إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد الاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 - 253"

         ان الدولة الحديثة والمجتمع العصرى ليسا في مظاهرهما المادية فحسب، ولا يتحقق بناؤهما بمجرد اقتناء أحدث السلع والمنتجات.

         ان العصرية هى أن تعرف أولا الترتيب السليم لاولوياتنا فيما يلزمنا من هذه الادوات قبل غيره. ثم هى في أن نوجد المؤسسات والنظم والعلاقات التي تحول هذه الأدوات في الأيدى العربية من أدوات صماء مستهلكة، الى أدوات خلاقة منتجة، ثم هى بعد ذلك فى ان نخلق البيئة المناسبة، ودرجة التطور اللازمة، التى تجعلنا قادرين على الابتكار والابداع. وبالتالى على المساهمة الحقة في الحضارة الانسانية.

         اننا لا يمكن أن نزرع العلم فى بيئة غير علمية، ولا أن نقطف ثمار البحث في جو ضيق بحرية الباحثين.

         اننا لابد أن نتمسك بقيمنا، الروحية والأخلاقية في مواجهة موجة الاستمتاع المادى التى تعرفها مجتمعات الاستهلاك الغنية، لأن تلك القيم هى من السمات الاصيلة لحضارتنا، ولان المجتمعات التى تجاهلتها تعرف الشقاء النفسى وسط الوفرة المادية، اننا نتمسك بقيم التكافل الاجتماعى وتماسك الأسرة وسيادة مشاعر المحبة ونبذ الاحقاد. فقد كانت تلك القيم هى العاصم لهذا المجتمع فى احلك الأوقات. وهى السياج ضد نزعات الفردية المطلقة، وانعدام المسؤلية الاجتماعية، التى تفكك المجتمع وتسلب الانسان مشاعر ما احوجه اليها.

         كذلك فاننا نرفض أن يكون التقدم لصالح قلة تنعزل عن الجماهير، وترتبط بأساليب حياة غريبة عنها، ونريد ان تشارك أوسع الجماهير في صنع التقدم وفى الاستفادة العادلة من ثمراته.

         وفى الختام، لعلكم تلاحظون أن هذه المعاني التي أشرت اليها لم تكن بعيدة عن منطلق ممارستنا فى السنوات القليلة الماضية.

         لقد كان هدفى أن يكون شعار دولة العلم والايمان حقيقة وليس مجرد كلمة، وكان جهدى ان نقيم دولة المؤسسات، وان يمارس المواطنون نشاطهم في سياج من سيادة القانون. ولم أتردد في ان يتم التخلص من كافة الاجراءات الاستثنائية بالتدريج وأن تغلق كل المعتقلات أبوابها بعد ما يقرب من أربعين سنة من وجودها فى ظل مختلف الظروف واننى لواثق من وجودها في ظل مختلف الظروف واننى لواثق من الأيام. وما زال هدفى ان لا تكتفى الدولة بتحرير طاقة أبنائها عن طريق ازالة السدود والقيود، بل أن تتقدم أيضا الى رعايتهم وحمايتهم، بتوفير مظلة من الضمانات الاجتماعية الشاملة. وتوسيع قاعدتها باستمرار، حتى يأتى ذلك اليوم الذى يستظل فيه بظلها كل فرد.

         اننا يجب ان نفهم الاشتراكية بالعقل وبالقلب معا. ولذلك لا يجب أن ننقطع عن التفكير فى جماهيرنا الأكثر حرمانا وفى وسائل توفير أكرم سبل العيش والأمان والتقدم لها. فالامم تقاس بمستوى قاعدتها العريضة لا بمستوى قممها القليلة.

         وقد كنت اعرف أن هذا كله لابد ان يحمل معه حركة أكبر للآراء والأفكار والاجتهادات. ولكننى كنت اؤمن ايضا أن هذا أمر مطلوب وصحى وانه الطريق الوحيد لتربية جماهيرنا على الفكر والحوار والمشاركة من خلال ما ارتضيناه من مؤسسات. كما اننى كنت واثفا من أن فطرة شعبنا السليمة، التى هى مصدر وعيه السياس الحساس سوف تكفل لنا ان نمارس هذه التجربة من النضج الديمقراطى في سلام.

         نحن نعلم أن الديمقراطية ليست مجرد نصوص ولكنها ممارسة عملية ويومية. والديمقراطية لا تمارس فى فراغ، بل لابد من اطارات تتحدد من خلالها الاتجاهات التى تخص أمور الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولقد ارتضى الشعب نظام تحالف قوى الشعب العامل اطارا لحياته السياسة. واننا في معركة البناء والتقدم لأحوج ما نكون لهذا التجمع. ومن ثم فاننى أرفض الدعوة الى تفتيت الوحدة الوطنية بشكل مصطنع عن طريق تكوين الأحزاب. ولكننى أيضا لا أقبل نظرية الحزب الواحد الذى يفرض وصايته على الجماهير ويصادر حرية الرأى ويحرم الشعب عمليا من ممارسة حريته السياسية. ولهذا فاننى حريص على أن يكون التحالف اطارا صحيحا للوحدة الوطنية تعبر من داخله كل قوى التحالف عن مصالحها المشروعة وعن آرائها بحيث تتضح الاتجاهات التى تحظى بتأييد الأغلبية والتى يجب أن تتبناها الدولة. أن التنظيم السياسى يجب أن يكون بوتقة للحوار تنصهر فيها الأفكار المتعارضة وتتبلور الاتجاهات التى تعبر بحق عما تريده القاعدة الشعبية العريضة. ان حرب

<26>