إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات في ذكرى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر

أثبتنا أن الأمة هي الأصل، وهي الأساس، وهي المصدر، وهي الينبوع الذي لا ينضب أبداً. وهذا ما يجب أن يكون وهذا ما كان فعلاً.

          أثبتت إرادتنا أنها أقوى من الصدمات، وأنها أقوى من المحن. أثبت أملنا أنه أبقى من الحزن، وأبقى من الألم. وهكذا الأمم الحية سيدة مصيرها وصانعة قدرها.

          كان ثاني ما واجهناه بعد عبد الناصر أن نفراً من بيننا شاءت لهم أحلامهم أو أوهامهم أن يتصوروا أن تراثه قد أصبح لهم إرثاً، وأسوأ الإرث هو إرث السلطة. كانت السلطة في يد جمال عبد الناصر أداة اجتماعية، وبغير المضمون الاجتماعي فإن السلطة تصبح أداة إرهاب وبطش، وهذا حدث.

          وحينما تحملت مسؤوليتي في 14 و15 مايو سنة 1971، فإنني لم أكن طرفاً في صراع على الحكم، على العكس إنما كنت أقصد إلى وضع الأمور في مكانها الصحيح. كنت أقصد إلى وضع خط فاصل دقيق وحازم بين التراث والإرث، بين السلطة بمضمون اجتماعي، وبين السلطة تسمعاً على الناس وتصنتاً ودساً وتجسساً وسجناً واعتقالاً.

          وكانت وقفة الشعب في هذين اليومين العظيمين في تاريخ مصر الحديث كوقفته في يومين عظيمين كبطل في 9 و10 يونيه 67 تأكيداً لمعانٍ وقيم لا بد لها من أن تترسخ وتتأكد. ليس ما يقال وإنما ما يمثله ما يقال. المبدأ في الرجل وليس مجرد اسم الرجل. الفكرة وليست السلطة، الرمز الحي وليس الشعار الأجوف. الحق الذي يراد به الحق وليس الحق الذي يراد به الباطل.

          كان ثالث ما واجنهاه بعد عبد الناصر طمع الطامعين من هنا وهناك. دول وقوى تصورت أن الجو خلا لها وأنها تستطيع فرض سيطرتها علينا، عودة إلى أحلام قديمة أو جرياً وراء أحلام جديدة. ولقد أدركنا أن الاستقلال الوطني إرادة وليس الاستقلال الوطني مجرد تراب. ولقد تكون أجزاء من ترابنا تحت الاحتلال ولكنه ليس هناك جزء واحد من إرادتنا قابل للاحتلال.

          إن إرادة الحرية تظل حية بإرادة الأحرار وبقلوب وبعزائم. ولقد جعلنا الكل -دولاً وقوى- يفهمون ذلك وأظنهم قد فهموه. وكان من هنا بالدرجة الأولى صراعنا العنيف مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أرادت أن تستغل رغبتنا المخلصة في السلام وتحولها، بل وتلويها لتجعلها استسلاماً لنا على استعداد لقبوله اليوم أو غداً أو بعد غد وحتى إلى الأبد.

          وإنكم لتعرفون وتعرف أمتنا كلها تفاصيل ذلك كله، ومن تفاصيل غيره ما يغنيني اليوم عن العودة إليه بأكثر من الإشارة العابرة.

<3>