إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، فى الذكرى الثانية والعشرين لثورة 23 يوليه، 23
يوليه 1974
ا
لمصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص 226 - 231".

أراضيها أو عن رفض الدخول فى مناطق النفوذ والانصياع لأوامر الدول الكبرى أو عن ايجاد كتلة عدم الانحياز والكتلة الافريقية والمجموعة الآسيوية والافريقية وما أثرت به فى حياة العالم بل وحتى عن الانفراج الدولى وابتعاد شبح الحرب العالمية بعد أن لم  تعد الدول الصغرى غنائم يتصارع الأقوياء عليها.

          إننا اذا تحدثنا عن أى حقيقة من هذه الحقائق فسوف نجد لثورة 23 يوليو دورا طليعيا فيها، لم تكن مصر ولم تكن الأمة العربية ولم تكن العلاقات الدولية فى تلك الليلة الخالدة منذ 22 سنة كما هى اليوم.. ولقد ساهم فى هذا التغيير ثوار ورواد كثيرون وشعوب وقيادات كثيرة وكذلك كانت أعلامنا موجودة ماثلة متعرضة للعواصف والانواء فى كل ساحة من هذه الساحات.

          أيها الأخوة والأخوات...

          إن هذه الصفحات من ثورة 23 يوليو صارت الآن ملكا للعالم وملكا للتاريخ ولقد صدرت وسوف تصدر مئات الكتب وآلاف الدراسات فى مختلف أنحاء العالم معلقة على التجربة المصرية من شتى وجهات النظر .

          ولكننى أحب أن أذكر أولئك الذين ينظرون الآن الى الوراء ويحللون ما مضى بأن الأسلوب العلمى الموضوعى لا يكون بتحليل لاحداث خارج الظروف التى جرت فيها.

          إن البعض يأخذون على ثورة 23 يوليو ومعاركها ضد الاستعمار ومقاوماتها لمناطق النفوذ ويحسبون ما تحملناه فى هذا السبيل ولكنهم ينسون أن هذه المعارك فرضها علينا الاستعمار ولم نفرضها نحن عليه لاننا ببساطة كنا نطارد وجوده أو نفوذه من بلادنا ولم نكن نهاجم بلاده وينسون أنه بغير هذه المعارك ما كان ليحسم تاريخ الاستعمار فى العالم بعد قرون ولو لم نتصد له نحن وغيرنا من الشعوب التى ظلت تلك القرون مغلوبة على أمرها لما صار لهذه الشعوب الوزن الذى لها اليوم ولظل المندوب السامى لهذه الدولة أو تلك كما كان هو الذى يقيم الحكومات ويسقطها ويتخذ القرارات ويلغيها ويخضع مصالح هذه الشعوب لمصالح بلاده.

          والبعض يأخذون على الثورة نضالها فى الساحة العربية وينسون العائد القومى الضخم من تدمير أسطورة الجزائر الفرنسية ومن انسحاب الاستعمار من الخليج واليمن وأطراف الجزيرة العربية وينسون الاحباط الذى لحق بمحاولات تقسيم العالم العربى بين شرق وغرب وينسون الفشل الذريع الذى منيت به سياسات دولية تقليدية قامت دائما على أساس عزل مصر .

          والبعض يأخذون على الثورة أختيارها لتجربة اشتراكية مصرية ونضالها من أجل التحول الاجتماعى وتركيزها على اقتحام تجربة التصنيع ولو دفعنا ثمن الاخطار التى تلازم كل تجربة ومن هنا أيضا ينسون أن هذا التحول نحو مزيد من العدالة الاجتماعية هو قانون العالم كله وان تعددت الأشكال والصور وينسون أن عدد السكان فى مصر قد زاد الى الضعف خلال سنوات الثورة وحدها.

          انه بغير هذا الاستثمار القومى فى هذا الاتجاه لتدهورت حياة الشعب ولانفجرت الصراعات الدموية والتمزقات التى نراها فى بلاد أخرى كثيرة فأخرت فى سلوك هذا الطريق وتحاول اليوم أن تلحق به.

          اننا لا نطلب لتجربتنا الثورية العصمة من النقد بل أن حركة التصحيح التى قمت بها فى 15 مايو كانت ممارسة عملية وتطبيقية لهذا النقد ولكننا فى الوقت نفسه لا يجوز أن نهدر نضالنا القومى بدوافع من الثأر أو الحقد ولا يجوز لنا ونحن نسجل الثورة أن نتصور ان تحولا بهذه الضخامة يمكن أن يقع خاليا من الاخطاء والسلبيات ولا يجوز أن نقبل محاكمة من قلة معزولة عن واقعنا الاجتماعى وعن الظروف القاسية لشعبنا المقيد منذ قرون بأغلال الفقر والتخلف لا يجوز أن نقبل محاكمة من قلة سمحت لها ظروفها الاجتماعية أن تعيش بعقلها فى أوربا وأمريكا وبلاد سبقت الى التقدم والثراء وتظن أن مجرد استعارة بعض مظاهر الحياة هناك هو الحل لمشاكل شعبنا العميقة أن هؤلاء فى واد ومجموع شعبنا أزاء مشاكله الحقيقية فى واد آخر وأننا لعازمون على اننا لا نفقد أبدا تلك البوصلة أو ذلك المؤشر الذى يحدد لنا طريقنا دائما وهو خدمة مصالح أوسع الجماهير.

          أيها الأخوة والأخوات..

          لقد كان قدرى كما تعلمون أن أحمل المسئولية فى ظروف ربما كانت من أحرج الظروف التى يمكن أن يمر بها بلد من البلاد وقد كنت أدرك منذ اللحظات الأولى لتحملى المسئولية بعد أن فاجأنا القدر باستشهاد جمال عبد الناصر نعم باستشهاده وهو يقود آخر معاركه من أجل توحيد كلمة الأمة العربية واخراجها من حرب أهلية ناشبة كما تذكرون جميعا كنت أدرك منذ تلك اللحظات الأولى لتحملى المسئولية جسامة ما ينتظرنى وما سوف يكون على أن أواجهه ففى السنوات الأخيرة من حياة عبد الناصر كنا نعمل معا وكانت هناك أمور كثيرة لا يعرفها سوانا. وهكذا كنت أعرف تماما ومنذ البداية كل مخاطر الطريق وقد كانت ثقتى بالله وبأصالة هذا الشعب وبسلامة فطرته وبرسوخ المبادئ الأساسية لتجربة 23 يوليو هى ما اعتمدت عليه فى مواجهة تلك المرحلة التى كانت كما قلت من أحرج ما يمكن ان يمر بأى بلد وبأى قيادة من امتحان.

          كانت مرحلة بالغة الحرج والخطورة فعلا ومن نواح متعددة فمن جهة كانت هناك ثمار نضال وتجربة عمرها ثمانية عشر عاما أرسينا خلالها الاساس الصلب الذى يمكن أن ننطلق منه الى مراحل جديدة ومع ذلك فقد كانت هذه المكاسب كلها عرضة للضياع التام لو أن النكسة استمرت ووصلت الى نهايتها وبالتالى بيفتح الباب لينقض المتربصون على هذه المكاسب لتدميرها من الاساس.

          ومن جهة ثانية كان هناك احتلال اسرائيلى يعلن كل يوم عن عزمه على البقاء تدعمه فى ذلك احدى الدول الكبرى وهى الولايات المتحدة الأمريكية ويقترن بهذا طبعا الأعباء المالية الباهظة المترتبة على ذلك وضغطها على حاجات المواطنين والضغط النفسى الرهيب الكظيم ازاء استمرار هذا الوضع الجارح لكل نفس.

<2>