إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



( تابع ) خطاب الرئيس جمال عبدالناصر في افتتاح الدورة الأولى لمجلس الأمة الجديد

          وعلى سبيل المثال.. فلقد تكشف أمامنا بوضوح أن الجبهة العسكرية القوية التي يقف عليها جيشنا في مواجهة العدو.. لا يمكن أن يكون لها سند إلا جبهة داخلية يقف عليها شعبنا كله متماسكاً ومتحداً.. عاملاً كما لم يعمل في حياته.. صانعاً ومنتجاً بأكثر مما كان في أي وقت مضى..

          وفي هذه الناحية.. فلقد كان التناقض الخطير الذي واجهناه.. هو أنه- بينما الجبهة الداخلية- تحتاج إلى تغييرات واسعة المدى.. فإن هناك في نفس الوقت- وبحكم ظروف المعركة- حدوداً للتغير لا تصد حركته وإنما تنظمها.. ولا توقف جريانه وإنما تخطط له وتوقت لخطاه..

          وكانت تلك معاناة مرهقة.. لأنه كان وضعاً يتطلب الوضوح الفكري في وقت اشتدت فيه البلبلة الفكرية.. ويتطلب الثقة في وقت اهتزت فيه دعائم الثقة.. ويتطلب الصبر في وقت نفذ فيه الصبر أو كاد ينفذ..

          ولقد ساعدت تلك المعاناة عوامل متعددة.. منها مثلاً أننا لم نكن نقاتل في الميدان فعلاً..

          إن هناك شعوباً غيرنا تعرضت لأخطر مما تعرضنا له..

وصلت جيوش ألمانيا النازية في غزوها للاتحاد السوفييتي إلى مشارف موسكو..

          ووصلت المعركة ضد بريطانيا سنة 1940 و 1941 إلى حد أن الحكومة هناك قررت ترحيل الأطفال إلى كندا لكي يظل هناك وجود للجنس البريطاني ولا يباد في المعركة حتى آخره..

          وفي الاتحاد السوفييتي.. وفي بريطانيا.. برغم المنازلة الشديدة.. فإن الأمور كانت من الناحية النفسية أفضل مما كانت لدينا نحن في تلك الفترة، برغم أن خسائرنا هنا لا تقارن بخسائرهم هناك..

          وكان السبب هو استمرار القتال.. لو أن القتال كان مستمراً لطغت مشاعر المعركة على كل شئ غيرها..

          لكنه في حالتنا توقف القتال.. ولم يكن هناك بد من توقفه.. لأنه كان من الجنون أن نقاتل حين لم يعد في أيدينا ما نقاتل به.. حين أصبحت سماؤنا كلها مكشوفة للعدو.. وأهدافنا الحيوية كلها تحت رحمته بغير مقدرة منا.. لا على الردع.. ولكن على مجرد الدفاع عن النفس..

          ومن العوامل التي ساعدت على المعاناة أيضاً.. أننا لم نكن نتكلم كثيراً.. وفيما يتعلق بي فلعلكم- أيها الأخوة- تلاحظون أنني كنت في كثير من الظروف عزوفاً عن الكلام..

<3>