إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، فى الذكرى الثانية والعشرين لثورة 23 يوليه، 23
يوليه 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص
226 - 231".

          ومن جهة ثالثة كانت هناك تحولات دولية كبرى واتجاه نحو الوفاء الدولى رأى فى حالة الركود العربى الشامل ما يبرر له تجاوز مشكلتنا وعدم اعتبارها أحد الأخطار التى تهدد السلام العالمى وبالتالى فلا بأس من أن تمتد حالة اللا سلم واللا حرب ثم تمتد طالما أنها لا تزعج أحدا.

          ومن جهة رابعة كانت هناك قوى فى الداخل ظنت أن وظائفها الرسمية تعطيها أكثر من حقها الشرعى فبدأت تتصرف بمنطق الوصاية على هذه الأمة وكان من مصلحة استمرارها فى هذه المراكز أن تجمد التجربة المصرية وأن تتجاهل كل الدروس التى تعلمناها قيادة وشعبا من نكسة 67 بهدف واحد هو محاولة تلمس كل سبيل لادانة وصاياتها وفرض إرادتها.

          ومن جهة خامسة كانت هناك الى جانب الآلام الكظيمة آمال عظيمة يريد شعبنا أن يمضى اليها ويرى من حقه بعد نضال الثمانية عشر عاما أن يقطف ثمارها ولكن كانت هناك كل العقبات السابقة تبدو وكأنها تسد أمامنا الافق الرحيب وتفرض علينا حيرة وبلبلة تجعلنا لا نعرف طريقنا بالضبط ولا ما هو المحط.

          وأخيرا من جهة سادسة كانت هناك الساحة العربية المفككة الحافلة بالشكوك المتبادلة كما كانت هناك فى هذه الساحة أيضا سوق رائجة للمزايدات والمناقصات التى لم تكن تحاول أن تنتهج أسلوبا تحليليا علميا لفهم الواقع أو لا كتشاف الطريق الذى يمكن أن يؤدى الى تغيير هذا الواقع .

          هذه العوامل الستة التى أجملتها والتى يمكن أن أشرح كل ظرف منها شرحا مستفيضا أقول أن هذه العوامل كلها تشابكت وتداخلت بحيث جعلت الظرف الذى توليت المسئولية فيه كما قلت لكم من أخطر الظروف وأحرجها وأكثرها تعقيدا كانت مجرد حركة واحدة خاطئة أو خطوة واحدة متسرعة أو إذعان للحظة واحدة لضغط داخلى أو خارجى كان أى شئ من هذا كفيلا بأن يضيع معه كل شئ.

          ومرة أخرى أقول كان اعتقادى فى مواجهة هذه الغابة الكثيفة من الظروف المعقدة المتشابكة وفى الخروج من هذا التيه الشاسع كان اعتمادى على ثقتى بالله سبحانه وتعالى وبعدالة قضيتنا وبالوطنية المصرية المستعدة دائما للتحمل والعطاء وكذلك كانت أمامى دائما تلك الينابيع الأولى التى نبعت منها ثورة 23 يوليو والتى خضنا من أجلها كل تلك المعارك وواجهنا ما فرضته علينا من تحديات وببساطة كانت تلك المنطلقات الاولى للثورة التى جمعتنا حول رايتها هى :

