إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات في افتتاح الدورة الجديدة للمؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي في الذكرى العشرين لثورة يوليه، في 24/7/1972
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الثاني 1972، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص 124 - 146"

الثورة الاقتصادية والاجتماعية

         ولعل اكثر ما لجا اليه الاستعمار والاستغلال فى اطار هجومه الشامل على التجربة المصرية الرائدة فى الفترة الأخيرة على الاخص هو حملة التهوين من شأن منجزات الثورة الاقتصادية والاجتماعية، ونحن كثيرا ما ننسى الأبعاد الحقيقية لما انجزناه وجماهير شبابنا وهم اغلبية الشعب لم يعرفوا مصر ما قبل الثورة ولذلك فربما كان افضل طريق لبيان تلك المنجزات هو عدم الاغراق فى التفاصيل بما يصحبه من فائض الارباح وانما الاكتفاء برسم الملامح الرئيسية لمصر فى اوائل الخمسينات ثم لمصر فى اوائل السبعينات فليس اجدى من المقارنة بين الصورتين فى التعبير عن التغيير الكيفى الذى طرأ على صورة المجتمع المصرى فانتقل بحق من عصر إلى عصر.. مصر عشية ثورة 23 يوليو سنة 52 ماذا كانت صورة مصر الاقتصادية والاجتماعية فى اوائل الخمسينات؟ ما هى التركة المثقلة التى تسلمتها القيادة الثورية ليلة أن استولت على السلطة ؟ يمكن فى ايجاز شديد أن نرسم الملامح الاساسية لتلك الصورة على النحو التالى:

         أولا- السيطرة الاستعمارية: لم تكن السيطرة الاستعمارية احتلالا عسكريا فحسب بل أن 80 ألف جندى بريطانى كانوا فى الواقع يحرسون عملية استغلال اقتصادى بشع يتولاها الاستعمار العالمى على سبيل المثال، كان النظام المصرفى بأكمله. البنوك ابتداء من البنك المركزى الاهلى فى ذلك الوقت حتى اصغر بنك الرهونات تحت سيطرة رأس المال الاجنبى لم يشذ عن هذه القاعدة الا بنك مصر وثلاثة بنوك شبه حكومية محدودة النشاط وحتى بنك مصر نجح الاستعمار مستعينا بالحكومة فى ذلك الوقت فى أن يقصى عنه القيادات الوطنية ويفرض عليه قيادة متهاونة مع الاستعمار ويربط نشاطه برأس المال الاستعمارى كان كل نشاط التأمين فى مصر بيد وكالات اجنبية أو فروع لشركات أجنبية أو شركة مصرية اسما يسيطر عليها الاجانب فى الواقع معنى ذلك أن المال عصب الحياة الاقتصادية لم يكن تحكم حركته قرارات مصرية ومعناه أيضا أن مدخرات المصريين التى كانت تتجمع لدى البنوك وشركات التأمين كانت تحت تصرف الاجانب كذلك يحولونها إلى الخارج أو يوجهونها إلى تمويل نشاط الاجانب والمتمصرين فى مصر، ولم يكن يحظى بقروض من المصريين الا الاقطاعيون وكبار الرأسماليين المرتبطين بالمصالح الاجنبية فقد كان ذلك هو سبيل رأسمال الاستعمار فى اخذ نصيبه مما يستولى عليه أعوانه من عرق الفلاح والعامل المصرى وهكذا كان طريق التنمية مسدودا أمام الرأسمالية الوطنية التى كانت تعانى الأمرين فى الاقتراض من البنوك الاجنبية بل أمام الدولة ذاتها التى لم تكن تملك حتى لو أرادت الموارد الكافية لتمويل أى برنامج انمائى. التجارة الخارجية كانت حكرا على الأجانب وقلة من المصريين تدور فى فلكها. أهم الصادرات وهو القطن حوالى 85% من الإجمالى بيد بيوت التصدير هذه البيوت كلها اجنبية تسيطر فى نفس الوقت على المحالج والمكابس، والواردات تمر حتما بالتوكيلات المحلية للشركات الاجنبية ووكالات الاستيراد والقومسيونجية كانت التجارة الخارجية تمثل فى ذلك الوقت حوالى 50% من الدخل القومى معنى ذلك أن نصف الدخل القومى لا تؤثر فيه يد وطنية ولا سياسية وطنية وكان من المستحيل اجراء أى تعديل فى اتجاهات التبادل الخارجى تمليه مصلحة الاقتصاد القومى أو فى هيكل التجارة الخارجية لزيادة الواردات من المعدات ومستلزمات الانتاج الضرورية لأدنى جهد إنمائى مصادر الطاقة المحركة وهى اساس التصنيع وتطوير الزراعة كلها بيد الاجانب. استخراج البترول احتكار لشركات شل استيراد البترول ومنتجاته وتوزيعه شركات البترول العالمية وفروعها المحلية محطات الكهرباء الحرارية الهامة اللى بتولد الكهرباء بيد شركات فرنسية أو بلجيكية حتى المياه اللي بتدينا المياه عشان نشربها شركة فرنسية والمياه ماليه النيل بتاعنا كان للمصالح الاستعمارية الوزن الأكبر فى قطاع الماء، قناة السويس كانت دولة داخل الدولة شركات النقل البحرى والنقل النهرى يسيطر عليها الأجانب بالكامل النقل العام بالقاهرة تحكمه شركة بلجيكية. النقل الجوى يساهم فيه البريطانيون.

