إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، فى الذكرى الثانية والعشرين لثورة 23 يوليه، 23
يوليه 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص
226 - 231".

          ولعل المناسبة التى يمكن أن أروى فيها المزيد عن هذا القرار وعن المعركة كلها قد أصبحت قريبة ولكن ما يهمنى أن أسجله هنا هو أن قرار الحرب هو أخطر القرارات فى حياة أى أمة وفى حساب أى قياس ومع ذلك فاننا رغم الحرب النفسية واستعدادات العدو الضخمة ومخاطر ردود الفعل الدولية لم نجفل من اتخاذ القرار حين صار لا بد مما ليس منه بد.

          لقد صدر القرار عن ارادة وطنية وقومية خالصة وهو معنى أحرص دائما على تأكيده وتكراره أهم ما يجب أن نحرص عليه دائما فى الحاضر والمستقبل ولان تأكيد الارادة الوطنية كان المنطلق الاساسى لحركتنا منذ بدأنا الاعداد لثورة 23 يوليوولان معظم ما تعرضنا له طول 22 سنه ومن تحديات كان مرجعه حرصنا على حرية هذه الارادة الوطنية لانها اذا رسخت فى ضمير قياداتنا وقواعدنا اليوم وغدا فهى الضمان الوحيد للمستقبل.

          وفى تقديرى أن قرار حرب أكتوبر وما اثبته ضباطنا وجنودنا وشعبنا كله من قدرة وبسالة وثبات قد دعم أمام العالم كله هذا الحرص على حرية إرادتنا الوطنية كما لم يدعمها شئ من قبل.

          ولقد خضنا المعركة كما تعرفون فاندفعت الامة العربية كلها وراءنا بالدعم والتأييد المادى والمعنوى عدا أصوات قليلة حاقدة حاولت أن تتبرأ من المعركة منذ يومها الأول وأن تتنبأ بالكارثة واستخدمنا سلاح البترول العربى لاول مرة واندفعت لتأييدنا ومساعدتنا أيضا قوى دولية صديقة كثيرة وتنبأ حلفاء اسرائيل وفى مقدمتهم الولايات المتحدة بهزيمتنا ورسموا ردود فعلهم الاولى على هذا الاساس حتى فوجئنوا بمعجزة العبور وتدمير خط بارليف وباستغاثة اسرائيل فلم تلبث أن أنقلبت تلك التقديرات وبالتالى اندقعت الولايات المتحدة بالذات فى اتجاهين الاول هو انقاذ اسرائيل من الهزيمة بدعمها عسكريا عبر جسر جوى لم يسبق له مثيل والثانى هو التحرك فى اتجاه محاولة الوصول الى حل بعد أن ثبت لهم بطلان أسطورة التفوق الاسرائيلى المطلق وبطلان قدرتها على الاستيلاء على ما تشاء من الاراضى العربية بغير رادع وبطلان سياستهم السابقة فى تجاهل الشعب الفلسطينى واعتبار مقاومته الباسلة أمرا عابرا سوف يذبل مع الوقت.

          أيها الأخوة والأخوات..

          منذ حرب أكتوبر أخذت الأحداث العالمية والسياسات المختلفة إزاء قضيتنا تتخذ مواقف وسبلا مختلفة وجديدة تماما منذ التوصل الى الاتفاق العسكرى للفصل بين القوات على الجبهتين السورية والمصرية سرنا نواجه مرحلة مختلفة تماما من حقنا أن نسجل مكاسبها التى هى مكاسب ما بذلناه من دم وأن نسجل أيضا مخاطرها ومحاذيرها فنحن نريد أن تكون تقديراتنا السياسية دائما متوازنة لا تضللها رياح الاغراق فى التفاؤل ولا تعطلها حملات اليأس والتشاؤم. منذ سكتت المدافع وتم اتفاق الفصل بين القوات وأعلامنا مرفوعة فى سيناء وأعلام سوريا مرفوعة فى القنطرة لم تسكت حركتنا السياسية ولم تتوقف حرب أكتوبر عن العطاء فى شتى المجالات.

