إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربى ومجلس
الشعب، في ذكرى الزعيم جمال عبد الناصر 28 / 9 / 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص
276 - 282".

          لم يكن فى هذا كله أى مفاجأة لنا ولكنه كان مفاجأة للعالم الذى تعود الا يرى الأمة العربية الا فى صورة الهزائم المتكررة والشكوى دون العمل والصراخ بدلا من البذل والعطاء الحقيقيين. ولا شك انكم أيها الاخوة والأخوات تتابعون ما ينشر فى العالم عن الآثار غير المحدودة التى ترتبت على حرب أكتوبر مما يثبت أننى لم اكن مبالغا حين قلت مرة أن العالم بعد أكتوبر سنة 73، لن يكون كالعالم قبل ذلك أبدا. فعلى المستوى العسكرى نجد أن كل المعاهد العسكرية والجيوش مشغولة حتى الآن باستخلاص دروس معركة أكتوبر، فبعد أن اطمأن العالم وقواه الكبرى الى أن ما أنجزه العلم فى مجال الحصول على المعلومات ودراسة تحركات القوات المسلحة من اقمار صناعية وطائرات تصوير وغيرها أثبتت له أكتوبر كما تقول الدراسات أن معرفة التحركات شئ، وأن معرفة نيتها شئ آخر. وأن التضليل الاستراتيجى وعنصر المفاجأة اذا أحسن إعداده ما زال ممكنا رغم كل اجهزة التصنت والتصوير التى لا يفوقها شئ بدليل أن أمريكا كانت تراقب تحركاتنا ولكنها لم تفهمها. وبعد أن استقرت المذاهب العسكرية على أن الموانع الطبيعية كقناة السويس والمواقع المصنوعة كخط  بارليف يمكنها أن تحول دون عنصر المفاجأة وانه لا يمكن اقتحامها الا فى ثغرات محدودة جاءت أكتوبر لترى مشهد اقتحام هذه المواقع فى ساعات وأيام وعلى طول الجبهة ونقل جيشين كاملين عبر القناة فى ايام طبقا للخطة الموضوعة باليوم وبالساعة وبعد أن أقامت كل الجيوش نظرياتها وتدريباتها على اساس أن الطائرة والدبابة هما السلاح الحاسم ظهر أن الصواريخ والمشاة ما زالت تستطيع أن تقلب الآية اذا توفر لها استيعاب السلاح وبراعة التخطيط وشجاعة الفرد المقاتل مثل أبنائنا وشبابنا من الجامعة والحقل والمصنع الذين كان الواحد منهم يقف رابط الجأش حتى تقترب منه الدبابة بدروعها الكثيفة ونيرانها الغزيرة وضجيجها الرهيب ثم ينسفها وهى على بعد أمتار منه.

لقد صرنا اندادا لا تابعين

          وعلى المستوى السياسى ظهر أن الدول الصغرى والمتوسطة تستطيع إذا أرادت وإذا صممت على استرداد حقها المهضوم أن تتجاوز شبكة العلاقات الدولية المعقدة واتفاقات الدول الكبرى على التهدئة وعدم المواجهة وتأخذ مصيرها فى  يدها وتتخذ قرار القتال بمفردها وأنه بالتالى لا بديل إذا أريد حقا إقرار السلام سوى إقرار العدل أولا وأن السلام ليس رغبة  تطرحها إرادة الأقوياء بل هو نتيجة لا تتحقق إلا بعد استرداد الحقوق.

