إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



الملحق الرقم (18)

مستعدون للذهاب إلى جنيف دون اعتبار لمشاكل الإجراءات (*)

إسرائيل تثير العقبات بتركيزها على الإجراءات
وعلينا أن ندفعها إلى جوهر القضية ولبها الأساسي

السادات يتحدى:

مستعد للذهاب إلى آخر الدنيا حتى لا يقتل أو يجرح أحد من أولادي الضباط والجنود، ومن مركز القوة أستطيع الذهاب حتى إلى الكنيست لأواجه إسرائيل بتحرير الأرض وحقوق الفلسطينيين

الطريق إلى جنيف أصبح مفتوحاً بعد الاتفاق على التمثيل الفلسطيني
ومناقشة الحقوق السياسية والإنسانية للفلسطينيين
الرئيس يزور دمشق قريباً لتنسيق كامل مع سوريا
ويوفد مبارك اليوم في رحلة سلام بين الجزائر والمغرب
ليس هناك ما يدعو إلى عقد قمة عربي الآن فالتزامنا جميعاً بمقررات الرباط لا يزال قائماً

التزامنا الوطني والقومي أن نستمر في توفير كل الدعم لقواتنا المسلحة
الفلسفة الأساسية لقانون الضرائب أن نأخذ من دخول الأغنياء لنساعد الفقراء

         أعلن الرئيس أنور السادات أمس في خطابه البالغ الأهمية أمام مجلس الشعب أن مصر على استعداد للذهاب فوراً إلى جنيف بصرف النظر عن مشاكل الإجراءات التي تثيرها إسرائيل لتضع بها العقبات أمام السلام، لأن قضيتنا واضحة وأهدافنا محددة في تحرير الأرض التي احتلت بعد عام 67، وضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة.

         وقال الرئيس السادات أن إسرائيل تحاول اللعب على مشاكل الإجراءات وعلينا أن ندفعها إلى صميم الموضوع ولب القضية، وأن نفرض عليها المواجهة الكاملة في جنيف.

         وفي تحد واضح: قال الرئيس السادات "إنني على استعداد حتى للذهاب إلى آخر نقطة في العالم، سعياً إلى السلام العادل ومن أجل أن لا يقتل أو يجرح أي من أبنائي الضباط والجنود. بل إنني على استعداد حتى للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي، لأننا لا نخشى السلام ولأننا أيضاً لا نخشى المجابهة مع إسرائيل، ولأن عناصر القوة في الموقف العربي تزيد كثيراً عن عناصر القوة في الموقف الإسرائيلي، ولأننا على دراية كاملة بأساليب خصمنا في المناورات، ولأننا أولاً وأخيراً نستند إلى موقف صلب من التضامن العربي".

         وأعلن الرئيس السادات، أن الطريق إلى جنيف قد أصبح مفتوحاً وعلى أسس جديدة تختلف تماماً عن الأسس التي كانت تريدها إسرائيل للمؤتمر بعد أن اتفقت كل الأطراف على نقطتين أساسيتين:
أولاهما: تمثيل الشعب الفلسطيني تمثيلاً صحيحاً دون تدخل إسرائيلي.
ثانيتهما: بحث القضية الفلسطينية بشقيها السياسي والإنساني بعيداً عن ضباب الغموض الذي أثارته إسرائيل.

         وقال الرئيس السادات، أن العرب سوف يذهبون إلى جنيف، في وفد موحد، وينبغي أن يسبق ذلك استعداد كاف وتنسيق مستمر. ولذلك فإنني أعلن أن اتصالاً قد تم صباح اليوم مع الرئيس السوري حافظ الأسد وسوف أزور دمشق قريباً من أجل مزيد من التنسيق المصري والسوري.

         وأعلن الرئيس السادات في ذات الخطاب الذي ألقاه في مناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب، أنه لا يرى أية ظروف جديدة تدعو إلى عقد مؤتمر قمة عربي من أن هذا اللقاء سوف يكون الآن سابقاً لأوانه، خصوصاً وأننا قد اتفقنا في الرباط على استراتيجية عربية موحدة ما زالت موضع التزام الجميع، وهي الاستراتيجية التي تؤكد على ضرورة استعادة وتحرير الأرض التي احتلت بعد عام 67، مع عدم المساس أو التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

         وفي ذات الخطاب.. قال الرئيس السادات، أن روح الإنصاف تلزمنا بأن نعلن بأن الولايات المتحدة قد قامت بجهد كبير من أجل عقد المؤتمر في نهاية هذا العام، وأن الرئيس الأمريكي كارتر قد كرس بالفعل جزءاً من وقته وجهده لمشكلة الشرق الأوسط، وأنه استطاع الانفتاح على قضية الشعب الفلسطيني بعد أن استطاعت إسرائيل بسطوتها داخل المجتمع الأمريكي أن تطمس ملامح القضية لأكثر من 25 عاماً.