          لقد صدر قرار جديد من مجلس الامن ينص على التنفيذ الفورى  لقرار 242 القاضى بالانسحاب الفورى من الاراضى المحتلة بعد أن كان هذا القرار قد دفن ومات تقريبا وقد تحركت القضية كما لم تتحرك منذ سنة 67 وأدرك العالم أنها لا يمكن أن تستسلم للرقاد مرة أخرى فأسرعت الدول المختلفة وخصوصا الولايات المتحدة تبدل فى سياستها وتعيد تقييم نظرتها الى المنطقة العربية وبذلت فى ذلك نشاطا كبيرا تعرفونه جميعا.

          واذا كنا قد رحبنا بهذا التغيير وهذا النشاط فاننا نرحب بمثله اذا جاء من أى طرف آخر. ونحن نقول بوضوح اننا لا نؤثر ساحة العمل على التوصل إلى حل على أى دولة كبرى دون غيرها. وقد ظهرهذا الفارق الحاسم بينما كان قبل أكتوبر وما حدث بعده فى مؤتمر القمة الذى انعقد في موسكو مؤخرا بين رئيسى دولتى الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة يكفى أن نقارن بين البيان الذى أصدره فى لقائهما الأول وتحدثا فيه عن الاسترخاء العسكرى فى المنطقة وبين بيانهما الاخيرعن ضرورة الاسراع فى التوصل الى الحل والاسراع بعقد مؤتمر جنيف وتسجيل المصالح المشروعة للشعب الفلسطينى. وقد أصبح الوجود الوطنى والحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى أمورا مسلما بها ساهم فى هذا للدرجة الاولى نضال الشعب الفلسطينى الباسل وساهمت فيه وسجلته ودعمته حرب أكتوبر التى كان الحصول على هذه الحقوق الفلسطينية أحد أهدافها الاساسية.

وقد كان حصولنا لاول مرة على اعترافات دولية خارج العالم العربى بحق الشعب الفلسطينى وان منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى له هو ما حدث خلال رحلتى الى رومانيا وبلغاريا.

          كان هذا نقطة تحول جديدة وهامة على الطريق. حتى اسرائيل ذاتها لم تتمكن من تجاهل هذه التحولات فنشبت فيها مناقشات داخلية حادة لاول مرة حول هذه القضية على مستوى السلطة وداخل مجلس الوزاء الاسرائيلى ذاته على أن هذه النتائج وغيرها لا يجب أن تصرفنا عن المشاكل والمخاطر والمهمات الكبرى التى تنتظرنا والتى تحتاج منا الى حكمة وعزيمة معا لا تقلان عن الحكمة والعزيمة اللتين أخذنا بهما فى قرار الحرب وفى ادارة القتال ذاته على السواء.

وفى هذا المجال فانه من واجبى أن أسجل أمام شعبنا وأمام الرأى العام العربى كله هذه النقاط:

          أولا - أنه يؤسفنا حقا أن نسجل أن بعض مشاكلنا بعد أكتوبر تأتى من بعض الذين هم أصدقاء أو أخوة فان سوء التفاهم بيننا وبين الاتحاد السوفيتى أمر لا نحب له أن يستمر ونحن من جانبنا نحرص على ازالته وفى تقديرنا أنه سوف يأتى اليوم الذى سوف يدركون فيه أن بعض تفسيراتهم لسياساتنا ليست على صواب كما حدث أكثر من مرة من قبل.

          كما أنه يؤسفنا أن أخوة لنا فى العروبة صارت مهمتهم الوحيدة التشويش علينا أو التشهير بسياستنا واتباع سياسة المن بما ساهموا به في المعركة الامر الذى لا يستقيم مع أى منطق خلقى أو قومى أو وحدوى.

<4>