          على المستوى الاقتصادى والسياسى والعسكرى معا ظهر العالم العربى كقوة سادسة على الأرض كان لدى العالم العربى دائما كل عناصر القوة كما تعرفها قواميس السياسة والاستراتيجية، الموقع. الاستراتيجى الحاكم بين 3 قارات هى آسيا وأوربا وافريقيا، والممرات والشرايين الحيوية من أول البحر الأبيض إلى نهايته ثم قناة السويس ثم البحر الأحمر وباب المندب ثم الخليج حتى مشارف المحيط الهندى ولديه أهم ثروة طبيعية تتغذى عليها الحضارة الحديثة وهى البترول فضلا عن سائر المعادن  والمساحات الشاسعة القابلة للزراعة فى عالم يكاد يقبل على المجاعة ويكاد يصبح القمح فيه سلاحا من اخطر الأساطيل والجيوش. ثم لديه هذا الانسجام القومى بين شعوبه المتعددة انسجاما لا تعرفه مناطق اخرى كأوروبا مثلا. ولكن كل هذا كان ينقصه شىء اساسى ينقصه المحرك الذى يحول هذه الأداة الضخمة من هيكل ساكن الى جهاز منطلق فعال وقد جاءت اكتوبر لتدير ذلك المحرك ولكى تنبه العالم فجأة الى أن الاحتمال العربى صار حقيقة  والى أن التعامل مع الأمة العربية من أكبر اقطارها الى اصغرها ومن أغناها الى افقرها لا بد له من أسلوب آخر. رأينا اوربا وأمريكا ترضخان لرفع اسعار البترول وتخفيض انتاجه مرة بعد مرة واختفى عهد المعتمد الأجنبى الذى كان يحرك الحاكم بإشارة من إصبعه وانتهى عهد إرهاب القوة ودبلوماسية الأساطيل كما كانوا يسمونها. لقد صرنا فى هذا العالم اندادا لا تابعين وفى هذا انجاز لمسيرة طويلة بدأناها هنا يوم 23 يوليو وحسمناها هنا يوم 6 اكتوبر سنة 73 ونحن لا نقول هذا فى مباهاة ولكننا نقوله بمسئولية، مسئولية الذين يعرفون انه كما أن قوتهم تعطيهم حقوقا فهى تلقى عليهم واجبات.

أين نقف الآن؟

          أيها الاخوة والأخوات...

          لا شك أنه من حقكم اليوم بعد مرور سنة على حرب اكتوبر أن تطرحوا سؤالا هاما أين نقف الآن ولقد أجبت عن بعض هذا السؤال فى العرض السريع الذى سردته لتغير الموقف العربى فى العالم تماما وأقل ما نراه من آثار هو تضاعف دخول الدول العربية البترولية عدة مرات وتغير وضعنا الدولى كله، ومرة اخرى اقول اننى اذكر هنا بمسئولية وليس بمباهاة فهناك الآن حملة تشن على نطاق واسع تغذيها الدوائر الصهيونية فى العالم وتحاول أن تجعل قضية المال العربى هى السبب فى كل ما يواجهه العالم من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وهذا بالطبع ليس صحيحا. فالذين اخترعوا قوانين السوق والعرض والطلب ليس من حقهم أن يتذمروا اذا دارت عجلة هذا القانون مرة اخرى لغير صالحه والذين تركوا المسافة تتسع بينهم وبين دول العالم النامية بل وشعوبه الجائعة ليس من حقهم أن يتحدثوا اليوم عن المساعدة والانقاذ. والعرب لا يريدون أن يدمروا قواعد الاستقرار الاقتصادى فى العالم كما يزعمون ولكنهم يريدون فقط حقوقه. وهم يدركون واجبهم نحو المجتمع الدولى ولكن على المجتمع الدولى أن يدرك ايضا واجبه نحونا وأن يشاركنا فى رفع المظالم التى ارتكبت ضدنا بأقل قدر من الدم المراق والأوضاع المضطربة والقلق الدولى العام وبعد هذا فانه لا شك أن القضية الفلسطينية التى هى جوهر المشكلة وصلبها قد اخذت مسارا جديدا وانفتحت امامها فرص ضخمة كسبها الشعب الفلسطينى بشهدائها الذين بلغوا الآلاف وكسبها بقتالنا مع الأمة العربية فى حرب أكتوبر المجيد، قد صار هناك لاول مرة اعتراف واقعى عالمى بان هناك شعبا فلسطينيا له حقوق مشروعة لا بد من تلبيتها لا يشذ فى هذا الاقتناع الآن

<6>