إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



كلمة الرئيس أنور السادات، فى مؤتمر شعبي أقيم فى مدينة السويس ، بمناسبة زيارة الرئيس للقناة، 4/ 6/ 1974
المصدر: الأهرام، القاهرة، 5/ 6/ 1974 "

بسم الله

         ان مدينة السويس الباسلة لم تحارب سنة 67 وسنة 73 فقط. ولكنها حاربت طوال هذه المدة بغير انقطاع .. لقد كانت السويس طوال أكثر من 6 سنوات هى الهدف السهل بالنسبة للعدو فلم يكف لحظة عن ضربها، ومهاجمتها والحاق الدمار بها سواء خلال المعارك ،أو كلما أراد أن ينفس عن نفسه فيصب جام غضبه عليها، وقد استفاد العدو فى هذا المجال من مزايا الموقع الجغرافى التى سهلت له اقامة مدفعيته البعيدة المدى فى مكان يستطيع أن يضرب منه وهو آمن، فلم يكف عن ضرب السويس وبورتوفيق كلما شاء أن يلحق بنا ضررا ماديا أو معنويا حتى بلغت نسبة الدمار هنا فى السويس درجة لم تصل اليها فى أى مدينه أخرى من مدن القنال.. لقد رأى العدو فى السويس أحدى القلاع الصناعية الحديثة التى أقامتها الثورة بالعديد من المصانع الضخمة فأراد أن يدمرها اقتصاديا. وظن العدو أن سكانها سوف يظلون رهينة فى يده. يرهبنا بضربهم ويؤثر فى الروح المعنوية للشعب كله عن طريق القتل والتدمير. وحين اتخذنا ذلك القرار الصعب باجلاء سكان السويس ومدن القناة لم يكن هذا القرار قرار انسحاب، بل كان قرار مواجهة. كان قرارا معناه تحويل هذه المدن العزيزة الى ساحة قتال، كان قرارا معناه اننا نرفض الرضوخ واننا سنواصل الحرب وان شعبنا لن يبخل فى هذا المجال بأى تضحية أو مشقة.. على أن مدينتكم الباسلة عرفت أعظم أيام حياتها عندما تسللت قواته خلال حرب أكتوبر الى الضفة الغربية ثم أستغلت وقف اطلاق النار لكى تنتشر فى أوسع دائرة ممكنة ولكن الجائزة الكبرى التى كان العدو يريد الحصول عليها من تسلله كانت مدينتكم.. كان العدو يريد أن يحصل على السويس بأى ثمن ومهما بذل من تضحيات.. كان العدو يرى أن استيلاءه على السويس باسمها الكبير فى العالم هو العمل الوحيد الذى يمكن أن يرد لقواته اعتبارها ويحجب عن العالم حجم هزيمته وحجم انتصارنا، ولقد كانت الأوامر الصادرة الى قواتهم ان يستولوا على السويس بأى ثمن.. هجموا عليها بكل ما نعرفه لهم من مدفعية وطائرات ودبابات.. وعندما وصلوا الى مشارفها أرادوا أن يسبقوا الزمن فأعلنوا رسميا احتلالهم لها وظنوا فى احدى اللحظات أن احتلالهم فعلا ليس الا مسألة ساعات، لم يتوقعوا أبدا أن يواجهوا ما واجهوا.. لم يتوقعوا أبدا أن تكون أوامرنا أيضا هى منع استيلائهم عليها مهما كان الثمن.

         وأن يكون تصميمنا على هذا كفيلا بأن حطم تصميمهم وغرورهم.. لم يتوقعوا أن يحدث ذلك الالتحام التاريخى بين القوات المسلحة وقوات الشرطة وجماهير الشعب فى مقاومة شرسة وعنيدة وفى استعداد للاستشهاد لا مثيل لها.. كان هذا هو امتحانهم الأول ليس مع الصحراوات المفتوحة، ولكن مع أرضنا المسكونة وشعبنا العريق، وها هو العالم يرى كيف تحولت مداخل السويس الى مقبرة لدباباتهم وجنودهم وكيف تكسرت هجماتهم الواحدة تلو الأخرى على صخرة الارادة الوطنية التى لا تلين. وكيف أنبت الشارع المصرى بطولات كاملة فى أعماقه أظهرتها ساعات الامتحان التاريخى. ان ملحمة السويس الخالدة سوف ترويها الكتب والأبحاث وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل.. ان مدينة السويس لم تدافع عن نفسها فقط.. ولكنها كانت تعبر عن بطولة كل مدينة وكل قرية فى ارض مصر وكانت تعرف أنها تحمل فى عنقها اسم الشعب المصرى كله.

يوم 24 أكتوبر.. عيد قومى لمصر

         من أجل هذا فان دين كل مدينة وكل قرية فى مصر نحو مدينة السويس دين لا ينسى ولابد من الوفاء به، لقد طلب أمين الاتحاد الاشتراكى أن يكون يوم 24 عيدا قوميا للسويس وأنا أقول أن يوم 24 أكتوبر عيد قومى لمصر وسيجرى الاحتفال به فى كل أنحاء مصر وستعطل دوائر الدولة فيه كعيد من الأعياد الرسمية.

         واليوم.. أيها الأخوة والأخوات. وأنا أبحث مع النائب الأول مشاكل العودة، مشاكل تسهيل أموركم وعودتكم. فقد اتخذت قرارات أرجو ان تنال قبولكم وسيتلوها عليكم الآن الدكتور حجازى وبعدها سأعود الى الحديث معكم.

         كان بودى أن أستجيب لكل طلباتكم وأن أعيد المهجرين فى 24 ساعة. كان بودى ولكن زي ما قلت لكم في ورقة أكتوبر معركة التعمير لا تقل صعوبة عن المعركة، معركة العبور اللي إحنا عملناها لازم كلنا بقدر ما نستطيع نتحمل وفي مرحلة من المراحل نستطيع أن نعمل تيسيرات فيها بنعمل تيسيرات علشان نبني بناء سليم وعلى أساس سليم.

         بالنسبة لعودة المهجرين أنا معكم تماماً في ضرورة سرعة العودة وأنا باقول هذا الكلام وسامعنى المهندس عثمان وعلى ذلك أنا باحدد تاريخ وهو آخر هذا العام اخر 74 على أن تشتركوا كلكم وياه علشان ننجز هذه المهمة وتعود السويس إلى حالتها الطبيعية ويعود أهل السويس إلى مدينتهم لأنى أعرف تمامآ تعلق أهل السويس بالسويس وتعلقي أنا شخصيآ بالسويس.

         أدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن يرعى خطانا حتى نتم تحرير أرضنا فالمعركة لم تنته بعد لازلنا في المعركة. لازلنا فى المعركة. المعركة لم تنته بعد ولكن سنسير هي المعركتين معآ، فى التحرير وفي التعمير، وفقكم الله.

         والسلام عليكم ورحمة الله.


<1>