         وقال الرئيس السادات، أن الدور الأمريكي ما زال في حاجة إلى التطور والتنقية من الشوائب العالقة به نتيجة التأثير الصهيوني، ولكن الإنصاف يقتضينا أن نقول أن كارتر كان أول رئيس أمريكي يتقدم لرفع الغشاوة عن أعين الشعب الأمريكي ولوضع القضية الفلسطينية في إطارها الصحيح.
سنواجه الإرهاب بكل قسوة ولن يتولى ملحد منصباً عاماً:

         ثم أعلن الرئيس أن مصر تستنكر الإرهاب في شتى صوره في الداخل والخارج على السواء.. وذلك إيماناً بأن حقوق الشعوب لا تحققها أعمال فردية جبانة. وأنذر الرئيس هؤلاء الذين يتطاولون على الديمقراطية، بأن الديمقراطية ليست عاجزة عن بتر أي يد شريرة ملوثة يصور لها الوهم أنها قادرة على البطش. وأدان الرئيس هؤلاء الذين صوروا أحداث 18 و19 يناير على أنها انتفاضة شعبية، كما أدان الأحداث التي وقعت من جماعة دينية اتخذت الدين سبيلاً إلى محاولة فرض أفكار معينة على هذا الشعب واعتدت على عالم جليل من علمائنا. وأوضح الرئيس بكل الحزم أننا سنواجه محاولات الفوضى والإرهاب بكل قسوة، وأن أي محاولات مجنونة للعودة بنا إلى الوراء لن يكون مصيرها غير القمع والبتر. وأكد مرة أخرى أن مصر لن تسمح بوضع ملحد في منصب أو مكان يؤثر على تكوين الرأي العام أو أفكار الشعب أو الجماهير أو الأجيال القادمة.

         وأشار الرئيس إلى أن هذه القلة المنحرفة المغرورة قد لا تستحق كل هذا التعليق ولكن سيادة القانون التي تواصل الحق والشرعية تفرض حماية القانون من أعداء القانون بقوة القانون. وأن قيام بناء ديمقراطي يقظ هما عنصر من عناصر طموحة إلى مزيد من الديمقراطية، حتى تزيد كل خطوة من تماسك البناء وقوته.

         وأفاض الرئيس في حديثه عن تطور البناء الديمقراطي في المستقبل، فنبه إلى ضرورة وضع الضوابط والسير بأناة في طريق التطور الديمقراطي لأننا لسنا من هواة القفزات الانفعالية أو الطائشة. وطالب الرئيس أعضاء مجلس الشعب بممارسة مهمتهم في أداء واجبهم التشريعي والرقابي، دعماً لسلامة التجربة بسلامة سلطة الرقابة. ونبه الرئيس إلى ضرورة أن تكون هذه الرقابة رقابة جادة مسئولة، مسلحة بالإعداد المدروس والبحث المتأني حتى تتدعم ثقة الجماهير وتنمو تقاليد الديمقراطية. وناشد الرئيس كل الآراء والاتجاهات.. أن تحرص على أبعاد التجربة الديمقراطية وعلى تجنب كل ما يعوق طريقها.

         وفَنَّدَ الرئيس مواقف الذين يحاولون النيل من التجربة الديمقراطية بالتشويه ورد على حججهم وأقوالهم وقرر أن الأحزاب نشأت بانتخاب حر مباشر وليست من أعلى باسم السلطة كما يزعمون، وأن قانون الأحزاب هيأ الجو لقيام الأحزاب وصدور صحافتها.

نص الخطاب
بسم الله
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب..
         نبدأ اليوم بإذن الله.. وبإرادة الخالق سبحانه وتعالى الدورة الثانية من الفصل التشريعي لمجلسكم الموقر.. يأتي موعد هذه الدورة في السنة التي احتفلنا فيها بمرور 25 عاماً على قيام ثورة يوليه.. وانتقالها بالشعب من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.

         ولقد كانت دورتكم الأولى عملاً ارتفع إلى مستوى الإرادة الشعبية التي اختارتكم لتكونوا تعبيرها الأمين في بيت الشعب.. لقد أنجزتم الكثير في 94 جلسة في الصباح والمساء.. امتدت حتى كادت أن تلتحم ببداية الدورة الجديدة.. وهو حدث يساند نجاح التجربة التي حدد الدستور إطارها الديمقراطي.. حددها في وزارة مسئولة مسئولية كاملة أمام مجلس الشعب الذي له عليها كل حقوق الرقابة الكاملة.. وأشهد أنني كنت أتابع ما يجري تحت هذه القبة.. وما تدور به ديناميكية العمل في لجان المجلس بارتياح كامل.. كنت أتابعها بارتياح كامل وثقة تزيد عمقاً يوماً بعد يوم بأن أهدافنا الديمقراطية تجد سبيلها الممتد إلى تفاعل صحي بين الرأي والرأي الآخر.. وأسعدني كل السعادة.. وقد وضعني قدر المسئولية في موقف الحكم.. في مقعد كبير العائلة المصرية الواحدة.. إن رياسة المجلس قد أتاحت الفرصة كاملة للرأي الآخر أن يعبر عن نفسه بملء الحرية.
لا قيد على المعارضة سوى الدستور:

