إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          هناك أيام في حياة الأمم لا تقاس بوحدات الزمن، وانما تقدر بوزن ما تفتحه من آفاق وما تتيحه من آمال، وما تلهمه من أفكار وما تلهبه من عزائم، وهى بطبيعتها أيام نادرة لا تعرض للامة الواحدة الا مرة كل عشرات من السنين. والأمم الجديرة بالتقدم والازدهار هى تلك التي تعرف كيف تمسك بالفرصة التى لا تتكرر لكى تشق ما انفتح أمامها من طرق، وتحيل بعملها ما يلوح من أمل الى واقع حى، وتجعل من مجدها صفحات مشرقة من تاريخ البشرية ولا تتركه ومضة خاطفة ليس لها من غد.

          لقد أراد اعداء مصر، أعداء التحرر والتقدم، بعدوان 1967 ابعاد مصر عن مسيرة التقدم، وعزلها عن الأمة العربية مستهدفين أن تنزوى على نفسها تطحنها مشكلات داخلية حقيقية أو مصطنعة فتنسى ماضيها أو تتنكر لرسالتها، وهى التي تهيأ لها من الوقع الجغرافى والطاقات البشرية والتراث الحضارى والروابط القومية ما يؤهلها لتكون في الطليعة بين شعوب العالم المناضلة من أجل الحرية والتقدم والسلام والرخاء.

          وكانت حرب أكتوبر الخالدة هى رد شعب مصر العظيم من خلال أمته العربية المجيدة وبها، وكان ردا على مستوى مصر، تجاوزت آثاره قضيتنا المباشرة لتغير اوضاع المنطقة كلها وتنعكس على الأوضاع العالمية ذاتها.

          حقا أن العالم بعد أكتوبر 1973. كما قلت في مناسبة سابقة، غير العالم قبله.

          كانت إسرائيل بعد 1967 هى القوة المتحكمة في المنطقة، وكان الظن السائد أن العرب لايملكون تغيير هذا الوضع، وكانت السياسات العالمية ترسم وفقا لهذا الفهم. ثم فوجئ العالم كله بقواتنا المسلحة.

تعبر القناة..

          وتحطم خط بارليف...

          وتخوض أضخم معارك الدبابات فى التاريخ في تلاحم كامل مع شقيقتها القوات المسلحة السورية وتكبد العدو أفدح الخسائر..

          والعرب تتوحد كلمتهم دفاعا عن حقهم المشروع.

          وكل القوى المحبة للسلام والعدل تلتف حول القضية العربية.

تغيرت الصورة رأسا على عقب، وأصبح من المتعين على كل الأطراف أن تعيد النظر في سياساتها وفقا للاوضاع الجديدة التي صنعتها دماء الشهداء وتضحيات الأبطال وما سبق ذلك وواكبه وتلاه من تخطيط عسكرى وعمل سياسى ممتاز.

          ان شعبنا العظيم قد خاض تجربة الهزيمة، وعاش سنوات المرارة والتمزق...

          وعاش أيضا تجربة صنع النصر...

          وما كان لهذا كله أن يحدث دون أن نستمد منه طاقات جبارة لبناء مستقبل سعيد.

          لقد كانت سنوات الهزيمة فرصة لامتحان قاس للضمير، ناقشنا فيها أنفسنا، ووضعنا كل جوانب العمل الوطنى تحت مجهر النقد، واستبد بنا التمزق حتى ظهر فى الأفق بعض الاتجاهات الانهزامية تشكك فى كل شيء، وتهون من قدرات هذا الشعب العظيم..

          واسمحوا لى أن أذكركم فى هذا المقام اننى قلت ونحن في ليل الهزيمة فى خطابى بمناسبة عيد أول مايو 1971:

          ((ان علينا أن نجعل من الهزيمة نقطة انطلاق لبناء دولة جديدة)).

          ولم يكن قولى هذا ضربا من التعلل بالآمال، ولكنه كان مبنيا على الايمان العميق بالشعب وصلابته وتفانيه وقدراته الخلاقة، وعلى تقدير موضوعى لتجربتنا الثورية اقنعنى انه بتصحيح مسار الثورة، وتصفية سلبيات التجربة، يمكن أن نبنى بناء شامخا.

وبنفس هذه الثقة، وضد كل دعاوى الهزيمة، وبتجاوز لكل التقديرات المتشائمة، وباحساس عميق بالمسؤلية أمام جماهير الشعب التي التفت من حولى، وبالاشتراك مع أخى رئيس سوريا،

<1>