إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشعب، 23 أكتوبر 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص 312 - 315".

الطلابية وغيرها لدينا هذه المجالات كلها لاجراء الحوار ومناقشة هموم البلاد فيها بغير قيد الا عدم تخطى هذه المؤسسات أو الغاء دورها وعلينا ايضا أن نتعلم كيف نختلف وكيف نتفق داخل هذه الإطارات علينا أن نتعلم أن هناك فرقا بين ابداء الرأى والدعوة اليه وبين محاولة فرضه قسرا بوسائل غير مشروعة وعلينا أن نتعلم احترام رأى الاقلية أو احترام الأقلية لرأى الأغلبية دون حجر على حقها فى التعبير عن رأيها فهذا التفاعل بين آراء الاغلبية والاقلية ضرورى وهو يترك اثره حتى ولو لم يجد رأى الاقلية طريقه الى التطبيق فوراً أن علينا أن نتعلم أن نختلف دون اثارة للمحن والضغائن ودون نبش للقبور ودون خلط المنازعات الشخصية بالقضايا الموضوعية أنكم أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب بصفتكم التمثيلية للشعب وبوصفكم تكونون أعلى المؤسسات الدستورية عليكم أن تكونوا قدوة وروادا فى هذا المجال تطالبون وتحاسبون تناقشون وتقررون فى اطار من هذا السلوك الذى اشرت اليه دعما لسلاح الاستقرار السياسى الذى ما زلت أؤكد أنه سلاح لا يقل مضاء فى هذه المرحلة عن السلاح الذى يحمله مقاتلونا على خط المواجهة.

الاستقرار السياسى والاقتصادى

          أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب..

          إذا كان الاستقرار السياسى كما أوضحت هو الشرط الاول لمواجهة متطلبات المرحلة من تحرير وتعمير معا فان الاستقرار الاقتصادى هو الشرط الذى يلى هذا مباشرة فى أهميته خصوصا وقد بدأنا بالفعل ذلك العبور الثانى الكبير.. العبور من التخلف والقصور والجمود الذى فرضته علينا الحروب الى التعمير والتنمية والانطلاق ارتفاعا بمستوى الشعب.. أن الصمود الاقتصادى لا يقل أهمية عن الصمود السياسى والعسكرى ازاء القوى التى اشرت اليها والتى علينا أن نواجهها فى المرحلة الراهنة بكل حزم وثبات وانتباه.

          إن الأمم يقاس حظها فى تحقيق أمنياتها وتقاس قدرتها فى التأثير على مصائرها باستقرارها السياسى وقوتها العسكرية وسلامة موقفها الاقتصادى ونحن نعرف أن الاستقرار السياسى والاقتصادى لا ينفصلان فلا يمكن أن يعيش الشعب مستقرا اذا كان قلقا على رزقه قلقا على مستقبله قلقا على قيمة ما لديه من نقود أو ما يتاح له من سلع وخدمات.

          والاستقرار الاقتصادى هو كما تعلمون اعتى مشاكل هذا العصر.. اننا نرى البلاد المتقدمة تقاسى من التضخم والبطالة الرهيبة والبلاد النامية تقاسى من المجاعات الفعلية وتلك احد امراض عصرنا ومتناقضاته أن تمرض فيه الشعوب من التضخم وتموت فيه ملايين من الجوع ولقد نجحنا حتى الان فى عدم الوقوع فى مهاوى هذا الاضطراب الاقتصادى الشامل وهو انجاز لا يقل عن معجزة.. خصوصا فى ظروف بلد حارب وقاتل وتحمل الدمار ويتحمل الى الآن أعباء القتال وأعباء اعادة البناء.

