إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

       



(تابع) كلمة الملك حسين إلى الشعب الأردني على اثر العدوان الإسرائيلي
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 344 - 345"

والمساندة، وأقول لهم بملء كياني ووجداني إن هذا هو جيشكم الذي سيكون طليعة الفداء، وكنت أحضهم صباح مساء على التضامن والتعاضد من جهة وعلى الحشد المنسق والتخطيط السليم من جهة أخرى، لنستطيع أن نخوضها إذا فرضت علينا حينما تريدها نحن لا حين يريدها العدو، إلى آخر الشوط. وكانت فرحتي الأولى في لقاءات القمة فحنوت عليها بقلبي وعقلي ووجداني لاعتقادي بأنها بارقة الأمل الوحيد. ولم يكد الصف يأتلف حتى عدت العوادي فمزقته شر ممزق وعادت المسيرة دأبها الأول تخاذلا وتخلفا وهروبا ولم يكن لي في ذلك كله دور ظاهر أو خفي، إلا دور الحريص على كرامة قومه المخلص لقوات أمته.

         وتلبد الجو في المنطقة بالغيوم بسبب النوايا العدوانية التي أسفر عنها العدو جهاراً بما يقطع كل شك في أنه إنما يضمر المزيد من التوسع والتمدد والمزيد من التحدي و العدوان، بنا وبأشقائنا، فوجدت أن أفضل ما نقوم به في تلك الظروف هو التضامن والتنسيق بين الأخوة العرب قبل فوات الأوان، ولاحظت المبارقة من جديد قبل أيام، كما علمتم، وتلاقينا على وحدة الهدف والغاية مع اخوة لنا صادقين مخلصين ومضيت أحلم أحلامي السعيدة وأمني النفس أمانيها الكبار. وأملى علي الواجب أن أدفع بكافة قواتنا التي أعددتها لهذا اليوم السنين الطوال وكلي ثقة وإيمان بأن الوقت قد حان للثأر وغسل العار. ووجدت تلك الزهرات اليانعة الفتية القوية مناها فيما أردته وأرادته أمتها لها واندفعت بشوق المؤمن بربه وبأمته وبقضيته إلى المعركة التي طالما عشنا لها ومن أجلها، فكان ما كان مما ذكرته والأسى يمزق أحشائي والحزن يملأ قلبي حسرات حين فقدت فيمن فقدت أجزاء من نفسي أغلى والله علي من نفسي.

         أيها الأخوة،

         إنني من أسرة أراد الله لها أن تشقى في سبيل أمتها ودينها، وأن تقدم القرابين تلو القرابين في سبيل رفعة العرب وعزة الإسلام، وقد علمنا الله، الصبر على بلائه والثقة في قضائه مع إيمان لا يعرف اليأس والقنوط.

         وإذا كانت النكسة التي أصابتنا هي أعظم من كل احمتال، فإن لقاء في رضى الله اكرم مآب، ونحن في هذا البلد ذوو رسالة، لا نتخلى عنها إلا إذا تخلت عنا الحياة. والنكسة مهما عظمت ستبعث في نفوسنا العزم الذي لا يلين، وسنبني ونعلي البناء من جديد ، وسنصنع بعرقنا ودموعنا وجهدنا المعجزة مرة أخرى. لنثبت للدنيا كلها أن المصيبة هي محك الرجولة ، وأن الخيرة فيما اختار الله.

         أما أنتم يا جندنا الذين فاتكم شرف الشهادة، لا لجبن ولا لتقاعس بل بمشيئة الله أن اعتزازي برجولتكم وبسالتكم، وفخاري بإخوتكم وصداقتكم ومحبتكم ، وتقديري للسطور الخالدة التي ضمختم بها صفحات المجد، والتي جعلتكم بحق أحرياء بأن تكونوا أحفاد خالد وجعفر وصلاح الدين ، إن هذه المشاعر التي أحسها لكم هي من صنيع بطولاتكم وعبير تضحياتكم، وسعادتي دائما إنكم أهلي وعشيرتي وصحبي ورفاقي.

         لقد عزمنا الآن وصممنا أكثر من أي وقت مضى على أن نقف باستماتة حيث شاء الله لنا أن نقف بانتظار غد أفضل وسنبني معا من جديد. تلك هي مشيئة الله.

         يا أبطالنا، لقد أهديتم أمتكم أشرف وأكرم وأعظم هدية. أهديتموها دمائكم الزكية وأرواحكم الطاهرة. فالخلود لكم يا أبطال، من قضى شهيدا ومن ينتظر، وسيظل بلدكم هذا الحبيب يحدث الأجيال القادمة بقصص بطولاتكم وتضحياتكم وصمودكم في وجه ما فرض علينا في سبيل أمتنا، وكلي ثقة بأننا سنقوم جميعا بما يفرضه علينا الواجب والكرامة والضمير، والله معنا وهو نعم المولى ونعم النصير.


<2>