إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في مقر الاتحاد الاشتراكي العربي، في الذكرى الخامسة لوفاة الرئيس جمال عبد الناصر،  28/9/1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 288 - 307"

والأفكار فراحوا يمجدون في العهد السابق على الثورة ويصورون الأمور وكأن عهد ما قبل 23 يوليو كان نعيما وما بعد 23 يوليو كان نقمة وعذابا وهنا أيضا أقول بكل صراحة - لا - التاريخ ماثل أمامنا ولا يمكن خداع الناس فيه .. قبل 23 يوليو ماذا كان العهد ؟ كان عهد الاستعمار والقصر والإقطاع وامتيازات الأقلية .. وبعد 23 يوليو بدأ عهد الحاكم المصري والقيادة المصرية والقرارات المصرية والاتجاه إلى استرداد حقوق الأغلبية المقهورة من شعب مصر ولو كانت مصر قبل 23 يوليو، رافلة في النعيم كما يزعمون ففيم اذن كانت الثورة، ولماذا خرجت ملايين الشعب من اللحظات الأولى تباركها وتؤيدها وتتنفس الصعداء لزوال الكابوس الجاثم عليها.

         اننا حين نذكر لكل عهد ايجابياته وسلبياته فليس معنى ذلك خلط الأمور واستغلالها لهذا الغرض أو لذاك.

         ومرة أخرى فنحن لا نناقش الشخصيات ولكن ظروف النضال الوطني قبل 23 يوليو كانت مختلفة تماما وبالتالي كان انجازها ضئيلا جدا.

         ماذا وصل اليه عهد الأحزاب القديمة من سنة 19 الى سنة 52 أي طوال ثلاثة وثلاثين عاما، في القضية الوطنية كان أقصى ما وصل اليه عهد الأحزاب هو معاهدة 36 التي أسموها معاهدة الشرف والاستقلال والتي بمقتضاها بقى الجيش الإنجليزي في قلب القاهرة بل في ثكنات قصر النيل مكان هذا المبنى الذي نجتمع فيه الآن.

         وكان اقصى أمل للمعاهدة احتفاظهم بمنطقة القناة كلها والارتباط بحلف عسكرى ابدى مع الإنجليز.

         وفي مجال القضية الداخلية ظل الإنجليز والقصر يتحكمون في كل شئون البلاد.. حتى قيام الثورة كانت السلطة الحقيقية في دار المندوب السامى أولا.. ثم تحولت الى سفارة في النهاية.

         ولعلنا ننكر قبل قيام الثورة بأسابيع اعتذر سفير انجلترا عن مقابلة رئيس وزراء مصر فسقطت الوزارة ...

         قبل قيام الثورة بأيام دفع للقصر نصف مليون جنيه لتغيير الوزارة وتم التغيير. كل دى حقائق في التاريخ موجودة.

         في مجال القضية الاجتماعية رفضت الأحزاب كلها أي مشروع معتدل للاصلاح الزراعي.

         في مجال التنمية انعدم معدل الزيادة في التنمية تقريبا. وكانت الصناعة محاولات صغيرة فردية مبعثرة. والمشروع الكبير الوحيد الذي تصدت له الأحزاب طوال ثلاثين سنة كان التعلية الثانية لخزان أسوان القديم وكهربته.. ومع ذلك لم يتم هذا بسبب الفساد والمضاربات الحزبية، وهو ما لا يبلغ عشر معشار السد العالي وحده- ومع ذلك تم أيضا كهربة خزان اسوان القديم.

