إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

         كان لابد أن يشعر كل مواطن أنه مسئول عن أقدار بلاده بقدر مسئولية سواه، وأن قضاياه الاساسية تناقش أمامه علانية، وانه لا توجد وصاية تمارس عليه فى الخفاء.

          كان لابد أن يزول الخوف، وأن تختفى بذور الشك، وأن تتراجع الحزازات والاحقاد، وان يحس كل فرد أنه آمن على يومه وغده، على نفسه وأهله ورأيه وماله..

          كان لابد أن يعرف كل مواطن أن الحرب التي هو مقدم عليها، لن تحرر أرضه فقط، ولكنها سوف تحمل له حياة أكرم وأرحب، وقيما أعلى وأرفع، كما سوف تحمل له أملا فى ان يتطلع بحق الى مزيد من الديمقراطية، لن تتحقق له كاملة الا فى وطن قوى عزيز متحرر.

          لهذا لم تقف حركة التصحيح عند حد تنحية مراكز القوى عن الطريق، ولكنها انطلقت الى تحقيق جوهرها الأهم، بالعمل على ارساء سيادة القانون، واعزاز كلمة القضاء، واقامة دولة المؤسسات ووضع الضوابط التى يعرف المواطن من خلالها حقوقه وواجباته بوضوح، ويمارسها فى طمانينة.

          ورغم أن حركة التصحيح، كان لابد ان يقترن بها ما يحدث مع كل خطوة لازالة السدود والقيود، من مناقشات وتيارات وانفعالات، ونحن لا نزال فى ظروف الحرب، الا أننى كنت واثقا من أن ايجابيات هذا الوضع أكثر من محاذيره، وان الوحدة العميقة لهذا الشعب، خصوصا فى ساعات الخطر، سوف تصمد للتجربة، بل سوف تزيدها هذه التجربة مناعة وقوة.

          5 - وضوح الرؤية وتحديد الهدف:

          أن الحرب هى أخطر قرار يمكن أن يواجه قيادة سياسية أو يفرض نفسه على أمة بأكملها، وهى اقسى امتحان يمر به أى مجتمع. ذلك أن ما تخلقه الحرب فى ايام أو شهور من نتائج، ينعكس على حياة الأمة لعدة أجيال وقرون.

          وبالذات، وفى عالم اليوم بحروبه الحديثة الخاطفة، وعلاقاته المعقدة، وموازين القوة المختلفة فيه، وسرعة تلاحق الأفعال وردود الأفعال، وقيمة اللحظات والثوانى خلال غبار المعركة الكثيف.. لابد أن يخضع قرار الحرب لحساب دقيق، وينطلق من عزم قاطع ووضوح فى الرؤية شديد، والمام بعشرات من العناصر العسكرية والسياسية والاقتصادية والنفسية.. المحلى منها والدولى على السواء.

          أن هذه كلها اشياء لا تقل فى تأثيرها على نتيجة الحرب، من قرار بدء القتال ذاته.

          ومع ذلك، فقد سيقت الأمة العربية إلى الحرب مع اسرائيل عدة مرات خلال ربع قرن من الزمان دون أن يكون لهذه الحسابات المستندة الى الواقع وجود، ودون تحديد مسبق لهدف الحرب وغايتها وكل الاحتمالات التى قد تصاحبها. ولذلك كان لابد أن يقع ما وقع مرة بعد مرة، وكان لابد ان يحرم الجندى العربى من فرصة المواجهة الحقيقية فى ساحة القتال.

          وحين نسترجع صفحات ربع قرن من المواجهة العربية الاسرائيلية، نجد كيف ان التفكير العربى العام قد تحكمت فيه بلبلة شديدة عبرت عنها ظواهر كثيرة، من استهتار لا مسئول بقوة الخصم وقوة الذين يساندونه، الى مغالاة مبالغ فيها لهذه القوة وتهيب لها، الى صراعات بين القوى والنظم والتيارات فى العالم العربى، كانت المواجهة مع اسرائيل تستخدم فيها كورقة من أوراق التناحر والصراع.

          كانت المواجهة مع اسرائيل محل مناظرات مستمرة، بدلا من ان تكون محل دراسة وتخطيط حقيقيين. وتحولت القضية الفلسطينية المقدسة من قضية مصير للأمة العربية كلها الى مجرد بند في كل ورقة اتهام يوجهها حكم الى حكم او حزب ضد حزب.

          وفى هذا الجو المحموم، تبددت أكثر من مرة امكانية ايجاد تصور عربى مدروس لاستراتيجية بعيدة المدى فى مواجهة اسرائيل، وانفسح المجال امام المزايدات والمناقصات والتحريض والتنصل، أما الثمن فكان يدفعه الفلسطينيون النازحون أو الرازحون تحت وطأة الاحتلال، بل وتدفعه الأمة العربية بأسرها.

          وكان من شأن هذا الوضع أنه جعل زمام المبادرة دائما فى يد اسرائيل، سياسيا، وعسكريا واعلاميا وكنا نحن الذين نؤخذ دائما على غرة.

<5>