         الصناعة: الجزء الأكبر من الصناعة رغم نموها المحدود كان فى يد الأجانب أو مساهم فيه الاجانب والمتمصرون حتى صناعة النسيج المصرية التى أقامها بنك مصر دخلت مرحلة التعاون مع رأس المال الاجنبى. التجارة الداخلية كان للاجانب والمتمصرين النصيب الاساسي فيه. تجارة الداخل فى القطن زى ما قلت بيسيطر عليها الأجانب وهى على اية حال خاضعة لتوجيهات بيوت التصدير الأجنبية. والبنوك الأجنبية التى تمولها تجارة الجملة حتى فى منتجات الصناعة المصرية يسيطر عليها اجانب متمصرون. المحلات التجارية الكبرى فى مصر كلها محلات اجنبية بل صهيونية بالاسم علنا شيكوريل وشملا وجاتينيو كلها رغم اعتماد الاستعمار فى استغلال الفلاحين اساسا على طبقة كبار الملاك الاقطاعيين. فقد دخل بعض الاجانب أيضا إلى مجال الزراعة سنة 50 كان بين الستين شخص اللى بيملكوا أكثر من ألفين فدان ويسيطروا على 5% من اجمالى المساحة الزراعية 18 أجنبى اذا أضفنا إلى هذا العدد المتمصرين والشركات الزراعية التى يسيطر عليها الاجانب اتضح أن ملكية الارض الزراعية لم تنج من جشع الاستعمار حتى ملكية الارض الزراعية ازاء ما برز من مظاهر السيطرة الاستعمارية على اقتصادنا واسقاط محاولات الرأسمالية الوطنية غداة ثورة 19 في بناء قطاع وطني قوى فى الاقتصاد رفعت جماهير شعبنا شعار الجلاء عن مصر عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

         لقد ادرك شعبنا حقيقة الاستعمار كظاهرة استغلال اقتصادى تختفى وراء القهر السياسي والاحتلال العسكرى وكان على ثورة 23 يوليو أن تقوم بالمهمة المجيدة مهمة تحرير الاقتصاد القومي من السيطرة الأجنبية مهمة استرداد حرية الارادة الوطنية فى تشييد اقتصاد البلاد.

         الاقطاع: لقد عمل الاستعمار البريطاني منذ احتلال البلاد عام 82 على تأكيد مركز كبار الملاك الاقطاعيين وعلى زيادة عددهم فاقطعهم الاراضى المغتصبة ووزع عليهم املاك قادة الثورة العرابية وباع لهم بأبخس الاثمان أملاك الخديوى اسماعيل اللى كان

<4>