إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس جمال عبد الناصر بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة 23 يوليه

          كل هذا- أيها الأخوة- لم يكن سهلاً وهيناً في هذا الوطن الذي كانت فيه المصالح الأجنبية والإقطاعية تسيطر على مقدراته ولا هي قلب هذا العالم العربي الذي تسيطر عليه المصالح الأجنبية والإقطاعية فما يحدث في وطننا له صداه في عالمنا العربي كله، أردنا ذلك الصدى أو لم نرده.

          ولم يكن رضا شعبنا بمسئوليات التضامن العربي ووحدة النضال ووحدة المصير سهلاً أو هيناً، فلقد واجهنا ضمن هذه المسئوليات وقوفنا إزاء محاولة غزو سوريا سنة 1957، وقبولنا بتبعات الوحدة وتبعات الانفصال، ووقوفنا إزاء محاولة ضرب الثورة العراقية سنة 1958، وصمودنا وراء الثورة الجزائرية من سنة 1954 إلى سنة 1962، وانتصارنا إلى جانب الثورة اليمنية وتأييدنا لثورة الجنوب العربي. حتى آخر مشكلة، واجهناها وما زلنا نواجهها، فقد كانت بدايتها محاولة لغزو سوريا. لم يكن عملنا في يوم من الأيام أيها الأخوة سهلاً أو هيناً، فطريق النضال مخاطرة وطريق النصر تضحيات وطريق الآمال الكبرى بذل كبير، وإلا فإن الشعوب ترضى على نفسها بالجمود وتقبل بالتخلف لأنها تستطيع أن تتحرك ولا تقبل بالمخاطرة ولا تقبل على الحياة بحلوها ومرها- إن الذين لا يتحركون ليس من حقهم أن ينتظروا التقدم- والذين لا يقبلون بالمسئوليات ليس من حقهم أن يتطلعوا إلى الآمال، والذين لا يخاطرون يقعون من الخوف، أسرى للخوف نفسه، وليس ذلك شأن الشعوب الحية ولا هي طبيعتها ولا هو طريقها. ولقد قلت أن هذه الأزمة التي نواجهها اليوم هي من أقسى ما واجهناه في تاريخ عملنا الثوري لأكثر من سبب، منها:

          إن هذه الأزمة التي نواجهها وإن لم تكن أخطر ما واجهناه وأصعبه، فهي على وجه التأكيد من أخبث ما لقيناه وأكثر لؤماً- ذلك أن الاستعمار استفاد ويجب أن نعترف بذلك من كل مواجهاته معنا ومع غيرنا من الشعوب التي كثر تعرضها لغاراتهم- إن الاستعمار لم يواجهنا في هذه المرة صراحة كما فعل في سنة 1956، وإنما بذل جهداً لابد أن نسلم ببراعته في إخفاء دوره وفي تغطية تواطئه- ولعله في النهاية لم يترك شيئاً يدل عليه غير بصمات أصابعه. ولكن ذلك شئ والإمساك به متلبساً كما فعلنا في سنة 1956 شئ آخر.

          ومن هذه الأسباب أيضاً أنه ربما كان هذا أول عيد للثورة يجئ ليجد وطننا وهو ما زال وسط المؤامرة الضارية ومع شجاعته وإصراره على مواجهتها، فإنه مما لا شك فيه أن شعبنا يشعر في نفس الوقت بأحزان وآلام مضنية. ولعل الله عز وجل- أيها الأخوة- أراد أن يضعنا موضع الامتحان ليرى هل نستحق ما أنجزناه وهل نحن قادرون على حمايته وهل نملك شجاعة الصبر والصمود أمام المحنة؟. ولعل الله عز وجل- أيها الأخوة- أراده أيضاً درساً لنا يعلمنا ما لم نكن قد تعلمناه ويذكرنا ببعض ما يمكن أن نكون قد نسيناه ويطهر نفوسنا من شوائب لحقت بنا وعيوب يجب أن نتلافاها ونحن نبني.

          ونحن نبني مجتمعنا الجديد.. ومهما تكن إرادته عز وجل فإننا نقبل امتحانه باعتباره قدرنا ونثق ثقة مطلقة في أنه معنى يرعى جهادنا إذا خرجنا للجهاد، وينصرنا إذا عقدنا العزم على النصر.. ويفتح طريق

<2>