          تحرير الارادة الوطنية المصرية وجعل القرارات العليا كلها مصرية مائة فى المائة وهى أيضا التمسك بتجربة اجتماعية مصرية لم نقصر خلالها فى الاستفادة من شتى التجارب ولكن بشرط أن تكون صالحة لتربة هذا الوطن وهى أيضا رفضنا المطلق أن نجمد هذه التجربة الحية في أى قوالب جامدة سواء كانت من صنعنا أو من صنع غيرنا. ومن تأمل هذه الينابيع الاساسية سوف يجد أى باحث معنى القرارات الاساسية الكبرى التى اتخذتها خلال تلك الفترة وسوف يجد المنطق الذى يربط بينها جميعا. كان هناك قرار تنحية مراكز القوى كمدخل لا بد منه لتحرير الارادة الشعبية التى تعزز بحريتها حرية الارادة الوطنية وكمدخل لا بد منه لمرحلة من إعادة تقييم الماضى وتطويره والاستفادة من تجاربه خصوصا بعد أن برهنت لى الظروف والتصرفات على أن تأجيل حسم هذه  القضية سوف يجعل وضع هذه الوصاية الخفية على الشعب يتفاقم ويضع قيود مصطنعة على التجربة المصرية وكان منطقيا بعد ذلك القرار الثانى بالبدء وبسرعة فى وضع الدستور الدائم واقامة دولة المؤسسات وترسيخ مبدأ سيادة القانون وتصفية الاجراءات الاستثنائية التى كان يقينى أن ضروراتها قد زالت وأن تعزيز أساس العدل الاجتماعى بالأساس الثانى وهو الحرية السياسية هو أعظم وأفعل فى ضمان مكتسبات الثورة من أى اجراء استثنائى خصوصا بعد أن استقرت المبادئ الاساسية لهذه الثورة وتعمقت جذورها فى أضمن تربة وهى ضمير هذا الشعب. ولم نكن خلال هذا كله غافلين عن أن العدو على شاطىء القناة وعلى أراض عربية كثيرة وانه لا محالة آخر الأمر من القتال فلم يعطلنا هذا لحظة واحدة عن التمهيد للمعركة سواء باعداد المناخ الدولى لمناسب أو بترتيب الجبهة العربية قدر الطاقة أو بتعزيز قدرتنا القتالية بكل الوسائل الممكنة. ومع ذلك فمع هذا الادراك والعمل المستمر كان قرارى الثالث بانهاء خدمة الخبراء السوفيت بعد أن صار أبناؤنا وخصوصا وأن شبابنا المتعلم الجديد الذى هو نتاج حركة التعليم الواسعة التى نهضت بها الثورة أقول أصبح هذا الشباب قادرا على استيعاب أحدث الأسلحة وأكثرها تعقيدا وكما حدث بالنسبة لكل قرار من هذه القرارات المصيرية تعرض هذا القرار للتفسيرات والتأويلات خصوصا من الاتحاد السوفيتى ذاته وتعرض للحملات التى حاولت أن تصور القرار على أنه عدول نهائى عن المعركة وأنه صفقة مع أمريكا وكان العكس تماما هو الصحيح لقد أرادت اسرائيل ان تجعل المواجهة بينها وبيننا دائما مواجهة بين روسيا وأمريكا حتى يتجمد الموقف ازاء قضية خطر المواجهة بين الدولتين الأعظم وأردنا نحن أن تكون المواجهة وطنية وقومية تماما نحمل نحن مسئوليتها ونملك بذلك حرية حركة لا نورط بها أحدا وهو ما أثبتته الاحداث كلها وبعد ذلك كما تعلمون ولعلكم تذكرون أننى خاطبتكم خلال تلك الظروف وفى مثل هذا اليوم قبل سنتين وقلت لكم وللعالم بالتحديد اننا نفضل أن يسيل الدم الزكى فى ميدان القتال على أن نظل أسرى حالة اللاسلم واللا حرب. وقلت أيضا ليس أمامنا سوى أن تنهض الوطنية المصرية والقومية العربية بمسئولياتها التاريخية وليعرف شعبنا وتعرف أمتنا أننا سوف نقاتل فى العراء اذا كان هذا هو ما سوف تفرضه الظروف علينا. وختمت كلمتى اليكم قائلا نحن لا نريد أن جبر أحدا على شئ ولا نريد ان نطلب لانفسنا شيئا ولكننا نتساءل أليس هو المصير العربى كله في الميزان.

          أيها الأخوة والأخوات..

          من هذا المنطلق كان القرار التاريخى بالعبور وببدء حرب أكتوبر المجيدة بالتنسيق التام مع زميلى الرئيس حافظ الاسد والجيش السورى الباسل والشعب السورى البطل الذى كان دائما وبحق قلب العروبة النابض.

<3>