إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

اتخدت قرارى بانهاء حالة اللاسلم واللاحرب، وأصدرت أوامرى للقوات المسلحة المصرية التي كانت تتلهف لتلقيها، فاندفع الألوف من شباب الفلاحين والعمال والمثقفين يملأ الايمان قلوبهم ويحكم الفداء حركتهم.

          وكان القتال المجيد الذى أثبت للعالم كله قدرة القيادة على التخطيط الممتاز والاعداد الدقيق، وقدرة المقاتل المصرى على السيطرة على الأسلحة الحديثة واستخدامها الاستخدام الفعال جنبا الى جنب مع شجاعته النادرة.

          وفى لحظات، كانت مصر كلها خلف القوات المسلحة، يتبارى كل أبنائها فى البذل والعطاء، فى هبة تلقائية لم تترك فردا الا وجذبته. "فاجأ هذا الشعب - الذى اشتهر بحبه للسلام - الأصدقاء والأعداء بقدرته الرائعة على أن يتحول فى لحظات الى شعب مقاتل، لا يتردد امام تضحية، ولا يجفل أمام خطر، ويتبنى كله شعار القوات المسلحة: ((النصر أو الشهادة)).

          ولذلك فانه من الخطأ الجسيم ان نقول عن العبور الظافر أنه معجزة، لأن المعجزة بطبيعتها أمر خارق يفوق الطاقات العادية للبشر ولايمكن تكراره وأنما يجب أن ننظر اليه على انه ذروة للعمل الوطنى علينا ان نتمثل دروسه، لكى نتخذه نمطا ترتفع الى مستواه كل جوانب العمل الوطنى.

          ان أعظم تقدير لايام القتال المجيدة ليس التغنى بها، وأنما استلهام معانيها لكى نحرز فى مختلف مجالات العمل الوطنى ما احرزنا من نجاح في العمل العسكرى.

          ليكن شعارنا دائما أنه ما دمنا قد استطعنا فى ساحة القتال، فانه يجب أن نستطيع بنفس المستوى فى كل مجال.

          أن المقاتلين هم صفوة من أبناء هذا الشعب. وما صنعوه فى مواجهة العدو الشرس الغادرالمدجج بالسلاح يستطيع بناء هذا الشعب أن يصنعوه فى مواقع الانتاج والخدمات، لنقهر التخلف ونتخلص من السلبيات الموروثة ونؤكد بالانجاز أن مصر اكتوبر هى مصر المستقبل.

          ان النصر فى أكتوبر لم يكن مصادفة، ولم يحدث فى غفلة من الزمان كما يريد العدو أن يوحى، وأنما هو ثمرة عوامل كثيرة وأصيلة تجعله أمرا واردا وطبيعيا وليس حدثا فريدا.

ويهمنى أن أذكر من تلك العوامل ما يلى:

1 - الوطنية المصرية:

          ان هذا الشعب قد عاش على هذه البقعة من الأرض يبنى الحضارة لخير البشرية منذ سبعة آلاف عام. توحدت صفوفه منذ فجر التاريخ حتى خلا تاريخه من الحروب القبلية والاقليمية والطائفية. تفتح بصفة عامة على العالم من حوله فأخذ بكل جديد نافع للناس، ولو انغلق على نفسه لعاش فى عزلة قاتلة ولذوت حضارته واندثرت كما اندثرت حضارات كثيرة، ولكنه كان يتلقى كل جديد فيعيد صياغته ويضيف اليه ويضفى عليه الطابع المصرى الخاص.

          ولو لم يفعل ذلك لما احتفظ بشخصيته المتميزة والمستمرة عبر كل التطورات الحضارية التى عاشها. اننا شعب عريق وأصيل، جعل من وطنه أرض السلام والتسامح، وطوع أوضاعه لضرورات التقدم بعيدا عن التعصب البغيض والحقد القاتل والصدام الدموى، لذلك أحب مصر كل من عاش على أرضها وارتوى من نيلها مهما يكن وضعه فيها.

          لقد تعرضت بلادنا للغزو مرات كثيرة، ولكن لم ينجح احد فى أن يطمس حضارتها أو يذهب بمعالم شخصيتها، حتى أولئك الذين نجحوا فى حكمها، سرعان ما كانت تستوعبهم حضارتها، ويمتزجوا بشعبها، ويصبحوا جزءا منه لا يتجزأ.

          أو تلفظهم مصر ولو بعد حين..

          من هذا الماضى المجيد تكونت الوطنية المصرية الجياشة التى لا تعرف التعصب أو التعالى ولكن تجيد الفداء صونا للأرض ودفاعا عن الحق، وتأمينا للبناء والتقدم.

<2>