إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الكلمة التي ارتجلها خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز،
عقب أداء أعضاء مجلس الشورى القسم،
في 15 رجب 1414، الموافق 28 ديسمبر 1993(*)

بسم الله الرحمن الرحيم

          "والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

          أيها الأخوة.. إن هذا اليوم هو من أطيب الأيام، التي سوف أسجلها في قرارة نفسي، وسوف يسجلها لكم الوطن.

          والحمد والشكر لله، والثناء عليه أن وطنكم، عندما أراد أن يصل إلى ما يريده كل مواطن في هذه البلاد، من تنظيمات تتمشى مع العقيدة الإسلامية نصاً وروحاً، وجد في أبنائنا، والحمد لله، من الكفاءات والمقدرة والسداد في جميع الأمور كلها، إن كانت من الناحية السياسية، أو من الناحية الدينية، وهي أهم  شيء، أو من ناحية العلم بما تطور العالم إليه، وما وصل إليه من المخترعات الجديدة، سواء كانت تتعلق بالنواحي الاقتصادية، أو تتعلق بتطوير البلدان، في جميع المجالات. فوجد، والحمد والشكر له، أن الأعداد التي أمامي، هي جزء من أعداد كبيرة من إخوانكم في المملكة العربية السعودية، في جميع المناطق كلها.

          فعندما قيل، أو حُدد العدد المقرر، أن يكون لمجلس الشورى، فيه من سأل في إحدى الجلسات، أو في الاجتماعات، مع المواطنين، يسألني أنا أنه كيف اخترت هذا العدد من المواطنين؟ فقلت لماذا لم تسألني كيف احترت من اختار؟ نحن ـ والحمد لله ـ أغنياء بالله، ثم بإخوانكم في كل مناطق المملكة العربية السعودية، فلسنا في حاجة لاختيار أو تفضيل واحد على الآخر، طبقات متساوية، إذا كانت من النواحي الدينية، الحمد لله هناك طبقات لها قيمتها، ولها وزنها، ومعرفتها بحقائق عقيدتها، مع العلم بأنه ليس فيكم أحد لم يدرس الدراسات المتكاملة، فيما يتعلق بالعقيدة الإسلامية. وهذا هو الفخر الوحيد، الذي تفتخر به هذه البلاد.

          أما من تشعب الأمور، التي يحتاجها الوطن، فوجد طاقات على أرقى المستويات، سواء كان من يعملون في الدولة في الجامعات، أو في المرافق العامة الأخرى، أو من المواطنين، الذين قاموا بأعمال جليلة لتطوير وطنهم.

          إذاً الطاقات البشرية موجودة، وهذه من نعم الله، التي لا تعد ولا تحصى. نعم، أقول موجودة، وهذا هو الواقع والحقيقة. كلنا نعلم قبل ثلاثين سنة، إذا رجعنا للوراء ثلاثين سنة، ما هي الطاقات الموجودة عندنا؟ نعم فيه طاقات من الناحية ـ الحمد لله ـ الدينية، طاقات متكاملة، لكن إذا أردنا أن نكتفي بطبقات من المواطنين، حتى تؤدي وتقوم بأعمال أخرى، إن كان سياسية أو صناعية أو زراعية أو تكنولوجية أو ما يشابه ذلك، ونعلم كلنا في نطاق واحد، أن ابتداءنا في تطوير المملكة العربية السعودية، انطلق عندما تقرر أن تكون هناك وزارة معارف، من ضمن الوزارات، التي شكلت في عهد الملك سعود، رحمة الله عليه.

          فالانطلاقة التي انطلقها الوطن من الناحية التعليمية، أنا أعتبرها قياساً للأمم فيما يتعلق بما نراه الآن. أعود مرة ثانية وأقول في الإطار الحكومي، أو في الإطار الخاص، للمواطنين في أعمالهم. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا أن الطاقات السعودية عندها الاستعداد المتكامل، وتتقبل تماماً ما هو مفيد من الناحية الدينية. وأنا لا أقول هذا مبالغة، ولا مديحاً لكم، ولا شيء لا أقل ولا أكثر، ولكن شهد بهذه الأمور رجالات العالم.

          وعندما شُكل مجلس منكم، والحمد لله، والمجالس الأخرى، التي في الإمارات، وصلنا برقيات وتهنئات من كثير من زعماء العالم، سواء كانوا من العرب أو من غير العرب، كل منهم يقول إن الاختيار الذي اختير من الطبقات لمجلس الشورى، اختير طبقات يمكن تؤدي العمل الجليل لوطنكم. أنا أعرف ذلك وحكومتكم تعرف ذلك، والمواطنون يعرفون ذلك، مع بعضنا البعض. لكن كون هذه الأشياء تأتي من خارج وطننا، لتهنئة المملكة العربية السعودية بالطاقات البشرية، التي هي الآن سوف تؤدي إن شاء الله، ما أوكل إليها من أعمال مع مجلس الوزراء.

          أعتقد أن التنظيم، الذي وجد له ميزات كبيرة، وهي أساسية في وضع المملكة العربية السعودية، مثل ما نعلم وتعلمون أنتم، والبعيد والقريب يعلم أن هذه البلد هي بلد تتمسك بالعقيدة الإسلامية، نصاً وروحاً، ولا تقبل أي أمر لا يتمشى مع العقيدة الإسلامية.

