إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد الاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

الانسان المصرى

          ان هدفنا الأسمى من هذه الاستراتيجية الحضارية الشاملة، فى هذه المرحلة التي تنطلق فيها روح رمضان اكتوبر العظيم الى مهمة التقدم والبناء، هى أن نقيم فى بلادنا الدولة العصرية والمجتمع الحديث، حتى يستطيع شعبنا ان يحقق من خلالهما ذاته، وينمى طاقاته الخلاقة.

          ولا يجوز لنا ان نتهيب لحظة واحدة هذه الرحلة التى لا مفر منها الى المستقبل العريض.

          وكما ان الإنسان المصرى هو فى النهاية هدف هذا التقدم، وهو فى البداية وسيلة هذا التقدم، فان هذا الإنسان المصرى نفسه، هو الضمان.

          هو الضمان لأن ننطلق الى هذه الرحلة، آخذين بأحدث معطيات العصر فى شتى المجالات، دون ما خشية من أن نفقد خلال هذه الرحلة هويتنا، او ننقطع عن اصالتنا، او ننسى الفضائل التى كان هذا الشعب دائما يعتز بها ويمجدها...

          فهذا الشعب كما اقول دائما يحمل فى اعماقه قيم حضارات عمرها سبعة آلاف سنة. وكانت تلك الحضارات تنهض به وتكبو، تنطلق وتنقطع، تتغير وتتجدد، ولكن الشعب كان يعرف في النهاية دائما كيف يخرج من هذه الامتحانات كلها محتفظا بخصائصه الأصيلة، وفطرته الصافية السليمة.

          ان من يكتفى بقراءة العناوين، يجد اسماء مختلفة لحضارات متعاقبة، ونظم شتى، وحكام جاءوا احيانا من أقصى انحاء الأرض... ولكن من يتعمق وراء ذلك يجد تلك الصفة العجيبة: وهى الوحدة الكامنة خلف كل تلك الحضارات المتعاقبة.

          ولقد مرت على هذا الشعب قرون بكاملها، كان فيها لا يكاد يملك شيئا من أرضه، ولا من رأيه، ولكنه بقى مع ذلك محتفظا بشخصيته المتماسكة، وبنسيجه الوطنى المنسجم يفنى فيه غزاته ومستغلوه.

          وكانت صفته المميزة على الدوام، والى كانت تجعله قادرا على هذا الاستيعاب العجيب لهؤلاء الغزاة والمستغلين، هى انه كان دائما شعبا صانعا للحضارة، بانيا للعمران.. ولم تكن المهارات التى قدمها للدنيا ابدا من مهارات الغزو والتدمير، بل من مهارات البناء والتعمير....

          وليس ادل على هذه الخصائص ذات الجذور العميقة، من أن هذا الشعب كان يمر بالأحداث والتغيرات العميقة محتفظا بدرجة نادرة من الوحدة الوطنية والانسجام القومى، ما زالت مضرب الأمثال فى العالم.

          وأن التحولات السياسية والاجتماعية الكبيرة التى لابد منها فى مراحل معينة من حياة كل أمة حية، كان يسودها طابع التحول السلمى لا الدموى، وكان الشعب ينجزها ويتجاوزها ثم لا يلبث ان يضم جناحيه بعدها على كل ابنائه.

          حتى نظم الاستعمار والغزو التى نجحت فى مناطق أخرى فى ان تفرق وتقسم، لم يكتب لها هذا النجاح فى مصر قط، بل ظل تكاملها الشعبى والوطنى والجغرافى فوق كل نزاع.

          وقد كانت هذه الصفات ذاتها، هى التى مكنته من اداء دوره التاريخى فى مساندة الأمة العربية التى ينتمى اليها، ورد الغزوات عنها، واحتضان قيمها وتراثها، فى ظروف المحن والغزوات والتمزقات.

          كذلك فقد كان من أبرز صفات هذا الشعب دائما تمسكه بالإيمان، واعتزازه بالأصالة.

          اما الإيمان، كما نفهمه اليوم، فهو ذلك الإيمان النقى الخالص، البريء من التعصب، والمتطهر من تلك الشوائب التى علقت بجوهره فى عصور الاضمحلال، البعيد عما ينسب اليه زورا من روح التواكل التي لا تعرف المسئولية، والتعلق بالخرافات، ونفى دور ارادة الإنسان وإرادة المجتمع

<24>