إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في مجلس الأمة بمناسبة افتتاح دورته الخامسة

إمكان حدوث هذا التحول يعود أولاً وأخيراً للشعب وحده. وبرغم ما يساورنا جميعاً من قلق وبرغم ما يملأ رؤوسنا من التساؤلات عن الغد، وبرغم مخاطر كبيرة ما زالت في انتظارنا ولابد أن نقبل تحديها.

          برغم ذلك كله فإنه لابد لنا من القول بأننا اجتزنا طريقاً أراده أعداؤنا أن يكون مسدوداً، وعبرنا مرحلة قاسية بالغة القسوة، وخرجنا إلى مجال أوسع نستطيع فيه أن نستعيد قدرتنا على الحركة وأن نملك إمكانيات المقاومة المادية.

          وبغير إيمان مطلق من الشعب في مبادئ نضاله الأساسية، وبغير إيمان مطلق منه في مقدرته على التحمل والصمود وبغير إيمان مطلق منه في غده ومستقبله بعون الله، فإن اجتياز الطريق الذي بدا مسدوداً وعبور المرحلة القاسية البالغة القسوة والخروج من ذلك إلى المجال الأوسع كانت كلها تظل في حيز المستحيلات.

          ومن الأمور التي ينبغي أن ندركها وأن نعي دلالتها وعياً عميقاً، أنه ليس من الميسور لأي شعب من الشعوب مهما كانت أصالته النضالية وعراقته أن يواجه مثل ما واجهناه ثم يبقى بعد ذلك متماسكاً ومؤمناً وأكثر من ذلك أن يجد نفسه بعد شهور قليلة من نكسة بعيدة المدى قادراً قوياً وهو يزداد قوة وقدرة مع كل يوم.

          ويقترب بذلك مع كل يوم خطوة من إمكانية تصحيح آثار النكسة وتجاوز كل سلبياتها.

          ولو نظرنا إلى التاريخ القديم والحديث لطالعتنا صفحته بنماذج عديدة لما يمكن أن تتردى إليه أحوال الأمم عندما تصيبها الهزيمة العسكرية. وذلك قدر لا نستفرد به وحدنا وإنما هو قدر جاز قبلنا على أمم أكبر منا وأقوى منا. لكن ما حدث للكثير منها لم يحدث والحمد لله لنا.

          والسبب الأول والأخير - كما قلت - إيمان شعبنا وصلابته وسلامة خط النضال وثقته في مبادئه وفي الله.

          ولقد كان موقف جماهير شعبنا يوم 9 و10 يونيه هو التعبير الحي عن هذا الإيمان بالنفس وبسلامة الخط النضالي وبالمبادئ وبالله.

          إن هذا الموقف كان هو بذاته نقطة التحول في الأزمة.

          إن هذا الموقف كان هو الحد الفاصل بين الظلام الذي أطبق علينا وبين الضياء الذي أمسكنا بخيوطه ورحنا ننسج منها نهاراً جديداً أكثر إشراقاً وأكثر مدعاة إلى الأمل.

<2>