إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد الاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 - 253"

في أن يواجه أمور حياته المتجددة، مستعينا بما أودعه الله فيه من عقل، ميزه به من سائر المخلوقات.

          وقد علمنا محمد رسول الله هذه المعانى في قوله:

           مثل المجاهد فى سبيل الله كمثل الصائم القائم، لا يفتر عن صلاة ولا صيام، حتى يرجع.

          وليس الجهاد فى سبيل الله هو القتال وحده. فقد قال قال لنا رسول الله ايضا:

           من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع.

          بل وعلمنا الجهاد بمعناه الاجتماعى العميق بقوله صلوات الله عليه:

           الساعى على الأرملة المسكين، كالمجاهد فى سبيل الله.

          وليس أخطر على هذا الايمان فى معدنه الحقيقى من الذين يجعلون منه نقيضا للعمل والبحث والعلم.

          فالله عز وجل قد وضع طلب العلم في مستوى الجهاد في سبيل الله، وجعله قرينا للايمان، حين قال سبحانه وتعالى:

           يرفع الله الذين آمنوا منكم، والذين أوتوا العلم درجات.

          أما عن الأصالة، فان التمسك بها لا يسد أمامنا باب التجديد. وقد كان للمجددين دائما شأنهم الرفيع عبر تاريخ حضارتنا الطويل. وحقنا في التصرف فى أمور دنيانا وظروف ايامنا، ليس أقل من حق أسلاف عظام لنا جددوا وابتكروا وتصرفوا في أمور دنياهم واحوال ايامهم.

          ان التجديد الجذرى ليس بالضرورة منقطع الجذور عن التراث القومي والحضارى والروحى للشعب.

          ونحن لا نقول بهذا عن رغبة في التميز أو الاستعلاء. ولكن لأنة، نؤمن من استقراء التاريخ ان المناطق ذات التراث الحضارى العميق لا يمكن بحكم الطبيعة ان تنطمس هويتها تحت اى ضغط. ونؤمن بأن انطلاقنا من هذه الجذور يحمى بالنسبة لها وبالنسبة لغيرنا ذلك التنوع في الحضارات والشخصيات، الذى يثرى بتعدده العالم ويغنى تجاربه.

          ولست هنا أعرض مفاهيم جديدة. ولكنى فقط أذكر بمعان قد استقرت فى ضمير هذا الشعب. وفى أعماق وجدانه حيث لا يمكن ان يزعزعها شيء. وبانه من هذه المعانى، قولى بأن الإنسان المصرى بعراقته واصالته هو الضمان لنا فى ان نقطع هذه الرحلة نحو المستقبل دون أن نفقد من هويتنا شيئا.

          ان من ابرز آثار الثورة التكنولوجية فى عالم اليوم، ذلك التقدم الهائل فى وسائل نقل الأفكار والمعلومات والتيارات وانماط السلوك المختلفة، عبر الحدود القومية لكل المجتمعات الانسانية على السواء، وبالتالى سقطت الحواجز القديمة العازلة بين بيئة وبيئة وبين مجتمع ومجتمع، وفى وجه هذا التحول الثورى المتزايد، لا يمكن ان تكون حصانتنا ازاء هذا الانفتاح والاتصال الا من داخلنا. ولا يكون الحفاظ على هويتنا بالانكماش والجمود والضعف، ولكن بدرجة التقدم التي نحرزها، بالأسلوب السليم الذى يستمد حيويته من قدرتنا على التجديد، وثباته من تمسكنا بالأصالة.

          وبهذا المعنى فان عملنا من أجل أن نبنى فى بلادنا مجتمعا عصريا ودولة حديثة، لا يعنى النقل والتقليد.

          اننا قادرون على أن نصنع بأنفسنا ولأنفسنا حضارة عصرية ذات طابع مصرى وعربى أصيل، نحن ترفض ان تكون الأصالة نظرة الى الوراء تقدس الماضى لأنه الماضى وترفض التجديد. فليس كل ما كان فى الماضى مشرقا ولكن فيه بعض عناصر التخلف. ونحن نرفض من جهة اخرى أن نمسخ شخصيتنا القومية باسم محاكاة المظاهر المادية أو السلوكية لمجتمعات أخرى.

          ان التحدى الحقيقى المطروح أمام الشعوب العريقة التى تواجه مشكلة التقدم الحضارى هو بالدقة كيف تجدد حضارتها، فلا تلفظ الماضى باسم الحديث، ولا ترفض الحديث باسم الماضى، وانما تأخذ بأسباب التجديد دون أن تفقد الأصالة.

<25>