إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، أمام مجلس الشعب حول التطورات الأخيرة على صعيد أزمة الشرق الأوسط 29 / 3 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخاس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 74 - 78"

بسم الله..

السيد رئيس المجلس

الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب..

          يهمنى بصفة خاصة ولاكثر من معنى محدد ان أشترك مع مجلسكم الموقر، ومن فوق منبره، لتوجيه التحية والتقدير لذكرى الملك فيصل بن عبد العزيز.. يهمنى أن أشترك فى تحية وتقدير الانسان فى فيصل، ويهمنى ان أشترك فى تحية وتقدير الموقف في فيصل.

          أما الانسان فيه.. فرجل يعرف معنى الخلق، ومعنى الصداقة، ومعنى الكرامة، ومعنى الشرف، وأما الموقف فيه.. فرجل قلت له في حياته: أنك وعدت فصدقت وعاهدت فوفيت.. قلت له ذلك فى حياته، وأقوله اليوم بعد مماته.. ذاكرا بكل إعزاز وبكل عرفان وبكل محبة رجلا كان فى دوره إنسانا، وهذا أعظم ما يقال عن رجل، وكان فى حياته موقفا.. وهل الانسان إلا موقف حق والتزام؟

أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:

          لقد كان عزمى بعد مشيئة الله، أن أجىء اليكم اليوم مهما كانت النتائج فيما كنا نحاوله خلال الأسابيع الأخيرة فى أسوان.. كنا - كما عرفتم وتابعتم - نحاول وضع سياسة التقدم خطوة خطوة نحو آفاق السلام فى موضع الاختبار الحقيقى.. وكنا نفعل ذلك مقتنعين بأن قوة الضغط الأمريكى على اسرائيل لا تعادلها قوة ضغط أخرى، وبالتالى فان علينا ان نعطى للدكتور كيسنحر صاحب هذه السياسة، وللولايات المتحدة صاحبة هذه القوة، مجالا يحاولون فيه ونحن نحكم.. وفسحة من الوقت يجربون فيها ونحن نملك الكلمة الأخيرة.. كان عزمى- كما قلت لكم، ومهما كانت النتائج - أن أجئ اليوم اليكم.. فاذا كانت النتائج مما يمكن أن نقبل به، فقد كان واجبا في رأيى أن أضعها أمامكم وامام الشعوب والأمة بحقائقها ووثائقها.

          وقد طلبت الى وزير الخارجية - قبل ذهابنا الى اسوان - أن يكون مستعدا فى حالة الوصول الى أى اتفاق أن يودع لدى أمانة مجلسكم الموقر كل أوراقه ومستنداته..

          كان مطلبى أن تكون الحقائق والوثائق أمامكم لكى تحكموا ويحكم الشعب والأمة.. وكان من بين مقاصدى أن يكون ما نصل إليه بأكمله مبرأ من مظان السرية وظلالها، مصونا من التأويلات والتخريجات، قاطعا بالصدق والحق، قابلا للمسئولية أمام الامة وأمام التاريخ.

          وإذا كانت النتائج مما لا نستطيع القبول به، فقد كان واجبا فى رأيى أيضا أن أجىء إليكم والى الشعب والأمة من ورائكم، عارضا سير الأمور قائلا لكم بالأمانة رأيى، طالبا منكم بالأمانة ما ترونه، حتى نستطيع معا أن نحمل مسئوليتنا المشتركة ونسير.. نحمل أعباءنا المشتركة ونسير.. نحمل اقدارنا المشتركة ونسير.. ولم يكن بى فى الحالتين: حالة الوصول الى نتائج  نقبل بها، أو حالة الوصول الى نتائج لا نقبل بها.. لم يكن بى في الحالتين تخوف ولا قلق. كان ذلك صادرا من قناعات رضيت بها، ولازلت راض.

          أولها: انه ليس هناك طريق واحد الى الهدف، وإنما هناك طرق متعددة ومتنوعة. من ذلك مثلا أن استعدادنا للعمل بالوسائل الدبلوماسية، ليس له أن يعوق استعدادنا للعمل بوسائل القوة.. ومن ذلك أيضا أن القبول بإعطاء الفرصة لسياسة التقدم خطوة خطوة ليس له أن يسد الطريق أمام احتمال الطرح الاشمل في مؤتمر جنيف.

          ثانيها: أنه فى قرارات تتصل مباشرة بخيارات الحرب والسلام، فان أى مسئول يستشعر وقع المسئولية ويعرف أثقالها ويؤمن بقدسية الحياة وتشوق البشر الدائم الى السلام القائم على العدل.. أقول أن هذا المسئول لابد له - تقى لله وصلاة - ألا يترك باب دون استكشافه، وألا يترك للضياع أية فرصة، وأن يظل ساهرا ولو لم يكن معه فى الظلام الحالك الا شمعة واحدة.

          ثالثها: أنه فيما يتعلق بى فاننى آليت على نفسى منذ أول يوم توليت فيه مسئوليتى بارادة الشعب ورضا الأمة.. آليت على نفسى ألا يكون شخصى موضعا للاعتبار فى قرارى بمعنى أننى على استعداد باستمرار لكى أحاول كل ما أعتقد أو أتصور أو أظن أنه سبيل ضمن سبل الى هدف من أهدافنا.. فاذا توقف السعى اليه لسبب أو لآخر، فاننى لا أعتبر ذلك نهاية المطاف، كما أننى لا أعتبره مساسا لكبريائى.. لقد آمنت وسوف أؤمن وسوف أظل أؤمن أن كبريائى هى حقوق وطنى وحقوق أمتى.. فاذا وصلنا فالكبرياء مصونة.. واذا لم نصل فالكبرياء أيضا مصونة.. طالما أننا نملك العقل الذى يعطينا طرقا بديلة، ونملك الارادة التى هى المفتاح لكل شئ.

          أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:

          ما الذى كنا نحاوله خلال السنة الأخيرة؟.. ذلك سؤال ضمن اسئلة لابد ان نجيب عليها لكى نسلح أنفسنا بأكبر قدر ممكن من الوضوح.. كنا نحاول أمرين:

          الأمر الأول: ترجمة ما استطعنا بجيوشنا وشعوبنا، وكل عناصر قوانا الذاتية والدولية ان نحققه في ذلك اليوم المجيد من أكتوبر سنة 1973 أى أن نترجمه الى واقع سياسى إن قيمة أى انتصار عسكرى هى بمقدار ما يستطيع أصحابه أن يترجموه إلى واقع سياسى أى الى حقائق حية على ميدان الصراع.. أرضا محررة تتسع كل يوم حتى يشمل التحرير كل بقعة ضائعة من أوطاننا حقوقا تعود وتعود كل يوم حتى تتم العودة الكاملة لكل الحقوق الضائعة.. ارادة أقوى وأقوى كل يوم.. حتى تصل الارادة الى الدرجة الكافية لتحقيق الهدف الوطنى والقومى.

          هذه هى قيمة أى انتصار عسكرى.. وهذا ما حاولناه بكل سبيل.

          الأمر الثاني: هو الاحتفاظ في كل الظروف وفى كل الأحوال بحجم الانتصار، حتى يظل قائما وحتى يظل أيضا قادرا طول الوقت على توليد كمية الضغط اللازمة لتحقيق الآمال التى كانت من أجلها التضحيات.. ولقد كان أعظم ما حققناه فى حرب أكتوبر العظيمة أننا أثبتنا - لأنفسنا وللآخرين - أن الارادة العربية قد قبلت التحدى الصهيونى بكل جوانبه العسكرية والحضارية، المعنوية والمادية، الاقليمية والدولية.

<1>