إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، فى الذكرى الثانية والعشرين لثورة 23 يوليه، 23 يوليه
1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص
226 - 231".

بسم الله
          أيها الأخوة والأخوات..

          تمر الأيام والسنون وتبقى تلك الليلة الخالدة التى خلت منذ 22 عاما تبقى ماثلة فى وجدان جيلنا لا تنسى ذكراها ولا ينطفئ نورها. ففى تلك الليلة المشهودة كانت الأحداث التى لم تستغرق سوى ساعات تعتصر فى ثنايا هذه الساعات القليلة آلام قرون طويلة مضت وتحدد آمال أجيال كثيرة مقبلة قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر كان الصراع قد حسم نهائيا لمصلحة الشعب وكانت تلك الليلة قد أعطت شعبنا عطاء سخيا ما زالت آثاره تتوالى وتتجدد حتى يومنا هذا، واذا كان البيان الاول الذى حملته أمواج الأثير حين انبلج صباح ذلك اليوم ليحمل بالنسبة لى وبالنسبة لاخوة آمنوا بربهم وبوطنهم فقاموا فى تلك الليلة أقول اذا كان هذا البيان يحمل بالنسبة لى ذكرى خاصة فان كل من كان فى سن الوعى على أرضنا فى ذلك الصباح البعيد منذ 22 عاما لا شك أنه ما زال يذكر تلك الشحنة الكهربائية التى سرت فى أوصال الأمة مع كلمات ذلك البيان الأول فأضاءت كل قلب مخلص وهزت إلى الأعماق كل ضمير وطنى.

          ولقد تجلى هذا على الفور حين أدرك الشعب مغزى ذلك البيان الموجز فانطلقت جماهيره تؤيد ما حدث فى موجة من الحماس الجارف والاجماع الذى لا نظير له والذى أسقط جبروت الطغيان والفساد السابق فى لحظات.

          بهذا الاجماع الشعبى أكتسبت الحركة صفتها كثورة وليس كمجرد انقلاب، وبهذا الاجماع الشعبى الفذ اكتسبت الثورة منذ الساعات الاولى شرعيتها الكاملة المستمدة من ارادة الشعب.

ولم يكن ما تم فى تلك الليلة عفويا ولا مرتدا ولم يكن مغامرة دفع اليها الحماس، بالعكس لقد كان ذلك نتيجة جهد وتأمل وعمل طويل محفوف بالمخاطر ونتيجة لاستقراء مستمر لفيض هذا الشعب بآلامه وآماله ونتيجة صبر طويل قاس حين كان الغطيان الشعبى فى كل مكان ينم عن نفاذ الصبر كذلك لم تنبت أحداث تلك الليلة من فراغ ولا انفردت بانضاجها الطلائع الثورية التى كان عليها أن تتحمل المسئولية التاريخية فى تلك الليلة الخالدة إنما جاءت تلك الليلة والحركة الوطنية فى احدى قمم نضاله والنظام القديم فى قمة تفسخه وانحلاله، فقد كانت الوزارات تعيش بالأيام بل وبالساعات وكان مجرد تمارض السفير البريطانى يزلزل أركان الحكم كانت الرشوة السافرة تلعب دورها فى تشكيل الوزارات وإسقاطها كان محصول البلاد الرئيسى ونتاج عرق جماهيرها وهو القطن محل مضاربات شهيرة بين أصحاب السلطة على أهم مصدر لقوت الشعب ووصل الكفاح الوطنى ضد الاحتلال الإنجليزي الى طريق مسدود بحريق القاهرة واسدال ستار من الظلام على طموح الجماهير. وكانت الصيحات المطالبة بالقليل من العدل واليسير من التحول الاجتماعى قد ضاعت هباء ازاء تحكم النصف فى المائة الذين كانوا يستأثرون بكل شئ وباتت مصر كلها على شفى أحداث لو انطلقت لاتخذت طريقا دمويا شاملا كما حدث أمام أعيننا فى بلاد كثيرة ولكن ثورة 23 يوليو حملت معها الخلاص دون إراقة قطرة من دماء وجنبت البلاد خلال عملية التحول أهوالا عرفتها وتعرفها بلاد غيرنا.

كانت بهذا أيضا منسجمة مع طبيعة هذا الشعب المتحضر العريق الذى لا يستمع الى نداءات الصراع الدموى ولا يحل مشاكله على أعواد المشانق ولا بد أن نذكر فى هذا اليوم بكل مشاعر الاجلال والوفاء الزعيم الخالد جمال عبد الناصر مفجر ثورة 23 يوليو.

          لقد خضنا معه قبل قيام الثورة امتحان التنظيم والترتيب والمخاطرة والحساب وامتحان الاحساس بالضمير العام للأمة واستلهام آمالها الحقيقية فى وجه جموح السلطة البائدة وجبروتها ودعاياتها التى لم تفلح فى أن تضلل الشعب عن عفنها الداخلى وخضنا معه بعد قيام الثورة المعارك التى شنت علينا من اليوم الاول سواء بقصد احتوائها أو تدميرها أو تمزيقها من الداخل. واستطعنا معه عبر التحديات المحلية والدولية والتى تحالفت فيها ضدنا أحيان أعتى القوى وأخبث الوسائل استطعنا أن نحقق انجازات غيرت وجه الحياة فى مصر وغيرت دور مصر فى العالم.

          إن تحرير الارادة الوطنية واقامة أول سلطة مصرية منذ قرون واجلاء الاحتلال بعد ثلاثة أرباع القرن ومعارك تأميم قناة السويس وبناء السد العالى واقامة قاعدة الصناعة الوطنية الكبرى واعادة توزيع الملكية الزراعية واقامة القطاع العام وتحقيق مكاسب العمال وتعميم حقوق التنظيم والتأمين والعلاج والمكانة التى صارت لمصر على المستوى العربى والدولى، أن هذه كلها ليست سوى علامات أو عناوين تندرج تحتها مئات التفاصيل والتجارب والمواقف عشناها كلها مع عبد الناصر وزاملناه خلالها وهو فى وقت العواصف الهوجاء وشاهدنا معا تلك المشاهد كلها.

          أيها الأخوة والأخوات...

          اننى هنا لا أروى قصة نضالنا الوطنى كاملة منذ 23 يوليو سنة 52 بما كان لا بد أن يصاحبها من هزائم وانتصارات ومن سلبيات وإيجابيات ولا شك أننا فى سبيل هذه الأهداف العليا التى أخذناها على أنفسنا قد تحملنا الكثير ودفعنا الكثير ولكننا حين ننظر الى المحصلة الأخيرة سوف نجد أن التجربة المصرية كانت من أبرز التجارب فى العالم الثالث منذ هبت رياح التحرر والتغيير على هذا العالم عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.

          كذلك فان هذه التجربة كانت رائدة فى الكثير من المجالات والتجربة الرائدة التى تتقدم غيرها هى التى تواجه عادة بأعنف المقاومة وهى التى تتعرض عادة لمزالق ارتياد الآفاق الجديدة وانه لمن حقنا أن نعتز بأن الكثير من القيم التى صار لها مكان فى عالم اليوم كنا نحن من أبرز المساهمين فى إضفائها.

          اننا اذا تحدثنا اليوم عن حق كل دولة فى التحرير الوطنى وفى اختيار أسلوب تدريباتها الاجتماعية أو عن تجارب الاصلاح الزراعى والتنمية الصناعية أو عن تحرير الارادة العربية وسيطرة الاقطار العربية على ثرواتها واخراج آخر جندى أجنبى من

<1>