         وأتاحت للمعارضة أن تؤدي دورها بغير ما قيد إلا للالتزام بالدستور، وهو قاضينا جميعاً في ساحة الحرية والديمقراطية. لقد أقر مجلسكم أكبر موازنة في تاريخ مصر بلغ حجم استخداماتها ومواردها 7 آلاف و50 مليوناً من الجنيهات، أي بزيادة قدرها 1076 مليوناً عن سابقتها، ويشجعنا جميعاً أن نعرف أن معدل الإنتاج قد ارتفع إلى نسبة مرضية، مما يبشر بأن تصحيح المسار الاقتصادي يتجه في طريقه المخطط المرسوم في مواجهة أسوأ موجة تضخمية نعاني منها، كما يعاني منها عالم اليوم كله، ولسوف تسعى إليكم الموازنة الجديدة في هذه الدورة بإذن الله وهي تحمل آفاقاً جديدة في زيادة اعتمادات الخدمات، وتوفير فرص العمالة والتطور في معدلات الإنتاج، وأيضاً في المواكبة السليمة للجهود الجبارة المستمرة التي بذلت وتبذل للإفلات من عنق الزجاجة وللعبور الناجح من مرحلة الاختناق إلى بدايات مرحلة التوازن الاقتصادي وصولاً إلى آمالنا في التطور والرخاء، كل ذلك يجري مع التزام وطني وقومي بأن نوفر لأبطالنا رجال القوات المسلحة حماة الأرض والعرض، كل ما تحتاج إليه ملحمة التحرير الخالدة من مال وعتاد، فهذا هو التزام المصير، انهم صفوة الأخوة والأبناء الذين يتصدرون الصف الأول في نضال التضحيات رجولة وجسارة ونداء، هؤلاء الرجال هم صناع أكتوبر الخالد في نبض جيلنا وكل الأجيال.
تنظيم الأحزاب خطوة على درب الديمقراطية:

أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:
         دعونا نتوقف برهة نعود فيها إلى النفس ونتأمل: أين نحن اليوم من تجربتنا؟ هنا من هذه القاعة أصدرتم قانون تنظيم الأحزاب إعلاناً تشريعياً لخطوة جديدة على درب الحياة الديمقراطية السليمة وتطلعاً حراً إلى تفاعل حر بين الرأي والرأي الآخر، وإيماناً صادقاً بحاجة العائلة الواحدة إلى أن تحتضن كل أفكار أبنائها، وأن تختار في غير ما تعصب أو تحزب، أو انحياز، ما تراه خيراً للمجموع، وما تقتنع به محققاً لصالح الملايين. وهنا ومن هذه القاعة أيضاً أصدرتم قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بعد مناقشات واعية طويلة، وعدلتم أحكام الاستثمار العربي والأجنبي والمناطق الحرة دعماً لسياسة الانفتاح، ثم كان اتساع مظلة التأمينات الاجتماعية لتشمل كل عاجز عن مورد أو عمل، ورفعتم الحد الأدنى للمعاشات.. إن ذلك يمثل إنجازاً عملياً بالفعل لا بالشعارات، من أجل ازدهار الديمقراطية بشقيها السياسي والاقتصادي على أرضنا.

         ولست أستعرض في هذا المجال شريطاً لكل ما ناقشتم وأنجزتم، فإن تقريركم عن دورتكم الماضية حافل فعلاً وحقاً بما يؤكد لنا جميعاً أن العمل الوطني يشق طريقه الدستوري بانتماء حقيقي إلى كل مكونات رسالة التمثيل الشعبي تشريعاً ورقابة ومصارحة بالرأي الحر في كل ما يواجهنا من أحداث وتحديات.

أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:
         سبق أن قلت أن التجربة الديمقراطية في أول خطوات بنائها ولكنها أيضاً في أرسخ خطوات بنائها، ليس هذا القول إلا تعبيراً عن حقيقة تاريخية، ذلك أن نضالنا نحو إقامة البناء الديمقراطي السليم يتميز بأربع علامات تؤكد رسوخ البناء.
ثورة 15 مايو بناء جديد لمواقع الحكم:

هذه العلامات هي:

أولاً:

تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع.

ثانيها:

التأكيد على القيم الدينية.

ثالثها:

الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

رابعها:

الوحدة العربية.

