إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، أمام اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ومجلس الشعب

أيها الأخوة والأخوات

          إن ثورة 23 يوليه التي قادها جمال عبد الناصر تستحق بالفعل أصدق التهاني وأخلصها وأكثرها صفاء وحرارة. ذلك لأن هذه الثورة كانت نقطة تحول فاصلة في تاريخ الشعب المصري والأمة العربية وحركة التحرر الوطني عامة.

          ويكفينا جميعاً أن نلقي نظرة على الخريطة لكي نرى رأي العين كم كان كبيراً وعميقاً وواسعاً ذلك الأثر الذي أحدثته هذه الثورة. من الناحية السياسية كانت مصر تحت ظل الاحتلال البريطاني، وفي إطار السيطرة الاستعمارية. وقد يقال الآن أن جزءاً من تراب مصر قد تعرض لاحتلال العدوان الإسرائيلي المدعم بالإمبريالية الأمريكية. ولكن ذلك شئ يختلف تماماً عما كان. ما نحن فيه الآن معركة دولة مستقلة تعرضت لمثله دول غيرنا، بل تعرضت له القوى العظمى ذاتها. لكن المعيار الحقيقي الذي يجب أن يقاس به هو معيار تحرر الإرادة الوطنية. صحيح أن بعض التراب المصري تحت الاحتلال، ولكن الإرادة المصرية كاملة الحرية. كما أننا نمارس نضالنا بكل الوسائل بما فيها حشد السلاح لكي نطهر أرض الوطن مما شابها.

          كانت الأرض العربية كلها مقسمة بين إمبراطوريتين: الإمبراطورية البريطانية في المشرق تسيطر على العراق والأردن والكويت والخليج العربي والجنوب العربي، إلى جانب أقطار أخرى غرب قناة السويس مثل ليبيا والسودان. بينما الإمبراطورية الفرنسية تسيطر على المغرب العربي وتحتل تونس والجزائر والمغرب. ووراء هاتين الإمبراطوريتين كان الاستعمار الأمريكي الجديد يقف متربصاً لانتهاز أية فرصة تسنح له حتى ينقض وحتى يكون مستعداً إذا خلت بقعة من أرض وطننا من الاستعمار التقليدي، ليكون مستعداً أن يملأها باستعماره الجديد وفقاً لنظرية أو مغالطة ملء الفراغ.

          كانت حركات التحرير الوطني قد أجهدت نفسها على كل أرض عربية دون أن تصل إلى نتائج يعتد بها أو يحسب حسابها.. ذلك لأنها لم تغير من الأمر الواقع شيئاً. قصارى ما نجحت فيه هذه التحركات هو أنها بدلت بعض الأشكال الظاهرية والسطحية لحقيقة السيطرة الاستعمارية الكاملة على المنطقة. وفي هذا الجو جاءت ثورة 23 يوليه سنة 1952. وما حدث بعدها ماثل أمام حضراتكم تنطق به الخريطة.. فقد ارتفعت أعلام الاستقلال على كل أرض عربية. وانتصرت أمتنا في جميع معاركها بقيادة وتخطيط ثورة 23 يوليه، وإن كان يجب أن نعترف أننا خسرنا معركة ضد العدو الإسرائيلي مكنته من توسيع رقعة الأرض التي احتلها بمساعدة الاستعمار والاستعمار الجديد. وكان ذلك هو انتقامهم لهزائمهم أمام الثورة العربية. ولقد تحملنا المحنة بشرف وصمدنا في شرف، وقاتلنا في شرف، وسوف نواصل النضال بعون الله في شرف إلى يوم يتطهر فيه التراب الوطني العربي كله من جريمة الصهيونية وآثار هذه الجريمة. إن محنة طرأت لا تستطيع أن تغطي طريق انتصار طويل. بل إن طريق الانتصار سوف يمد نفسه ليجرف هذه المحنة ويمحو خطيئتها من فوق أرضنا العربية الطاهرة.

<2>