         أقول لقد انتهت الحياة الحزبية القديمة مع نهاية الحرب الثانية الى الافلاس في كل مجال، ومن وقتها والى قيام الثورة اضطرب كل شئ في البلاد.. اضطرب الاقتصاد.. واضطرب الأمن.. اشتركت الحكومة والسلطات في الاغتيالات كأنها عصابة من العصابات فانتشر تلفيق القضايا.. انتهكت حرمة القضاء بتشكيل نيابات اقرأوا عنها ايامها- عانيت أنا نفسي وأنا في السجن منها- ومحاكم مثل محكمة حسين طنطاوي كانت اليد العليا للبوليس السياسي.. امتلأت السجون والمعتقلات.. عاشت البلاد أكثر عمرها في ظل الأحكام العرفية والرقابة على الصحف، وكان الفساد في أعلى المستويات.

         كان هذا مع الأسف هو الوضع، وكانت هذه الملامح هي التي مرغت كرامة الوطن في التراب.. وكانت هي الدافع الأول لقيام ثورة 23 يوليو 52.

         ولكن مرة أخرى.. وقد وعدت ان اتكلم بمنتهى الصراحة مرة أخرى.. أقول أن ثورة 23 يوليو كان لها أيضا سلبيات .. ومن واقع المسئولية أمارس هذا النقد الذاتي وأقول نعم.. كانت هناك انحرافات.. وكانت هناك سجون ومعتقلات.. وكما كان لا بد من اجراءات استثنائية تبررها اي ثورة الا ان بعض هذه الإجراءات طال أكثر مما يجب وامتد إلى مجالات ما كان يجب ان يمتد اليها.

         كانت هناك اجراءات وتصرفات لا تبررها الشرعية الثورية.. نمت مراكز قوة واستفحلت أكثر من ذلك.. وأقولها بمنتهى الصراحة.. ان الميثاق لم ينفذ كله، بل أكثر من هذا حاول البعض مركسة هذا الميثاق بالنظرية الماركسية، مع أن الميثاق ينص صراحة على الفروق الجوهرية بين نظريتنا وبين الماركسية.

         ولكن عندما نشأت مراكز القوى واستفحلت، وفي غيبة مؤسسات الدولة انقلب الميثاق الى نظرية ماركسية، وعبد الناصر لم يكن ماركسيا، وقد قال هذا في الميثاق.. وقال عن الفروق الجوهرية بين نظريتنا تحالف قوى الشعب العاملة وبين الماركسية.. بيان 30 مارس لم ينفذ على الإطلاق، ونحن جميعا شهود .. وبوجه عام فان ذلك الجزء من أهداف الثورة وهو الهدف السادس من الأهداف الستة التي بدأت بها ثورة 23 يوليو المتعلق برد الحريات السياسية للشعب، وإقامة الديمقراطية السليمة.

         أقول إن هذا الجزء لم ينفذ على الإطلاق.. باعترف بالسلبيات كما قلت وبالإيجابيات من موقع مشاركتى في قيادة الثورة منذ كانت جنينا ومسئوليتي الكاملة عن مسيرتها منذ خمس سنوات أمارس هذا النقد الذاتي وأسجل هذه النواحى من القصور.

         يقودنى هذا الى الحديث عن ثورة 15 مايو التصحيحية ولعلكم تذكرون أننى كنت أصر على استخدام تعبير حركة 15 مايو زمنا طويلا.. ولكن الآن وقد اكتملت ملامحها يمكننى أن أقول أنها ثورة كاملة.

         ما مغزى ثورة 15 مايو.. انها أولا.. تجربة فريدة في النقد الذاتى ..

         هناك النقد الذاتى الذي يقف عند حدود الكلام فقط، ولكن 15 مايو كانت نقدا ذاتيا عمليا .. لم أمارسه بالقول ولكننى مارسته بالفعل.. مارسته بالتصدى لأوجه النقص بتكميلها والتصدى لأوجه الانحراف بتصحيحها، وهذا وحده هو الأسلوب الجدير باسم " النقد الذاتى "..

         الأمر الثاني هو ان النقد الذاتي العلمى، أي هذه الثورة التصحيحية، تمت في أطار ثورة 23 يوليو، فهى لم تفرض علينا من

<2>