         كل ذلك يجري من خلال سلوك يتميز بالجدية وبالوضوح.. وباليقظة.. وبالطموح.. إن ثورة 15 مايو التي صححت مسار ثورة يوليه الأم.. ثورة 15 مايو لم تكن مجرد إزالة أشخاص بعينهم من مواقع الحكم.. فما كان أيسر أن يتم ذلك بقرار.. ولكن ثورة 15 مايو كانت بناءً جديداً لمواقع الحكم ذاتها كانت إعلاناً شعبياً جاداً عن نهاية حكم الفرد في أي موقع.. كانت نقطة تحول تاريخية تعبر عن تغيير ثوري جذري في أسلوب الحكم.. وفي علاقة الحاكم بالمحكوم.. وقد كانت أخيراً تتويجاً لسيادة الشعب بسيادة القانون.. أسقطت ثورة 15 مايو كل هياكل الحكم التي خلقتها مراكز القوى.. فخلقت بها حكماً بالقهر.. لا بالقانون.. وحكاماً يسخرون كل سلطات الدولة لحماية سلطان تسيدوا به فوق كل قانون.. وانتهى بنا ذلك الوضع الشاذ إلى صورة شاذة شوهت مبدءاً أساسياً قامت من أجله ثورة يوليه وهو إقامة الحياة الديمقراطية السليمة.. صورة شاذة لقلة باغية من الأقزام تسلحوا لغرض تسلطهم بحق باطل في إلغاء الوجود الإنساني، وإهدار الكرامة والآدمية بقرارات جائرة استعلت على كل رقابة أو حساب.. ولكن الشعب العملاق تسلح بالصبر.. وما استكان لقهر أو ظلم.. وكانت طاقاته كلها مستعدة لساعة الخلاص.. وجاءت ثورة 15 مايو ونسفت كل هذه العروش الزائفة في لحظات. ودكت قلاعها من أساسها.. تلك القلاع التي ظنوا أنها ستمنعهم عبر الأجيال.. وأسقطت كل الشعارات المستوردة التي أرادوا بها تخدير الجماهير.. بل أرادوا أن يعرضوها ديناً زائفاً بشهوات المادية وأطماع الأحقاد السوداء وصراعات الغرائز البدائية.
وثيقة إعلان الدستور التزام تاريخي بسيادة القانون:

         جاءت ثورة 15 مايو ميلاداً لمجتمع جديد، مجتمع لا يرفع الشعارات الخادعة، بل يرتضي الدستور الدائم قانوناً للقوانين وشريعة للحاكمين والمحكومين، مجتمع يسجل قسمه العظيم باسم الملايين في وثيقة إعلان الدستور ليعلن للعالم كله التزامه التاريخي بالحرية والكرامة وسيادة القانون عندما تسجل وثيقة إعلان الدستور ما يأتي... نحن جماهير الشعب في مصر باسم الله وبعون الله نلتزم إلى غير ما حد وبدون قيد أو شرط أن نبذل كل الجهود لنحقق الحرية لإنسانية المصري عن إدراك لحقيقة أن إنسانية الإنسان وعزته هي الشعاع الذي هدى ووجه خط سير التطور الهائل الذي قطعته البشرية نحو مثلها الأعلى.

         ثم تقول وثيقة إعلان الدستور أن كرامة الفرد انعكاس طبيعي لكرامة الوطن.. ذلك أن الفرد هو الأساس في بناء الوطن وبقيمة الفرد وبعمله وبكرامته تكون مكانة الوطن وقوته وهيبته. إن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد.. فما أكثر ما قاسينا من شعارات ارتفع صوتها حتى طغى على إرادة العمل وما أكثر ما تصورنا أننا أنجزنا لأننا تكلمنا وأفضنا في الكلام حتى صدقنا أنفسنا وغفلت أنظارنا عن واقع جمد عن الحركة، بل لعله كان مهدداً بأن يرتد إلى الوراء، بل أن تلك الشعارات الدخيلة الصاخبة قد تحولت إلى أداة تهديد وإرهاب لكل رأي وفكر.. وأداة اتهام قادرة على تلفيق الاتهام، فآثر الصمت كثير من الشرفاء والتزمت العزلة قلوب عامرة بحب مصر، وفضلت طاقات وقدرات كبيرة أن تقف في صفوف المتفرجين. هنا دعونا أيها الأخوة والأخوات ما دمنا بدأنا بأنفسنا ونقدنا وصححنا، ودعونا نقول للآخرين هل لديكم الشجاعة لينقدوا وليصححوا بدلاً من أن يستثمروا المناخ الديمقراطي السليم في محاولة للمغالطة وتزييف التاريخ لتضليل أجيالنا المقبلة.
ورثة ثورة 23 يوليه.. وورثة ثورة 19:

         في هذا يستوي عندي حين أتحدث إليكم أيها الأخوة والأخوات يستوي من يدعون وراثة ثورة 23 يوليه ومن يدعون وراثة ثورة 19، هل لديهم الشجاعة لكي ينقدوا كما نقدنا أنفسنا ولكي يصححوا كما صححنا ثورة 23 يوليه بثورة 15 مايو. إن الأمر ليس إلا مزايدات ومناورات يمكن أن تكون مقبولة في الماضي، ولكنها لن تكون مقبولة أبداً اليوم ولا غداً ولا مقبولة من أجيالنا المقبلة.

