إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس
الشعب، في ذكرى الزعيم جمال عبد الناصر، 28 / 9 / 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص
276 - 282".

          جماهير شعبنا يوما بعد يوم ولا تضيق عازم على أن أظل مسئولا أن لا يكبت رأى وأن لا يقهر فكر طالما كان التعبير عنه من خلال المؤسسات الشرعية وفى اطار من سيادة القانون.

إننى أيها الاخوة والأخوات حين أفكر بينى وبين نفسى ما هى المهمة الكبرى التى على أن أنذر نفسى لها بعد مهمة تحرير الأرض لا أجد إلا إجابة واحدة هى أن أسلم هذه الثورة بمبادئها وأهدافها الى اصحابها أى الى الشعب والشعب بعد ذلك سيد نفسه وصاحب الحق فى رسم  مستقبله واختيار لون الحياة التى يريد بشرط أن نكفل له حرية هذا الاختيار. واذ كانت الظروف بعد ذلك لا تسمح لنا بالتحليق فى الخيال ولا تسمح لنا بالقفز إلى آمالنا مرة واحدة فان هذا لا يجوز أن يكون قيدا على الحوار ولكن رحابة الصدر فى تقبل الحوار يجب أن تقابلها رحابة الأفق فى تقدير الظروف ونحن نفكر فى المستقبل وليس المهم بعد ذلك أن نقطع خطوة فى يومنا هذا أو فى غدنا إنما المهم أن تكون حركتنا دائما فى الاتجاه نحو مزيد من الحرية والديمقراطية والمشاركة.

ذكرى حرب أكتوبر المجيدة

          أيها الاخوة والأخوات: بعد أيام قليلة تمر سنة على ذكرى هامة اخرى سوف تظل ابد الدهر من أعز ما حفل به تاريخنا من ذكريات. تلك هى ذكرى مرور سنة على انطلاق الشرارة. مرور سنة على العملية العسكرية بعد مرور سنة على العبور، مرور سنة على حرب أكتوبر المجيدة ولعلكم تذكرون اننى فى مثل هذا اليوم قبل سنة بالضبط ومن نفس هذا المكان كنت اتحدث اليكم والى الأمة وقلت لكم فى آخر الحديث اننى لن اتحدث بعد ذلك عن المعركة ولعل احد لم يفهم هذه الاشارة وعدونا بالذات لم يفهمها انه كان قد بنى حساباته وادعاءاته على أننا هنا قد فقدنا روح القتال وروح المقاومة ولم يخطر على بالهم أننى حين كنت هنا أتحدث اليكم واختصر الكلام عن المعركة كانت ساعة الصفر قد تحددت وكانت أوامر المعركة حتى آخر جزئية فيها قد صدرت وكان رجالنا وأبناؤنا وأخوتنا بمئات الآلاف يتخذون مواقعهم القتالية فى البر والبحر والجو فى هدوء مذهل وكان العدد التنازلى قد بدأ بالفعل. كنت اتحدث اليكم وحركة مئات الآلاف تدور فى صمت وكنت هادئا مستريح البال والضمير. لقد اتخذت القرار الوطنى التاريخى بعد أن أعددت للأمر عدته بأقصى ما يطبق به جهد بشرى، ولقد شاركنى هذا القرار زميلى وأخى الرئيس حافظ الأسد وكان القادة الرجال من حولى يشاركوننى الثقة بالله وبرجلنا المقاتل ابن الجامعة والحقل والمصنع وشعبنا الواقف من خلفهم مستعدا لاحتمال أى تضحية. كنت قد اجتزت بالفعل طريق الاختيار الصعب واستراح ضميرى الى أننى لم اترك جهدا ولا مسعى لحل القضية دون إراقة الدماء الغالية. كما استراح ضميرى الى أنه مهما كانت نتيجة القتال، فان أجيال شعبنا المقبلة ما كانت لتغتفر لنا لو أننا قبلنا اختيار آخر حين لم يكن هناك اختيار آخر سوى الاستسلام. كنت قد اجتزت هذه المراحل كلها وبدأت العجلة تدور ونزلت السكينة على نفسى فقد ربطت حياتى بالمعركة ونذرت نفسى لها وكنت فوق ثقتى بالله والشعب والأمة العربية واثقا من حكم التاريخ وراحة الضمير. وبعد ذلك فان أى شئ آخر لا يهم. وقد من الله علينا بالنصر وفى مشهد تاريخى مثير عبرت قواتنا القناة واكتسحت خط بارليف على خط مواجهة طوله 180 كم. الأمر الذى لم يسبق له مثيل قط. وأقول لكم اليوم إنه لم يكن الأهم فى الحسابات التى وضعناها فى المعركة، كم كيلومترا من الأرض نحررها، بل كان تحطيم نظرية الأمن الإسرائيلية أهم من تحطيم خط بارليف، وكان اجتياز عدم ثقة العالم بنا ولكلامنا وبقدرتنا على الفعل أهم من اجتياز القناة وكان إثبات أن اسرائيل التى لا تقهر مجرد وهم أهم من كسب كيلومتر زيادة فى الأرض عن طريق إلحاق أكبر قدر من الخسائر لقواتها المسلحة وهذا ما تم بالفعل.

