إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي، 22 / 7 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 190 - 200"

          أيها الأخوة والأخوات أعضاء المؤتمر القومي..

          انكم مقبلون على مرحلة جديدة في حياة الاتحاد الاشتراكى.. مرحلة جديدة بكل ما سردته عليكم الأن من ظروف وطنية وعربية ودولية ومرحلة جديدة بتأكيدنا على ضرورة أن يكون الاتحاد الاشتراكى الجديد ديمقراطيا لا يرد عن بابه أى فرد يلتزم بمواثيق الثورة ويفسح المجال لتعدد المنابر.

          ومرحلة جديدة بتسليمكم أنتم مهمة انجاح تحالف قوى الشعب العاملة فى هذه الصيغة الديمقراطية الجديدة وجعله أكثر ايجابية وفاعلية..

          وسيكون نجاحكم ان شاء الله رهنا بقدرتكم على استيعاب كل حوار حول أى قضية من القضايا واعطاء كل اتجاه فرصته في التعبير عن رأيه..

          بهذا نخطو خطوة كبيرة على الطريق إلى الديمقراطية وتصبح لدينا القنوات التى يدور فيها الحوار المؤدى إلى التطور فى أسلوب سلمى معبراً تعبيراً حقيقياً عن إرادة الشعب.

أسس العمل الوطنى

          ولست أريد أن أتدخل الآن فى مناقشاتكم ولكننى أجد من الواجب على أن أوصيكم بعدة أشياء أعتبر أنها هى الأسس التى يجب أن يقوم عليها دائما عملنا الوطنى.

          أولا: وحدة الشعب المصرى ووحدة التاريخ المصرى، فالشعب المصرى جغرافيا واجتماعيا قل أن تجد فى العالم نظيرا له في ترابطه وتماسكه وانسجامه الوطنى عبر آلاف السنين. لم يكن يوما ممزقا إلى أجزاء ولم يكن يوما يتحدث عدة لغات ولم يكن يوما بغير عاصمة مركزية للقطر كله.

          والشعب المصرى تاريخيا كانت فى حياته دائما المتغيرات التى تجئ مع الغزوات والهجرات الخارجية ولكن كانت لديه دائما عوامل الثبات التى لا تتغير بل تهضم كل متغير وتستوعبه وتصبه فى قالبها الخاص الفريد.

          هذه الوحدة التاريخية والجغرافية والاجتماعية هى التى أوجدت المصرى الأصيل الذى رأى مالم تره شعوب كثيرة من هجمات وغزوات لأن بلادنا كما قلت لكم كانت عبر التاريخ كله مستهدفة من كل قوة تريد أن تسيطر على العالم ولكنه صمد لهذا كله واحتفظ بقيمه وخصائصه الأصيلة وظل يصنع الحضارة ويخلق ويبدع دون انقطاع.

          وكفاحنا أمس واليوم وغدا مكرس كله لاتاحة الفرصة لهذا المصرى الأصيل مكرس كله لتخليصه من آثار التخلف الطويل لكى يعود إلى دوره الرائد فى الخلق والابداع والمساهمة فى الحضارة الانسانية الحديثة.

          واذا كان الشعب المصرى متدينا بطبيعته فانه أيضا متسامح بطبيعته .. آمن دائما بأن الدين لله وأن الوطن للجميع وآمن دائما بوحدة عنصرى الأمة ولكنه كان دائما يرفض التعصب والشعوذة أو استخدام الدين لأغراض سياسية.

          لقد كانت مصر دائما حصناً للاسلام سواء بالمعنى العسكرى دفاعا عن بلاد المسلمين، أو بالمعنى الثقافي باقامتها لمنابر الدين وحفظها لتراثه، وتدريسها لكل مذاهبه واتجاهاته، فهى ليست فى حاجة إلى من يعلمها شيئا فى هذا المجال، وهى تلفظ كل دعاة للتعصب والشعوذة، التى هى ضد جوهر الدين.

          ولهذا يجب أن نكون منفتحين من جهة على التجارب الانسانية المعاصرة والعلوم الحديثة.. ومتمسكين من جهة أخرى بقيمنا الروحية والمعنوية، نأخذ بأسباب التقدم المادى، ولكن نعتصم فى نفس الوقت بقيمنا التى تحمينا من أمراض المجتمعات المادية الخالية من الروح وسوف تظل وحدة الشعب المصرى دائما أقوى حصونه وأمضى أسلحته.

          ثانيا: الانتماء العربي: وهذا الانتماء العربى ليس سياسة وليس قرارا يتخذه أحد أو يرفضه أحد.. انه واقع ومصير وانه تراث مشترك قوى عميق أضاء الدنيا كلها ذات يوم، وحمل مشعل الحضارة فى عصور سادها الظلام، انه مصير مشترك فى عالم يداس فيه الصغار بالأقدام وتبحث الدول عن عائلات أكبر تنتسب اليها حتى تتقدم وتعيش.

          والعروبة هى عائلتنا جميعا.. عائلتنا التى لا ينقصها شئ نفتعله لها. فاللغة واحدة والتراث الثقافى والفكرى واحد، وعلى أمتنا هبطت الأديان السماوية جميعا ومنها خرج كل الرسل والأنبياء وموقعنا الجغرافي متصل.

          وأخيرا فالأطماع فينا أسبابها واحدة وآثار قوتنا وتماسكنا تنعكس علينا جميعا.

          ولا يؤثر فيكم أن يقوم فرد هنا أو جماعة هناك تحاول بناء رأسمالها على حملات الكراهية ضد مصر أو محاولات عزل مصر فتلك شراذم معزولة ومصر ستبقى دائما عزيزة على قلب كل عربى.

          ثالثا: حرية الارادة الوطنية: ان حرية الارادة الوطنية هى الترجمة العميقة لكلمة الاستقلال. لقد كافح الشعب المصرى طويلا لتحقيق استقلاله الوطنى والاقتصادى ومن أجل جعل قيادته وحكومته ومؤسساته مصرية مائة فى المائة غير أننا كما شرحت من قبل، فى عصر جديد لا يكفى فيه مجرد الاستقلال بمعناه القديم. كما أن الاستقلال لم يعد يعنى العزلة بعد أن انفتحت الأبواب بين كل الدول اقتصادياً وسياسياً وفكرياً.. عالم اختفت فيه الامبراطوريات القديمة لكن صار ما يسمى بالدول الكبرى والدول الصغيرة.. والدول المتقدمة والدول المتخلفة، وما إلى ذلك من المصطلحات..

          عالم عزف عن الأشكال القديمة للاستعمارولكن حلت فيه أشكال جديدة من أساليب الضغوط والاستدراج وفرض الرأى والاخضاع للنفوذ وأساليب التأثير الفكرى والحرب النفسية والمعنوية والشركات المتعددة الجنسيات التى تضخمت حتى صارت كالامبراطوريات غير الظاهرة للعيان. ولابد لنا أن نتعامل مع هذا كله فى عالم يزداد تشابكا واقترابا بوسائل النقل والاتصال.

<9>