          لقد تحقق لنا هذا بفضل قاعدة الصناعة الكبرى التى أقامتها ثورة 23 يوليو المجيدة وبفضل ما أنجزته الثورة من توسيع قاعدة العدالة الاجتماعية وما نعمل على الاخذ به من مد مظلة التأمينات الى اكبر قطاعات ممكنة والاستمرار فى سياسة العمالة الكاملة وتحمل الأعباء الجسام للاحتفاظ بأسعار السلع الأساسية خصوصا المتصلة بقوت الجماهير كما تحقق هذا أيضا بفضل استبسال قواتنا المسلحة التى حققت لنا النصر وجعلت العالم يتنبه الى أهميتنا والى دورنا ويتسارع الى التعامل معنا والانفتاح علينا ولكن حركتنا من اجل انجاز العبور الثانى نحو البناء والتقدم جاءت على موعد مع هذا الاضطراب الاقتصادى العالمى وما يجلبه من مخاطر هائلة وهذا أمر يضاعف من اعبائنا ومسئولياتنا.. أننا مهما بذلنا من جهد فلا يمكن ان نفلت من التأثر ولو بدرجة ما فى هذه الظروف العالمية طالما أننا لا نقيم حول بلادنا ستاراً حديدياً وطالما أننا محتاجون إلى أن نشترى من الخارج كميات ضخمة من الأغذية والآلات والأسلحة على السواء وقد يكون من السهل رفع الصوت بالطلبات وقد يبدو معزيا للبعض أن يصرخ مطالبا بإنجاز كل شئ واصلاح كل شئ والقضاء على كل نقص بين يوم وليلة.. وقد ننزلق دون أن ندرى الى حلقة مفرغة من السباق بين الفئات والهيئات فى المطالبة بالحقوق بغض النظر عن الوطن كله وحقوق سائر فئات الشعب فيما نملك وفيما هو متوفر لدينا ولكن أى شئ من هذا خليق أن يفسد اكثر مما يصلح ويضر أكثر مما ينفع وقد يحل اليوم مشكلة لكى يوجد فى الغد عشرة أمثالها من المشاكل ولست اظنكم أيها الأخوة والأخوات الا مدركين اخطار هذه الدعوات السهلة فى لغة الكلام والضارة فى لغة التطبيق والتيسير.. إن علينا فى هذه المرحلة أن نلاحظ أن ثمة عدة اعتبارات كبرى تؤثر فى تحركنا الاقتصادى.

          أولا: استمرار المعركة وضرورة الحصول على السلاح وضرورة ما يتعلق به من تكاليف فالسلاح لا يتساقط مطرا علينا واذا كان الأخوة العرب يساعدون فى هذا المجال مشكورين الا أنه يجب أن نعلم وأن يعلم أيضا اخوتنا العرب أن الجزء الاكبر من العبء ما زلنا ندفعه نحن من عرقنا وكدحنا وحرماننا بما يعادل ثلث الدخل القومى للبلاد.. وإننا نفعل ذلك اداء لواجب أسمى نحو انفسنا ونحو الأمة العربية جميعا.

          ثانيا: التضخم العالمى وزيادة اسعار كل ما نستورده كما ذكرت مع حرصنا على الاحتفاظ بمستوى السلع الأساسية.. فرغيف الخبز مثلا الذى يباع بنصف قرش يكلف الخزانة العامة بعد الأسعار العالمية الجديدة اربعة قروش وهذا ينطبق على كل شئ من مواد البناء الى آلات المصانع وقطع الغيار.

          ثالثا: إن زيادة السكان عندنا ما زالت تسجل معدلا شديد الارتفاع فالسكان فى القطر المصرى زادوا منذ الثورة 18 مليون نسمة وزادوا منذ سنة 1967 وحدها خمسة ملايين نسمة وحين نقول أننا نستقبل كل سنة مليون نسمة زيادة فاننا نستقبل تلك الزيادة بالطبع فى استخدام المرافق وفى مصاريف الدراسة وفى تشغيل الخريجين من المدارس والمعاهد والجامعات ولا بد أن نوجد من مجالات التنمية ما يسبق هذه الزيادة الضخمة فى الاستهلاك.. بغير هذا لن يرتفع مستوى المعيشة لجميع المواطنين.

< 2 >