          هذا ما تم بالفعل رغم كل العوامل التى كانت فى صالحهم، فلقد تم حشد مئات الآلاف تحت سمعهم وبصرهم دون أن يدركوا ماذا يدور فتحطمت سمعة مخابراتهم الخرافية وتم عبور ذلك الحاجز المائى الفريد وشق الساتر الترابى الضخم وتدمير خط بارليف بأكمله فانهار كل ما أقاموا فى سبع سنوات وما انفقوا عليه مئات الملايين من الدولارات، وثبتت قدرتنا على التخطيط والتصميم والتكتم والابتكار. ثم تمت المواجهات القتالية المباشرة بين مدرعاتهم ومدرعاتنا، بين طائراتهم وطائراتنا، وصواريخنا وبين جنودنا المشاة بصدورهم العارية بين دباباتهم. وهزمناهم فى كل هذه المواجهات، وانهارت كذلك نظرية الجندى الإسرائيلي الذى لا يقهر، رأيناهم من أصغر جندى يفر أو يستسلم الى رئيسة وزرائهم تستغيث تليفونيا بأمريكا طالبة النجدة رأينا ورأى العالم ماذا يمكن أن نفعل، وماذا يمكن أن يحل بهم وكان هذا هو جوهر القضية، قد عاشت اسرائيل وطغت وبغت بالوهم أكثر من الحقيقة سجلت انتصارات بالإهمال وبالتمزق العربى أكثر مما سجلتها بصفاتها الذاتية وبنى العالم نظرته الى المنطقة انها القوة التى لا تقهر وعلى أن العرب هم القوة النائمة التى لا تصحوا، وكان لا بد من توجيه ضربة تقلب كل هذه التقديرات والأوهام.

          كان لا بد من إراقة الدم لاثبات ما فشلت ولا بد أن تفشل فى اثباته كل اجهزة الاعلام ومنابر الأمم المتحدة ومزايدات الذين يقاتلون بالميكروفونات.

          ولقد فوجىء العالم بعد ذلك مفاجئة اخرى برد الفعل العربى القوى الفورى ليس بالمال والرجال والسلاح فقط، ولكن باستخدام سلاح البترول لأول مرة فى حكمة وجسارة معا، بينما كان مجرد الحديث عن استخدام البترول كسلاح فى المعركة ترتعد له فرائص كثيرة فى العالم العربى ذاته ولكننى لم ادهش ولم أفاجأ، فالأمة العربية ليست ناقصة فى مواردها أو بطولتها أو كفاءتها. ولكنها فقد كانت تنتظر أن ترى عملا حقيقيا كانت تنتظر أن ترى عملا حقيقيا لكى تنتفض مستخدمة كل ما لديها كانت تريد أن ترى طرفا عربيا يدرس ويخطط ويقدم ويستبسل فى نفس الوقت كى تشد من أزره وتضع تحت تصرفه كل شئ.

          كانت تنتظر أمتنا العربية الفعل لا القول والدراسة لا الارتجال والشجاعة، لا التردد، وقد كنت واثقا أن أمتنا العربية لو قدمنا لها كل هذا فلسوف تسرى نفس الروح فى أوصالها كالشحنة الكهربائية وانها شعوبا وحكومات سوف ترتفع الى مستوى الموقف.

<5>