استحكمت أزمة، أو هدد خطر. فموقفنا من مصر الشقيقة عندما تعرضت للعدوان الغادر موقف معروف، وموقفنا من أشقائنا في الكويت عندما تأزمت الأمور موقف معروف، إن نجدة إخواننا العرب عندما يتعرضون للخطر إنما هي من شيمنا العربية التي تحتم أن يقف العربي بجانب أخيه العربي فعلاً لا قولاً فقط ولا شك إنه قد أصبح معروفاً عندما يتعرض له أشقاؤنا أبناء الشعب السوري النبيل من تهديد ووعيد، فلن يسعنا إزاء هذا، وتمشياً مع مبدئنا الذي عرفنا به من نجدة إخواننا العرب، إلاَّ أن نقولها صريحة بأننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي اعتداء يقع على الشقيقة سورية من أي جهة كانت، وإنما نساعدها ونؤيدها، ونضع كل إمكانياتنا تحت تصرف الشعب السوري الشقيق، عندما يتعرض لأية محاولة عدوانية.

          إن من المؤسف أن تصبح القضايا العربية تهريجاً ودجلاً، يحاول شخص متهور طائش، فرضته ظروف غامضة على الجو العربي، أن يتصرف فيها كما يشاء، الأمر الذي يحتم على العرب أن يتخذوا موقفاً موحداً هدفه حفظ كيان الأمة العربية الحفظ الصحيح، وذلك لا يكون إلاَّ بتكاتف العرب، ووقوفهم صفاً واحداً أمام مواجهة الأحداث والأخطار، سواء الخطر الصهيوني، أو خطر حماة الصهيونية، وهذا يقتضي التفاهم بين العرب، وحل مشاكلهم بالحسنى، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل بلد عربي، وتقرير سياسة عامة موحدة تسير عليها الدول العربية، متعاونة في سبيل نيل حقوقها ومصالحها واستقرارها.

          أما ما يقاسيه العرب من المهاترات والقذف في الدين والأحساب والأنساب، فنحن على يقين من أن هذه الأساليب المنحطة تهدف إلى زيادة التفرقة، وتهيئة الجو للعدو المتربص بنا، ولهذا فإننا لن ننزل إلى هذا المستوى، بل نترفع عنه، ونتركه للذين اختاروه لأنفسهم؛ لأن ديننا وتقاليدنا العربية تأمرنا بالترفع عن مستوى التفاهة والانحطاط. وإننا نسأل الله العلي القدير أن يجمع كلمة العرب والمسلمين، وأن يوفقهم إلى ما فيه خير دينهم وأمتهم وبلادهم والسلام عليكم.