إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات في ذكرى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر

          ثم إننا نعرف أيضاً أكثر من ذلك، نعرف أن هذه الرموز تشير إلى عصر بذاته في حياة العالم الثالث كله. عصر بدأ مع المجد العظيم لحركة التحرر الوطني في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم امتد معنا ولا يزال، وسوف يظل حتى تتحقق المساواة في مجتمع الدول بين الأقوياء والضعفاء، وبين الأغنياء والفقراء. وبين السابقين إلى التقدم، وبين الذين أرغموا، بصرف النظر عن إرادتهم، إلى التخلف أو الوقوف المادي والحضاري.

          هذا بدوره يعني أن أبرز سمات وخصائص الناصرية هو حيويتها وقدرتها على الاستجابة لحركة لا تتوقف، ولمرحلة هي بطبيعتها مرحلة انتقال إنساني واسع وعميق. ومن هنا فإن الناصرية أبعد ما تكون عن التعصب وعن التحجر وعن الانعزال، بل عن الانفصال عن روح العصر، ومن هنا فإنني أقول وقد كنت رفيقاً وصديقاً وشريكاً لعبد الناصر، أننا في حاجة لعملية تحديد أراها ضرورية.

          إن الناصرية ليست مجرد دور رجل، وإنما هو رحابة الأمل في قلب أمة. إن الناصرية ليست حرفية نص ولكنها مفهوم تجربة. إن الناصرية ليست كلمات جامدة، ولكنها حياة متجددة. إن الناصرية ليست الحرف وإنما هي المبدأ.

أيها الأخوة والأخوات
          ولقد مرت علينا ثلاث سنوات عشنا فيها ما عشنا، ورأينا ما رأينا، وعملنا قدر الطاقة وناضلنا بما هو مستطاع، وما هو غير مستطاع، وأقول أمامكم بغير ادعاء إننا اجتزنا مسافة كانت محفوفة بالمخاطر، وخرجنا من مضيق أشبهه بعنق الزجاجة إلى أفق رحب ومضيء بعده، ما زالت أقدارنا على أكفنا، وما زالت مصاعبنا أمامنا. ولكننا نعلم علم اليقين، على أي أرض نقف، وبأي سماء نستظل، وإلى أي آفاق نتجه. وأحمد الله سبحانه وتعالى وقد راقبت وواكبت التجربة، أنه ملأ قلوب أمتنا بالعلم والإيمان.

          ولو أننا استعرضنا مراحل ما مر بنا، ومراحل ما مررنا به، لعرفنا أكثر ولأدركنا يقيناً أن عناية الله سبحانه وتعالى كانت مع هذه الأمة.

          لقد كان أول ما واجهناه بعد جمال عبد الناصر، أن هناك من ظنوا، قريبين منا وبعيدين عنا، أن الدولة التي بناها جمال عبد الناصر سوف تسقط من بعده، كانت تلك فترة أحزان نبيلة، ولكنها أيضاً كانت فترة همم وعزائم كالجبال الراسيات.

          لقد وقفت أمتنا كلها وقفة لا تعادلها في تاريخها كله وقفة، وتم الانتقال بالثبات كله، بالجلال كله، أثبتنا أن الرجل كان بالأمة، ولم تكن الأمة بالرجل. وهذه هي شهادة للاثنين معاً. أثبتنا أن البطل كان ظاهرة عبرت عن الأمة، وقد غابت الظاهرة ولكنها تحولت إلى رمز قادر على الإلهام، حتى وإن ابتعد عن الدنيا.

<2>