أيها الأخوة والأخوات
         لقد أثبت بناؤنا الديمقراطي أنه بناء جاد قائم على تحقيق الأمل بالعمل لا نريد الأمل بالقول والشعار فقط، وجاءت انتخابات مجلسكم الموقر عنواناً مشرفاً وقمة مضيئة لأسلم تطبيق ديمقراطي عرفته الحياة النيابية في مصر منذ 54 عاما، جئتم أنتم إلى هذه المقاعد اختياراً حراً أميناً نظيفاً باسم الملايين الحاكمة بإرادتها، باسم الملايين الحرة بديمقراطيتها، باسم الملايين صناع الديمقراطية وحماتها بكل مبادئ 23 يوليه و15 مايو، وبكل كرامة ملحمة أكتوبر الخالدة ودساتير العالم أيها الأخوة والأخوات في شرقه وغربه تمتلئ نصوصها بشعارات الحرية والديمقراطية، إن مئات الحاكمين عبر التاريخ القديم والحديث يتمسحون في شعارات الحرية والديمقراطية.

         ولكن الشعوب الواعية سواء منها المقهورة أو المتحررة تعرف كم من الجرائم ترتكب باسم الحرية والديمقراطية، ولكننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن وصلنا إلى لقاء بالذات يقوم على الجدية والصدق والحقيقة.. فنحن لن نخدع إلا أنفسنا إذا تصورنا أننا نخدع غيرنا ولن نجلب احترام غيرنا لنا إذا لم نحترم نحن أنفسنا. وهكذا جاءت التجربة الديمقراطية ميثاق شريعة وشرف دستور حكم وتطور التزم به الحاكم قبل المحكوم صمام أمن وأمان لنجاح التجربة إلى أقصى غاياتها وأهدافها نحو إجلال إنسانية الإنسان، ولقد ساعد على جدية التجربة الديمقراطية وضوحها فلا لف ولا دوران بكلمات براقة ولا تدبير ولا تبرير بفلسفات خادعة ولا أوصاف تظهر المعنى وتخفي النقيض ولا عبارات غامضة متعالية على فهم الجماهير. فنحن لا نتحدث بلغتين ولا نتعامل مع مصير الشعب بوجهين، نحن لا ندعو إلى الديمقراطية السياسية بقول ثم نعطلها بقول آخر، ونحن لا نبشر بالديمقراطية الاقتصادية بقول ثم نمزقها بقول آخر، ونحن لا نقيم الاشتراكية الديمقراطية على متاهات من شعارات ولا تميزها ولا تحدد أوصافها، بل تذهب بها هذه المتاهات إلى ازدواج مقصود في المبنى والمعنى، كان هذا حالنا عندما مركسوا الميثاق وتلاعبوا بتفسير صحة العالمية عندما وصفوا بها الاشتراكية، فكانت دفعاً بها إلى التواءات متعمدة في التفسير والتحليل والتطبيق.
الاشتراكية الديمقراطية تنطلق من قواعد 4 رئيسية:

         إن الاشتراكية الديمقراطية في دستورنا الدائم تنطلق من القواعد الأربع الأساسية التي أخذنا أنفسنا بها ونحن نناضل من أجل إقامة البناء الديمقراطي السليم، كما أسلفت القول، وهي: أولها: تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع، ثانيها: التأكيد على القيم الدينية، ثالثها: الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، رابعها: الوحدة العربية. والهدف الواضح هو أن يتحقق التوازن العادل والارتباط العضوي بين صالح الفرد وصالح المجتمع وبين حاجات المواطن المادية وحاجاته إلى القيم الروحية، وهذا هو الطريق الواضح المتميز عن الاشتراكية الماركسية وعن الرأسمالية.. إننا لا نتجاهل أبداً الحرية الشخصية أو الحافز الفردي كما تفعل الاشتراكية الماركسية.. لأن تحرير الإنسان اجتماعياً واقتصادياً لن يكتمل إلا بالديمقراطية السياسية التي تؤمن بالحرية الفردية وتشجع على الحوافز والمبادرات الخلاقة.. وغيبة حرية الرأي وسيادة القانون تبيح للبيروقراطية المسيطرة على وسائل الإنتاج أن تشكل طبقة ديكتاتورية تتحكم بلا حدود، كما أننا لا نتجاهل صور الاستغلال القاسية والتفاوت الشاسع في دخول الأفراد الذي تنتجه الرأسمالية.
قانون الضرائب يعرض في أول هذه الدورة

         وهنا لي وقفة معكم أيها الأخوة والأخوات بشأن قانون الضرائب.. هذا القانون الذي سيعرض على مجلسكم الموقر في هذه الدورة، بل لعلي طلبت أن يكون أول ما يعرض في هذه الدورة هو قانون الضرائب لما له من مغزى أساسي في نظامنا الاشتراكي الديمقراطي.

         أود أن أكون واضحاً أمامكم أيها الأخوة والأخوات.. في قانون الضرائب الجديد لابد من أن تحقق العدالة الاجتماعية كما أرادها الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد ... يقول الله سبحانه وتعالىسورة الحديد، آية 7 ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ... المال في شريعتنا مال الله.

