إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي، 22 / 7 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 190 - 200"

مصر، ووجدنا أيضا أن التنافس زاد بعد حفر قناة السويس، وانزلقت البلاد تحت حكم الخديويين إلى الاستدانة والخضوع للنفوذ الأجنبي حتى تم رهن كل مرافق البلاد للماليين الأجانب، واشترت انجلترا أخيرا أسهم قناة السويس ولم يبق إلا قدوم قوات الاحتلال.

البحث عن الحقيقة

          كان علينا أيضا أن نبحث عن الحقيقة فى تاريخ بلدنا.. وجدنا أن أحمد عرابى كان البطل الوطنى الذى حاول مع الجيش الوطنى والحركة الشعبية أن يوقف هذا ويتصدى له معبرا عن مشاعر شعبه فى قيام برلمان منتخب وحكومة مصرية وجيش وطنى مطهر من الدخلاء.. وعرفنا أن مصطفى كامل لم يخرج الانجليز حقا ولكنه أيقظ شعلة الوطنية المصرية التى اطفأتها مؤقتا فترة الاحتلال.. وعرفنا ان محمد فريد كان اول من نظم نقابات العمال وفتح المدارس لمحو الأمية وواصل الكفاح حتى غلبته ظروف قيام الحرب العالمية الأولى.. وعرفنا ثورة 19 ليست عملا تخريبيا بل انه بعد الحرب العالمية الأولى وسيادة الاستعمار على كل ارجاء العالم كان شعب مصر هو صاحب أول ثورة وطنية ضد الاستعمار وضد الحلفاء المنتصرين المتجبرين.. وعرفنا أن سعد زغلول كان أول فلاح مصرى صميم يرأس أول وزراة دستورية.. وما كان اسقاطه وانتهاك الدستور إلا مؤامرة أخرى لكسر موجة الوطنية المصرية وسلبها ثمار تضحياتها واعادتها الى الوراء.. ولكن شعب مصر المكافح صانع الحضارة والتمدن منذ أقدم العصور حقق بالرغم من ذلك، وعبر كل تلك الحلقات من الكفاح بما فيها من انتصارات ونكسات، أقول.. حقق مكاسب كثيرة وقد انتشر الوعى والتعليم ونمت حركة فكرية وثقافية أضاءت المنطقة كلها، وتأسست أول جامعة مدنية بالجهد الشعبى، جامعة القاهرة هذه.. التى نجتمع فيها اليوم، وقامت حركة تحديثية تزعمها طلعت حرب لانشاء أول بنك مصرى وأخذ يؤسس أول شركات وصناعات مصرية صميمة خارقا جدار الاحتكار الاستعمار والأكذوبة الكبرى عن عدم قابلية شعبنا للاشكال الحديثة المتطورة فى الانتاج والاستثمار.

          واحب هنا ان الفت النظر الى نقطة تفوت كثيرين من المؤرخين.. هذه النقطة، هى ان مصر ساعة ان استولى عليها الاستعمار البريطانى كانت دولة على درجة من التقدم لو لم تقطعها ثمانين سنة من الاحتلال لكانت اليوم فى مصاف دول أوروبا.

          كان لها منذ قيام دولتها الحديثة على يد محمد على.. كان لها جيش قوى.. ومصانع حربية.. وترسانات بحرية، وأسطول حربى.. ومصانع الغرل والنسيج.. كان لدينا مدارس لكل فروع العلوم العسكرية المتقدمة وكليات لكل العلوم الحديثة، وتعليم مجانى فى كل المراحل ومجلس تشريعى ناشئ كان مثله قليل فى أوروبا فى ذلك الوقت.

          وحين نرجع الى أول قرارات اتخذها الانجليز والخديوى بعد اخماد الثورة العربية نجد ان فى مقدمتها حل الجيش المصرى واغلاق المصانع والترسانات الحربية والمدنية وبيعها خردة، وبيع القطع البحرية كلها ما عدا اليخت الملكى واغلاق المدارس والكليات وتخفيض ميزانية التعليم، والغاء كل الكليات العسكرية المتخصصة ومعظم الكليات والمعاهد الفنية.

          أسجل هذا لأكرر ما قلته من ان مصر كانت دائما وستظل بلدا مستهدفا من قوى كثيرة فى العالم، فالقوى الكبرى في كل عصر لا تريد ان تقوم في هذه البقعة الحساسة من العالم دولة قوية مؤثرة ذات شأن لأنهم يعرفون ثروتها البشرية، وطاقات شعبها الخلاقة، وامكانيات التضامن بواسطتها فى العالم العربى الشاسع فهم اما ان يتحالفوا عليها أو يكيدوا لها أو يعملوا على اذلالها أو يتأمروا ضدها، نجد هذه ظاهرة مستمرة منذ ان ضرب محمد على سنة 1840 الى الاحتلال الانجليزى سنة 1882 الى اقامة دولة اسرائيل سنة 1948 الى حروب سنة 56 و 67.

التمسك بحرية الارادة الوطنية

          وهذا ما يجعلنا دائما نرفض الدخول فى مناطق النفوذ.. ونرفض التبعية بأى شكل من الأشكال.. ونرفض ايضا المساومة على علاقتنا العربية ونتمسك بحرية ارادتنا الوطنية.. انها مبادئ أساسية لأنها بنت تجربة تاريخنا الطويل.

          وأعود إلى أحاسيس شبابنا عقب الحرب العالمية الثانية.. كنا نرى أن الحركة الوطنية بعد ثورة سنة 19 والكفاح الطويل ضد الاستعمار والقصر والظلم قد وصلت الى طريق مسدود، الحلفاء المنتصرون يريدون تكرار خدعة الحرب الأولى وتدعيم النظام الاستعمارى العالمى والغاء كل الوعود التى أعطوها للشعوب خلال الحرب.. الدستور نفسه صار صورة ممسوخة لا ظل لها من الوجود، الأحزاب تحللت وتفسخت، وهبط كفاحنا إلى مستوى التظاهر وتحطيم عربات الترام، وفوانيس النور، السجون والمعتقلات ممتلئة بواسطة القوى العميلة لحساب الانجليز وقامت حرب فلسطين الأولى، وتأسست دولة اسرائيل بواسطة قوى الاستعمار، لتكون خنجرا فى جنب مصر وفى قلب الأمة العربية كان الشباب الحائر يلجأ إلى التنظيمات السرية والعلنية ضد النظام القديم.. كانت حيرة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ووقعت معارك بين الفلاحين والاقطاع فى الريف، والسلطة الحاكمة ماضية فى غيها حتى صارت الوزارات لا تعيش إلا أياما ولا يصل اليها إلا من يدفع أكثر وتعرضت ثروة البلاد الأساسية وهى القطن للمضاربات و الرشوة والفساد.

23 يوليو .. أنصع أيام تاريخنا

          وكنت كما كان غيرى نتلمس فى ظلام دامس سبل الكفاح ورد الكرامة للوطن والمواطن، وعرفت كما عرف غيرى حياة التشرد والمقاومة والسجن والتنكيل والتجويع، ومع الزمن اهتدت قلة من شباب القوات المسلحة إلى بداية طريق لا نهاية له إلا النصر

<2>