          إذا كان من الناحية التنظيمية، فالعقيدة الإسلامية من أفضل الأنظمة، التي وجدت في العالم قاطبة، لا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحية الاجتماعية، ولا من الناحية العلمية، ولا من الناحية التي سوف يجدها الإنسان في حياته، ما دام أنه يستطيع أن يعمل. وسوف يجدها إذا واجه رب العزة والجلال. إذاً عقيدتنا الإسلامية غنية بجميع الأمور كلها، من أولها إلى آخرها. تبتدئ بالكبير، وتنتهي بالصغير. لم يفرط القرآن في شيء، رب العزة والجلال أبان ما أبانه في كتابه العزيز، وأوضحه رسوله النبي الكريم، وخلفاؤه الراشدون وأئمة المسلمين.

          إذاً نحن نمشي على هدى، ونمشي على أفضل الطرق وأحسنها، لا يعنينا، بأي حال من الأحوال، من يعترض أو يقول لماذا لا تكون انتخابات.. الانتخابات بطبيعة الحال موجودة في العالم، ولا أحد يعترض عليها، ولا لنا دخل فيها. لكن نحن نمشي في الطريق، الذي أبانه كتاب الله العزيز ورسوله، وخلفاؤه الراشدون.

          إذاً نحن لا نمشي غلط، ولا في طريق غلط، بل نتبع الذي أمرنا أن نتبعه. فمن أعظم الأيام وأفضلها، مثل هذا اليوم، الذي أرى أكثر الأبناء والإخوان، منهم من عرفته من قديم الزمان، ومنهم من عرفته من عمله المفيد والبناء، والحمد لله أنه عندما أرادت الدولة أن تُهيئ نفسها في مجالس، لتستفيد البلاد ويسود التنظيم، أسستها على أساس قواعد ثابتة، وهي القواعد الإسلامية والحمد لله. إذاً لا يعنينا أحد، نحن لا نعترض على أحد، ولا نتدخل في شؤون أحد، ولكن في نفس الوقت لا نسمح لأحد أن يتدخل في شؤون المملكة العربية السعودية. نحن بلد سوف نتمسك، إن شاء الله، بكتاب الله وسنة رسوله، لا نَحيد عنها بأي حال من الأحوال، مع العلم بأن الأخطاء توجد، وأن الخطأ إن كان من المجموعة، أو من أي فرد، لا أنا ولا انتم ولا أحد يستطيع أن يقول أو يدعي أنه معصوم عن الخطأ، لم يُعصم عن الخطأ، إلاّ رسول الله اللهم صل عليه وسلم.

          ولكنني مسرور في نفس الوقت، أنه عندما أريد جمع عدد من المواطنين في مجلسكم الموقر، مجلس الشورى، لم تكن المادة أو الطاقات البشرية قليلة، بل كانت متوفرة، والحمد لله، وفي جميع المجالات. وهذا التنظيم فيما سبق موجود، ولكن قد يجوز كان وجوده لم يعط المطلوب منه، وقيل الكثير عنه وتحدثنا عنه، إنما لظروف معينة قد يجوز أخرت هذا الأمر، إلى أن انتهى فيما انتهى إليه، مثل ما تعلمون.

          فنشكر رب العزة والجلال على ما أنعم به علينا، من استقرار في هذه البلد. ونحن لسنا في حاجة لأحد، إلاّ أن نهتم اهتماماً متكاملاً في كيف تكون معاملتنا مع ربنا، عز وجل، المعاملة التي لا يعلمها أحد، إلاّ الإنسان نفسه، أو في بيته، أو في مسكنه.

فمن المؤكد، إن شاء الله بحول الله وقوته، أن هذا المجلس الموقر سوف يعطي نتائج من نتائجه المطلوبة، لرفع مستوى الوطن إلى أرقى المستويات. وسوف يكون محل الثقة، ومحل الاحترام والتقدير.

          وأرجو من الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ويجعلنا هداة مهتدين، ويجعلنا عند حسن ظن مواطنينا فينا، نبتدي من أخيكم الذي يتكلم الآن، وإلى إخوانكم الآخرين، وإلى أعضاء مجلس الوزراء، واليكم انتم، نحن في إطار واحد، والهدف واحد، والمبدأ واحد، وأهم من هذه المبادئ هو التمسك بالكتاب والسنة.

          نعم هناك أغلاط، وهناك أخطاء، ولولا الأخطاء ما أُبين في كتاب الله كيف نعالج هذه الأخطاء، لأن البشر بشر، وتُرك الإنسان أن يتصرف هو وأين يضع نفسه.. يضع نفسه في المكان، الذي يكون أقرب لرقي الأخلاق، وأقرب للمستويات العالية جداً، مع العلم أنه ما فرط في الكتاب في شيء، ولا اعتقد أن فيه أي تنظيم اشتمل على جميع ما يريده الإنسان، إذا كان يريد الخير إلاّ وجد في الكتاب والسنة.

          أرجو من الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ويجعلنا هداة مهتدين متماسكين، وما أنا إلاّ جزء منكم لا أقل ولا أكثر.. أرجو أن يستمر عملكم فيما أوكل إليكم، وسوف تجدون جميع المساندة مني أنا شخصياً، ومن أعضاء مجلس الوزراء، كلنا في إطار واحد، والهدف واحد، وأرجو أن الله ينصر دينه ويعلي كلمته، ويكفينا شر مَنْ فيه شر، وأن يحفظ هذه البلاد آمنة مستقرة، عادلة منصفة.

واختتم كلمتي هذه بأن أقول، لوجه الله، أنه أنا الآن أما رجال من الوطن، على أرقى المستويات في جميع المجالات كلها، وهذا من حسن الحظ. وإلى اللقاء إن شاء الله مرة أخرى في اجتماعات خيرة، وشكراً لكم".

------------------------


(*) سجل أعمال مجلس الشورى، وإنجازاته خلال دورته الأولى، إدارة الإعلام والعلاقات العامة بمجلس الشورى، الرياض، 1993، ص11 ـ 14.