         من أجل ذلك أنا أدعوكم كما أراد الله سبحانه وتعالى لنا لعمران هذه الأرض.. أراد لنا أن نكون مستخلفين على هذا المال.. أريدكم أن تضعوا الحدود التي تسوي وتوزع ما بين الناس بحق الله سبحانه وتعالى.

         وليكن هذا هو أساس فلسفة قانون الضرائب.. على الغني أن يتحمل أعباء لا يستطيع أن يتحملها الفير.. وأقول لكم بصراحة أنني أعني مسئوليتي وأخاف الله سبحانه وتعالى.. وأخاف (تصفيق وأصوات تقول الله أكبر).. أقول لكم إني أخاف الله سبحانه وتعالى، وأخاف أن أذهب إليه فيحاسبني.. لماذا؟ كما نصت الشريعة لم آخذ من فضول الأغنياء لأساعد الفقراء؟.. أريدكم حينما تدرسون قانون الضرائب أن تضعوا هذا في أذهانكم.. نحن نريد أن نقيم العدالة بين أبناء شعبنا.. بين أبناء وطننا.. بحيث يتحمل القادر.. وبحيث ينعم غير القادر بحياة كريمة.. ليست إحساناً من القادر أدباً.. وإنما هي فرض عين وحق وواجب.. لا اعتراض لي أبداً أن يعيش كل إنسان في بسطة بما أعطاه الله.
صياغة الحياة على أرضنا بالحق والعدل وشريعة الله:

         ولكنني كوَليِّ للأمر وأقولها لكم لكي تضعوها في تشريع، كَوَلِيْ للأمر، والله لو اقتضى الأمر كما فعل عمر بن الخطاب أن أخذ نصف كل ما لدى حاكم لأخذه من أجل هذا أريدكم أن تضعوا قانون الضرائب لكي نعيد صياغة الحياة على أرضنا بالحق وبالعدل، وبشريعة الله سبحانه وتعالى، ونحن لا نحقد على أحد، ولا نحسد أحد، ولا نعتدي على أحد، وحين أقول هذا أرجوكم أن تعلموا، أنني لا ألجأ إلى المصادرة أو الاعتقال أو الحراسة، أو كل ما كان في الماضي أبداً.. إنني سألجأ بما هو أقوى من كل هذا، إنني وَليِّ الأمر وأراد الله لي سبحانه وتعالى أن أتولى هذا الأمر. وعلى ذلك أرجوكم أن تضعوا هذا في حسابكم وأنتم تضعون قانون الضرائب، بحيث توزع الأعباء بقدر ما يحوز كل فرد، فمن لديه غنى يتحمل الأعباء الأكبر، ومن لديه عوز يتحمل الأعباء الأقل، أو لا يتحمل، وفوق كل ذلك، لابد أن نعي حقيقة واضحة هي أساس من أسس هذا النظام الذي اخترناه لأنفسنا، وهو أن يكون توزيع الأعباء في العائلة المصرية توزيعاً عادلاً لا يصحح أية أخطاء تحدث في توزيع الثروة بغير هذا ستكون بلادنا وقوداً للحقد والحسد والكراهية وهذا ما لا نرضاه.

أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:
         لقد خصص دستورنا الدائم الباب الثاني لتحديد المقومات الأساسية للمجتمع المصري اجتماعياً واقتصادياً في وضوح وتوصيف. هذا الوضوح والتوصيف لا يحتمل أبداً اختلاط المبادئ، أو تمييع الأحداث. كما أن دستورنا الدائم وضع كل الضمانات التي تحمي حق المواطن وحريته في التمتع بالحياة الديمقراطية السليمة، وقد وضعت هذه الضمانات في وضوح وتحديد لا يحتمل اختلاط المبادئ ولا تمييع الأحداث كما قلنا، وإذا كانت المبادئ التي ذكرتها وهي نتيجة للممارسة والمعاناة وليست من الكتب أو النظريات، هذه المبادئ الأربعة هي التي تشكل معالم اشتراكيتنا الديمقراطية، فإننا في تجربة الممارسة الديمقراطية والتطبيق لن نخل بهذا الوضوح ولن نجعل من إجراءات الممارسة وقواعد التطبيق مدعاة لأي اهتزاز فكري في تجسيد أهدافه.
ضد الإرهاب في الداخل... والخارج:

         إن الدراسات العلمية والديمقراطية وتطبيقها في أرضنا سوف تتعرض إلى التفاصيل والجزئيات بالتحديد الدقيق الواعي على هدى المبادئ العامة والأساسية التي نص عليها الدستور، وأرجو أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب ألا يبخل المتخصصون منكم بالفكر والرأي والخبرة في الإسهام في هذه الدراسات العلمية التي تضئ المعالم أمام السلطات الدستورية في بلادنا لكي يكون التشريع والتنفيذ في ظل سيادة القانون مدعماً لوضوح التجربة وتميزها.

أيها الأخوة والأخوات
         إننا نستنكر الإرهاب في شتى صوره في الداخل والخارج على السواء، وإذا كان استنكارنا للإرهاب على المسرح الدولي نابعاً من عقيدة راسخة بأن حقوق الشعب لن تحققها أعمال فردية جبانة تعتدي على أرواح العزل والأبرياء وتهدد الآمنين في إنسانيتهم وآدميتهم، إذا كان هذا هو موقفنا من الإرهاب الخارجي الذي تصاعد في السنوات الأخيرة وأصبح سُبَّةْ في جبين الإنسان العصري الحديث، وعاد بالفرد المتحضر إلى عصور القرصنة. فإن موقفنا من الإرهاب الداخلي يتجاوز الاستنكار إلى الإجراء الحاسم المضاد وقاية ومطاردة وحساباً عسيراً لن يفلت منه جبان أو مدع أو مأجور يتطاول على حرية الشعب أو يهددها أو يحاول أن يعود بها إلى الوراء.

         وإنني أعلن لمجلسكم الموقر أن أي تطاول على الديمقراطية لن ينال من الديمقراطية، لأن الديمقراطية ليست عاجزة.. ولن تكون عاجزة عن بتر أي يد شريرة ملوثة يصور لها غرورها أنها قادرة على قهر أو بطش. إن أي تهديد تتعرض له حرية هذا الشعب وأمنه جريمة لن تغتفر، بل هي أبشع الجرائم لأن ضحيتها ليس فرداً أو مجموعة أفراد، ولكن الضحية هي كل الشعب، لأن تهديد الديمقراطية بالدم والإرهاب لا يهدف إلا إلى تحطيم الصرح الشامخ الذي شيدته إرادة الملايين من أجل أمنها وسلامها وكرامة وجوده.

ديمقراطية النور وخفافيش الظلام:
         وديمقراطية الملايين قادرة بكل ما يسلحها به الشرع والقانون.. قادرة على سحق أي تهديد لها بلا رحمة أو شفقة أو هوادة في أوائل هذا العام، لابد أنكم جميعاً تذكرون أحداث 18 و19 يناير 77، ولابد أيضاً أنكم تذكرون أحداث ما وقع من جماعة دينية اتخذت الدين سبيلاً إلى محاولة فرض نظام معين أو فرض آراء أو أفكار معينة على هذا الشعب، واعتدت في هذا السبيل على عالم جليل من علمائنا.. أريد هنا أن أكون واضحاً تمام الوضوح: إن أية محاولة من جانب أية جماعة، أياً كان هذا الذي تؤمن به أو تنادي به.. أية أعمال إرهابية أو محاولات فرض على هذا البلد ستقابل كما قلت لكم من قبل بمنتهى القمع والشدة.

         في 18 و19 يناير تخرج قلة ضئيلة تستغل الغوغاء، ثم يخرج أو تخرج إذاعة دولة من الدول العظمى هو الاتحاد السوفيتي، لتقول أن هذا أو هذه الأعمال هي انتفاضة شعبية.. ماذا كانت هذه الأعمال؟ حريق.. محاولة حريق العاصمة.. حرق المجمعات الاستهلاكية ونهب محتوياتها، ونحن نشكو من التضخم ومن أزمة التموين.. حرق الأوتوبيسات ونحن نشكو من أزمة المواصلات.. حرق مرافق الدولة.. إذا كان هذا في عرفهم وفي عرف عملائهم هنا هو انتفاضة شعبية، فلا كانت أبداً.. سنواجه هذا بمنتهى الحسم والعنف.. ولا يمكن أن أسمح لأية فئة أن تفرض على هذا الشعب ما لا يرضاه أو أن تروج هي هذا الشعب المؤمن والذي يكون الإيمان فيه جزءاً من دمائه.. جزءاً من تكوينه.. لن أسمح أن يفرض على هذا الشعب الإلحاد.. وعلى ذلك فقد سمعتموني في الماضي أتحدث إليكم وشجبت هذه الأعمال، وقلت إن من لا إيمان له لا أمان له.. أقولها الآن أضعها أمامكم لكي نُسَجِلْ في مضابط مجلسكم ولن يوضع في منصب أو في أي مكان يؤثر على تكوين الرأي العام أو تكوين أفكار الشعب ملحد أبداً طالما أنا في هذا.. ليس معنى هذا أني أعادي أحد.. أبداً أنا لا أريد أن أعادي أحد.. أبداً.. أنا لا أريد أن أعادي أحد.. أبداً.. وإنما كما قلت لكم أنا حريص يوم أن أسأل وأنا وَليِّ الأمر هنا ماذا فعلت؟ حريص أن أؤدي الأمانة وأن أؤدي الرسالة.. أبداً لن أتركها ولو اقتضى الأمر أن أنزل بنفسي إلى الشارع لأقاتل في هذا.. إننا شعب الإيمان جزء من كياننا وتكويننا ولا يمكن أن نسمح أبداً لأية قوى مهما كانت هذه القوى أن تزلزل هذا الإيمان أو أن تتطرق بطرق ملتوية لمحاولة تضليل أجيالنا المقبلة عن هذا الإيمان، كما حدث في بلاد أخرى.. أبداً لن أسمح بهذا أقوله لكم بمنتهى الصراحة لكي يُثْبِتْ في مضابط مجلسكم ولكي يكون سياسة واضحة معلنة.. لن يلي في هذا البلد منصب يؤثر على تكوين الرأي العام أو على الجماهير أو بأي شكل من الأشكال يؤثر على تكوين أجيالنا المقبلة.. لن يلي هذا المنصب أي ملحد. إن أي محاولات طائشة أو نازفة أو مجنونة تتصور أنها قادرة على العودة بنا إلى الوراء لن يكون مصيرها إلا التعرية الكاملة لأطماعها السوداء والإجهاز الصارم عليها وسيف القانون، والشعب دائماً هو الأقوى، وديمقراطية النور لن يعبث بضيائها خفافيش الظلام.

         الديمقراطية هي الكلمة العليا.. الديمقراطية هي إرادة الخير والبناء والسلام.. الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب.. فمن ذا الذي يهيئ له أن رصاصة جبانة أو تآمر للتخريب في الظلام أو محاولة لفرض أمور لا تقبلها طبيعة وتراب هذا الشعب يمكن أن يقوى على إرادة الملايين التي حررت الأرض في أخلد ملاحم البطولة والشرف وحررت إرادة الإنسان المصري ليملك قراره ومصيره ويَتَسَيَّدْ على أرضه بالحق والقانون.

طريق الحلول الصحيحة الفكر المتحرر من القيود:
         لعل هذه القلة الضئيلة.. بل بالغة الضآلة، هذه القلة المنحرفة المغرورة.. الموجودة في كل مجتمع لا تستحق منا كل هذا التعليق والتبين.. ولكنني أثرت هذا التوضيح الصريح لأننا في مرحلة بناء التقاليد الديمقراطية مع بناء الديمقراطية.. وما نضعه اليوم من تقاليد راسخة هو مسئوليتنا أمام الجيل والأجيال المقبلة.. وأول هذه التقاليد التي تنميها الممارسة المسئولة هي أن سيادة القانون التي عبر عنها ميثاق الدستور الدائم بأنها ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب.. لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت.. هذه السيادة للقانون التي توصل الحق والشرعية تفرض مع وجودها حماية القانون من أعداء القانون بقوة القانون.. ولسنا بذلك ندعو إلى أن تتحول قوة القانون إلى القهر والبطش.. إن هذا ليس كائناً ولن يكون.. ولكننا ندعو إلى حماية القانون بقوة القانون من أي قهر أو بطش يتهدد هذا السلطان الشرعي الذي يستوي أمامه الحاكم والمحكوم.. القوي والضعيف.. القادر والعاجز.. فيحقق العدل للجميع ويسوي بالفرصة المتكافئة أمام الجميع.. وهو سلطان ليس فوقه من سلطان.. من أجل هذا نقول أن بناءنا الديمقراطي بناء يقظ لن تلهيه جهود ترسيخ البناء عن وعي قادر حذر.. وعيون مفتوحة لكل ما يجري من حولها.. انه بناء يقظ متوثب لبتر أي إثم أو عدوان..

أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب
         إن يقظة هذا البناء الديمقراطي الشامخ هي عنصر من عناصر طموحة.. طموحة إلى مزيد من الديمقراطية.. الديمقراطية آفاق رحبة مزيدة.. كلما تقدمنا إليها خطوة زاد تماسك البناء.. بل أن التقدم دائماً إلى المزيد هو الدليل على قوة البناء.. فإذا كنا لن نتراجع.. وأكررها إذا كنا لن نتراجع عن الديمقراطية، فإننا لن نقف أيضاً في مواقعنا جامدين.. فالحياة هي النمو المستمر.. وعقل الإنسان وفكره ومواهبه وحوافزه يعيشها ويفجر طلقات خلقها وابتكارها نحو حياة أفضل.. الأجواء الصحية التي تعطيها الديمقراطية ومظلة الأمن.. والأمان التي تقيمها الشرعية.. وكلما تطورت حياتنا إلى مزيد من التقدم الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي.. كلما تطور البناء الديمقراطي نحو المزيد الذي يتلاءم مع حاجات التقدم ولوازم الاستقرار.. للتطور مشكلات متجددة مع تجدد إرادة التطور.. ولا حل لهذه المشكلات.. ولا دليل إلى طريق الحلول الصحية إلا الفكر المتحلل.. المتحرر من كل القيود.. وإلا قيد الالتزام بالدستور ومصالح الجماهير ولن يتحرر فكر إلا بمواجهة الرأي بالرأي الأخر.. وعندما تضاء كل المشاعل يستبين كل أبعاد الطريق. وهذا هو المزيد من الديمقراطية الذي يحققه طموح التجربة.. لقد انتقلنا من تنظيم الرأي الواحد إلى ساحة الآراء المختلفة.


(*) خطاب السادات في مجلس الشعب في 9 نوفمبر 1977 (المصدر: جريدة الأهرام بتاريخ 1977/11/10)